الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٦:٠٦ مساءً

إلى لجنة الدستور.. أخطر ما في الفيدرالية

عارف الدوش
الثلاثاء ، ١١ مارس ٢٠١٤ الساعة ٠٨:٤٠ مساءً
إن المرحلة القادمة ستكون هامة في مسار عملية التحول الذي يشهده اليمن وتقع على أعضاء لجنة الدستور مسؤولية تاريخية كبرى فتحقيق التطلعات التي يتوق لها أبناء اليمن ستكون من خلال التنفيذ الخلاق لمخرجات مؤتمر الحوار الوطني في نصوص دستورية هي اصلاً متوفرة وبكثرة في " وثيقة الحوار الوطني "

لقد شاهد العالم ما ساده من توافق ووفاق بين مختلف التكوينات وقوى المجتمع كانت ثماره في مخرجات الحوار الوطني التي يرى فيها اليمنيون ملخصا واضحا وجليا لمضمون اليمن الجديد المبني على العدالة والمساواة والحكم الرشيد، وهذا يتجسد في النظام الاتحادي باعتباره أكثر ضمانا وأمانا واستقرارا من حيث توسيع المشاركة الشعبية ومنح صلاحيات لتحمل المسؤولية وممارسة السلطة وتوزيع الثروة بهدف إرساء العدالة الاجتماعية وتحقيق الحكم الرشيد.

من هنا فإن النظام الإتحادي سيجعل المحافظات والأقاليم تتمتع بصلاحية كاملة واستقلال مالي وإداري بهدف توفير الخدمات الأساسية للناس مثل الكهرباء والمياه والصحة والطرقات والتعليم وهي خدمات ينشدها المواطن اليمني منذ أكثر من نصف قرن ولازالت غائبة بسبب الانشغال في صراعات الحكم ونوعية النظام ومن يحكم .

لم يناقش اليمنيون بجدية منذ أكثر من نصف قرن كيف يحكم الحاكم ومن معه إلا هذه المرة في مؤتمر الحوار الوطني ومن يريد التوسع فعليه بوثيقة الحوار الوطني خاصة فيما يتعلق بالحكم الرشيد وشروط شغل المناصب القيادية في الدولة والحكومة والأحزاب وفي جوانب الحقوق والحريات واستقلالية الهيئات وفي مختلف جوانب الحياة الأخرى.

نعم أصبحت لدينا مخرجات جميلة ورائعة تلبي طموحات الناس فقط لجنة صياغة الدستور تحدد الهدف وتصيغ لليمنيين دستوراً واضحاً لا تحتمل عبارات مواده وفصوله أكثر من تفسير دستور يحمل في مواده سياج أمان من الاعتداء عليه من قبل أي مغامر أو مهووس سلطة واستبداد ونهب وإقصاء.

ويتطلع اليمنيون أن تكون مواد الدستور الجديد واضحة قاطعة مانعة جازمة خاصة فيما يتعلق بشروط شغل المناصب القيادية وفترات الحكم للقيادات العليا من رئيس الجمهورية حتى درجة وكيل وزارة وهي من مخرجات فريق الحكم الرشيد توافق عليها مؤتمر الحوار بدلاً عن مادة العزل السياسي التي أثارت جدلاً وكادت تفجر مؤتمر الحوار.

واعتقد أن المركزية ليست وحدها سبب المشاكل الإدارية والانتقاص من حقوق الناس والإهمال في الأداء والإقصاء والتهميش وشيوع النهب والفساد، بل مضمون الحكم ومع من يقف الحاكمون ومن يخدمون والمواد الدستورية والقانونية المطاطة التي يمكن لكل شخص أو تيار سياسي أن يحتج بها ويلاقي بغيته في كلماتها غير مقبولة في الدستور الجديد.

وأخطر ما في النظام الفيدرالي هو التلاعب بصيغ تكوينات وصلاحيات الحكومات والبرلمانات الإقليمية وعلاقتها بالهيئات والمؤسسات الفيدرالية فقد تردد أكثر من مرة أن الفيدرالية المناسبة لليمن هي فيدرالية إدارية فقط وجاءت بعض النصوص في مخرجات الحوار الوطني خاصة فيما يتعلق بالتسميات وصلاحيات الأقاليم والولايات المتعلقة بالثروة والحقوق السياسية لليمنيين من أي أقليم كانوا، جاءت ملتبسة، ويفترض بالدستور الجديد أن يضبط عباراتها ولا يجعلها تحمل تفسيرات متعددة.


وينتظر المواطنون اليمنيون بفارغ الصبر دستوراً جديداً ليمن جديد بنظام فيدرالي يحقق طموحاتهم ويؤدي الى سهولة التنقل من أقليم الى آخر ومن ولاية الى أخرى ويحقق أيضاً هوية وطنية جامعة تكون نتاج تبلور المتعدد في وحدة مؤتلفة توافقية تصالحية لا تصادمية تناحرية، بمعنى أن يجب الدستور الجديد بصراحة على السؤال الجوهري هل سيصبح اليمنيون مواطنون ولايات؟ أم مواطنون يمنيين؟ ونتمنى أن تكون الإجابة يمنيين.

صحيح إن النظام الفيدرالي المقترح يمنح اليمنيين وعداً بتوزيع السلطة والثروة باعتبار أن الفيدرالية تعني حكومات وبرلمانات على مستوى الأقاليم وتعني توزيع الثروة وتعني تمثيلاً متساوياً على مستوى السلطات الاتحادية، لكن هناك نصوصاً نوقشت ونشرت أعطت الولايات وهي المستوى الثالث من سلطات الدولة الفيدرالية صلاحيات هي من اختصاص السلطة الاتحادية، مثل حق توقيع العقود مع الشركات النفطية والثروات الأخرى.

ويظل الجوهري في الفيدرالية ما يتعلق بصلاحيات الحكومة الاتحادية وصلاحيات الأقاليم والولايات كما قلنا سلفاً ونكرر ذلك، ومن أهم ضوابط الفيدرالية وعوامل نجاحها جعل ثروات البلاد حقاً لجميع سكانها ومن اختصاصات السلطات الاتحادية البت في موضوع الثروات وتوزيعها.

وأخيراً : يعلم اعضاء لجنة صياغة الدستور أن الصراعات والحروب بين الدول وبين المجموعات ومراكز القوى والنفوذ داخل الدول هي من أجل السلطة والثروة وبالتالي يصبح غير منطقي ولا طبيعي، كما قرأنا أن الصلاحيات في موضوع الثروات ستمنح للولايات المنتجة للثروات، فهذا سيشجع الطامحين الى الانفصال وتأسيس دول ومشيخات وسلطنات وأمارات وسيفجر نزاعات وحروباً بين الأقاليم .. والله من وراء القصد.