الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:٣٥ مساءً

عزيزة الخطيرة!!!

د . عبد الملك الضرعي
الاربعاء ، ٢٦ اكتوبر ٢٠١١ الساعة ١٠:٤٥ صباحاً
منذ اندلاع الثورة الشبابية في فبراير الماضي والمرأة اليمنية تشكل أحد المكونات الهامة في الثورة الشبابية ،بل لقد تعرضت بعض الثائرات لاعتداءات مباشرة منذالأيام الأولى ،ولوجود المرأة دافع رمزي قوي عزز الصمود لدى الشباب في مواجهة آلة القمع التي تستخدمها السلطة ، لذلك ظهر الرئيس في إحدى حشود جمعة السبعين مستنكراً ما سماه الاختلاط في ساحات الثورة الشبابية ، ولأنه جاء بذلك لدافع سياسي ، فقد حاول التعبير عن أسفه وأنه لايقصد الإساءة إلى النساء وذلك من خلال عدة لقاءات مع القيادات النسوية التابعة للمؤتمر الشعبي العام ، وكان اعتذاره ذلك نتاج لبوحه ما في سره من قلق من تواجد المرأة في تلك الساحات ، بل لقد حاول الحزب الحاكم وعبر وسائله الإعلامية والاستخباراتية الإساءة إلى بعض القيادات النسوية بأوصاف عديدة ، كل تلك المحاولات كان هدفها إثناء الثائرات عن المشاركة في الثورة الشبابية .

إن المحاولات العديدة لم تثني النساء عن المشاركة في فعاليات الثورة الشبابية ، بل شاركت أعداد غفيرة في مسيرات نسوية خالصة ، وأعداد رمزية في مسيرات مشتركة مع الشباب ، وكانت لدى بعض الثائرات القدرة على توجيه رسائل إعلامية وبمستوى عالي من الثقافة والحس الثوري ، وهناك من شاركن من منازلهن في صفحات الفيسبوك والمواقع اللكترونية ، ومنهن من دعمن الساحات بالمال والطعام والدواء ...الخ.

لقد شعرت السلطة بالخطر الذي تمثلة المرأة في التاثير على التصعيد الثوري سواء من داخل الساحات أو من خارجها ، فالمرأة هي الأم والأخت والإبنة والحفيدة وهي العمة والخالة وهي الجارة ، بل ومن يشاهد صلاة الجمعة في ساحات صنعاء وتعز وإب على وجه الخصوص ، والمسيرات النسوية في محافظات عدن ومأرب والحديدة وحضرموت وحتى جزيرة سقطرى وبقية المحافظات يعلم أن السلطة وجدت في المرأة خصم لايستهان به ، لذا بينما كانت السلطة تخشى في الأشهرالأولى للثورة من العيب الاجتماعي وسمعة الأمن وأنصار الحزب ، تغير ذلك الشعور في الأشهر الأخيرة نتيجة الهستيريا التي أصابت رموز السلطة وتلاشت من قاموسهم القيم والأعراف الاجتماعية وخاصة بعد نيل الناشطة توكل كرمان لجائزة نوبل للسلام ، واتُخذ قرار مواجهة المشاركة النسوية في الفعاليات الثورية بنفس الأدوات القمعية التي يواجه بها الشباب ، ومن ثم بدأ تساقط النساء بين شهيدة وجريحة.

إن عزيزة تعز ليست المرأة الأولى التي تسقط في مسيرة الثورة الشبابية السلمية ، بل هناك عدد من حرائر اليمن بمختلف الأعمار سقطن في المواجهات الدامية في عدد من المحافظات اليمنية ، ولكن عزيزة هي الأولى التي سقطت في مسيرة وبشكل مباشر ومتعمد بينما الأخوات السابقات كان استشهادهن نتيجة قصف المنازل أو بأعيرة نارية طائشة ..الخ ، وبالتالي فعزيزة هي من أوائل المستهدفات بشكل عمدي ومباشر،وذلك يمثل حالة هستيريا متقدمة في مواجهة كل معارضي السلطة، دون تمييز.

إن ما حدث لعزيزة تعز يعبر عن حالة الهستيريا والخوف التي يعاني منها أنصار السلطة وقواتها ، وهي نفس الحالة التي دفعت تلك المجاميع لارتكاب مجازر في حق شباب الثورة في المناطق المحيطة بساحة التغيير بصنعاء في شارع الستين والزبيري والقاع والزراعة والقيادة...الخ ، إن عزيزة لم يكن معها سلاح خفيف أو ثقيل عزيزة لايتوقع أنها تحمل حتى سكين ، عزيزة تعز خطيرة لأنها تحمل ماهو أخطر من كل الأسلحة الفتاكة ، أنها إرادة الإنسان الحرة ، تلك الإرادة هي السلاح الخطير والدرع الواقي الذي دفع عزيزة للخروج في شوارع تعز لاتهاب الموت ، وقناصوها بأسلحتهم مختبئون خلف الجدران وملثمين يرتعدون خوفاً من نسوة عُزل ، إذن أين ما يقال عنه في كتب الأدب العربي عن صفات الرجولة والشجاعة والمرؤة ، أين ذهبت هذه الصفات من ذكور يوصفون بالرجال ، وكيف وجدت الشجاعة والاقدام في إناث سلبن من أولئك صفات الرجولة .

ما نعتقده يقيناً أن كل من يقدم على الإساءة أوالإعتداء على حرائراليمن لايتفق مع قيمنا وعاداتنا وتقاليدنا اليمنية والعربية والاسلامية ، وبالتالي من قام ويقوم وسيقوم بالإعتداء على نسائنا المناضلات يشك في إنتمائه لهذه الأمة ، ويشك في أصالته وكرامته ، لذا نأمل إن لا تتكرر الإعتداءات التي تطال نساء اليمن تحت أي مبرر ، وأن يدرك المعتدين البغاة أن كل اعتداء يمس حرائر اليمن يزيد من النقمة الشعبية على السلطة المتساقطة ، ومن ثم ومن باب الحسابات السياسية فتلك الإعمال التي يقوم بها المغامرون تقرب من زوال حكمهم ، وتقربهم أكثر من عدالة السماء.

أخيراً عزيزة تعز هي رمزلنساء كثيرات رفضن الظلم والطغيان ، منهن المشاركات في ساحات الثورة بشكل دائم ويشاركن في فعاليات الثورة السلمية اليومية، ومنهن المشاركات في الفعاليات بشكل أسبوعي ، ومنهن المتواجدات في المنازل ويدعمن الساحات بالغذاء والعلاج والمال والدعاء ويقمن بواجب تربية الأبناء في غياب الأباء المشاركين في الثورة السلمية ، وهن المشجعات للأزواج والأبناء في ساحات الثورة ، وهن زوجات وأمهات وبنات وأخوات وخالات وعمات وحفيدات يتحملن فراق الشهداء وأنين الجرحى ويواصلن مشوار التربية والرعاية للأبناء والبنات ، فما تتحمله المرأة في إسناد الثورة يمثل أهمية قصوى تساعد في صمود الثوار، لذلك كله تحاول السلطة تحييد دور المرأة في المواجهة السياسية مع المعارضة من خلال بعض الأعمال الطائشة ومنها الإعتداءات الجسدية والنفسية ، ولكن ومما هو مؤكد أن كل اعتداء على المشاركات في الثورة السلمية يزيد من أعدادهن ويزيد من إصرارهن على مواجهة الطغاة ولو بدفع أراوحهن ثمناً للأهداف التي تسعى الثورة الشعبية السلمية إلى تحقيقها ، ومن ثم محاولات إثناء المرأة عن دورها الوطني لن ينجح ، ورهان القتلة والقناصة سيكون مصيره الفشل المحتوم ،لأن المرأة هي جزء من حركة التاريخ التي تدور فصولها الآن في مختلف محافظات الجمهورية ، فعجلة التاريخ لاتعود إلى الخلف بل تصنع مرحلة جديدة في حياة الأمم ، واليمن اليوم يدخل مقدمات مرحلة جديدة في تأريخه السياسي هذه المرحلة ستكون المرأة جزءً هاماً في مكونها الحضاري ، نرجوه تعالى أن يحفظ شعب اليمن رجال ونساء صغاراً وكبار ، وأن يزيل عنه الغمة ، إنه على ما يشاء قدير.