السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠١:٢٧ مساءً

أقلمة مستفزة

يحيى مقبل
الثلاثاء ، ١١ فبراير ٢٠١٤ الساعة ٠٦:٤٠ مساءً
إن خيار الاقليمين الذي اصر عليه الاشتراكي ولا يمانعه انصار الله ويتقبله الحراك ، هو وحده الذي يقبل به العقل والمنطق ، ففي التقسيمات الفدرالية يتم التقسيم على اسس لغوية ثقافية او اثنية عرقية او جغرافية فأحد أهم الأسباب التي تدعو إلى الأخذ بنظام اللامركزية، وجود مناطق تربط بين سكانها روابط خاصة نابعة عن خصوصية ظروفهم ومصالحهم المشتركة وهذا ما ليس موجودا في الأقاليم المنبثقة عن مؤتمر التقسيم المشؤم .

فتقسيم اليمن الى أربعة اقاليم في الشمال واقليمين في الجنوب بدعوى التخوف من الانفصال عملا ليس عبثيا وحسب بل استفزازيا الى ابعد مدى .

فالمشكل الذي حدا بنا للبحث عن خيار الأقلمة هو المشكل الجنوبي الناتج عن العقلية الاقصائية لتحالف القوى الشمالية وممارساتها غير السوية بعد الوحدة ،وبما ان الكثير من قوى الجنوب ترى في دولة من اقليمين مخرج وربما فرصة اخيرة تجنب البلد فك الارتباط ، فكان يجب على الرئيس هادي واللجنة المكلفة الا تحيد عن خيار الإقليمين الى غيره بزعم الخوف على الوحدة ، صحيح ان تقسيم اليمن الى اقليمين كان مخيفا في ظل عنجهية تحالف القوى القبلية والعسكرية في الشمال وما كان بمكن الجنوبيين البقاء مرتبطين بدولة الشمال في ظل نفوذ تلك القوى لكن في ضل خفوتها و تراجعها لا يوجد ما يخيف من دولة بإقليمين.

ليس الجنوب وحده مستهدف من هذه العملية العشوائية والمرتجلة بل والشمال هو الاخر مستهدف بشكل فج .
ورد في البند الثاني من المبادئ التي ادعت لجنة الاقاليم انها اعتمدت عليها في التقسيم (التنافس الايجابي بين الاقاليم ) واي تنافس سيكون بين اقاليم غنية بالثروات النفطية والغازية واقاليم عديمة الثروة ،فالأقاليم الغنية بالبترول يجب ان يكون لها النصيب الأوفر من هذا الدخل لأنها الأقاليم المنتجة له، ويؤدي إنتاجها للبترول الى مشاكل عديدة بما فيها تدمير البيئة المحلية وبالتالي فان تعويض تلك الأقاليم المنتجة للبترول ضرورة والا ستظهر موجات من الغضب والاستياء كما حدث في بلدان كثيرة .وهذا ما اشارت الية اللجنة في البند السادس حيث ورد ما نصه ( مع مراعاة حاجات الولايات و الاقاليم المنتجة بشكل خاص ) ،ولهذا كان يجب مراعاة ان تكون الأقاليم الغنية ذات كثافة سكانية اعلى مادام وعائداتها من الثروة ستكون اعلى لا سيما والفوارق الثقافية مرتفعة والتجاور الجغرافي حاصل ،
فإقليم سبأ المكون من الجوف ومأرب والبيضاء والذي يقدر تعداده ب1322708 نسمة في عام 2006 اعتمادا على تعداد 2004 بينما اقليم ازال الذي يضم ذمار وصنعاء وعمران وصعدة يقدر سكانه بحوالي4026889 في عام 2006 اعتمادا على تعداد 2004 ايضا ، الاول غني بالنفط والغاز وسكانه قليل والثاني ممتلئ بالقات والصخور وسكانه كثير ، لماذا على الاقل لم تُضَف ذمار المجاورة للبيضاء الى اقليم سبأ الغني بالنفط والغاز ليرتفع تعداده قليلا ،ام ان ذمار منحدرة من عرقية اخرى غير مجانسة لغويا وثقافيا لقبائل مأرب والبيضاء والجوف ،

لجنة التقسيم لم تعتمد على اسس علمية في التقسيم كما ادعت ولم تراع التجاور الجغرافي والا لما حشرت ذمار في اقليم ازال، ولما عُزلت صعدة وعمران عن جوارهما الجغرافي الطبيعي الذي حباهما الله به الجوف من الشرق وحجة من الغرب ،
ان التقسيم الذي ظهر بشكل رسمي اليوم ووقعت علية الكثير من الشخصيات الرسمية التي تمثل الكثير من القوى اليمنية تقسيم مغرض وخطير ويجب ان لا يمر ،لا اتصور ان تشوه الجغرافيا بهذا الشكل الاستفزازي دون نكير من احد ، لقد تقصدت جهات داخلية واخرى اجنبية هذا التقسيم لاعتبارات مستقبلية ، فبعد صعود قوى وطنية وازنة في المشهد اليمني وتزايد شعبيتها في مقابل تراجع القوى التقليدية الخاضعة لإملاءات الخارج ، ارتأت هذه الجهات تفكيك اليمن بشكل عشوائي بما يضمن الابقاء على مصالحها ونفوذها ، ولتحجيم القوى الوطنية الصاعدة بشرذمتها في جغرافيا مشتتة .

اشارت اللجنة الى انها اعتمدت على المبادئ التي تم التوافق عليها في مؤتمر الحوار ومنها ،التكامل الذي يضمن توظيف كفؤ لموارد كل إقليم والتكامل مع الأقاليم الأخرى.
وأتساءل هنا كيف يكون التكامل ممكنا وقد تعمدت اللجنة جعل بعض الأقاليم خالية من الموارد بشكل تعسفي ،والا فما معنى ان يمتد اقليم أزال بشكل مشوه الى ذمار، في حين يعزل عن جواره الجغرافي النفطي في الشرق وعن متنفسه البحري ومنفذه الدولي من جهة الغرب ، لقد منحنا الله جغرافيا تمتد على اكثر من 1600 كم على البحر ومع هذا يريدون حرماننا بشكل متعمد من هذا البحر وثرواته .

على أي اساس سينافس إقليم ازال ايجابيا اقليم سبأ او اقليم تهامة وجبال الأول الأكثر ارتفاعاً في شبه الجزيرة العربية حيث يتجاوز متوسط الارتفاع 2000م وتتجاوز أعلى قمة في صنعاء 3600م في جبل النبي شعيب عليه السلام. والمياه في هذه الجبال تنحدر عبر عدد من الوديان شرقاً وغرباً وجنوباً دون ان يستفيد منها هذا الاقليم لشدة انحدار هذه الجبال المطلة على سهل تهامة ،
كيف سينافس اقليم ازال وقد حشرت فيه المحافظات الاكثر قاتا والاندر ماء والاكثر ارتفاعا عن سطح البحر وبالتالي الابرد، انه استهداف سياسي واقتصادي واجتماعي ، وليس تكاملا اقتصاديا ولا تنافسا ايجابيا .

اليوم ليس امس وانصار الله لهم يد غليظة الكل يعرفها والقوى التقليدية اليوم لم تعد كما كانت في الامس ، لقد فل حدها وكسرت شوكتها ، وعليه فان على القوى الحرة الداعمة لمظاهرات 11 فبراير الرفض التام للجنة الاقاليم وما افرزته من عبث يرمي لتفتيت النسيج اليمني.
ان تمرير هذا العمل الاستفزازي سيؤدي الى عواقب وخيمة تغرق الجميع في صراعات مستديمة وسيكون عسيرا التخلص من تبعات هذه القرارات الارتجالية والرعناء اذا لم تواجه من اليوم الاول باستماته ، ان تمريرها يعني ببساطة تهديدا لحياة ووجود الشعب اليمني.