الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:٠٧ صباحاً

الجامعات سفري...والمخترع يمني!!!

د . عبد الملك الضرعي
الاثنين ، ٢٤ اكتوبر ٢٠١١ الساعة ١٠:١٠ صباحاً
منذ إشتداد المأزق السياسي في اليمن بكل أبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحكومة الرئيس صالح تحاول ترميم كل ثقب يظهر في جدار السلطة المتساقط ، ومن ذلك ترميم التعليم سواء العام أو العالي ، فبالنسبة للتعليم العام شهد العام الماضي إكتمال العام الدراسي بشكل إفتراضي ، فعلى الرغم من توقف غالبية المدرسين عن التدريس لاشتراكهم في فعاليات الثورة الشبابية ، فقد حاولت السلطة إكمال العام الدراسي بأقل من (25%) من مستوى الأداء الطبيعي ، وجرت الاختبارات بظروف غير طبيعية ، وحذفت أجزاء من مقررات الشهادات العامة...الخ ، المهم في الأمر أن طلابنا قضوا عام دراسي إفتراضي ، وخرجت قيادات وزارة التربية والتعليم تؤكد نجاح العملية التعليمية ، ويعلم أولياء الأمور كيف كان ذلك النجاح ،وقد يكون تأخرإعلان نتائج الثانوية العامة بسبب إبداعات المخترع اليمني في معالجة أي تشوهات قد تصاحب إعلان النتيجة النهائية ، وحتى يقال إن التحاق بعض المعلمين بالساحات لم يؤثر في مستوى الطلاب!!!والآن بدأ العام الدراسي وتم تغطية العجز بمدرسين ومدرسات تخرجوا منذ عقد من الزمان ، من الحالات التي تم توظيفها أخيراً بعد اندلاع الثورة الشبابية ، وهؤلاء كان المفترض إعادة تأهيلهم لأن الفترة الطويلة بعد التخرج أفقدتهم الكثير مما تعلموه ، كون الكثير منهم مارس أعمالاً غير علمية خلال تلك الفترة مثل الإنشاءات والمطاعم أو الأعمال المنزلية ،رغم ذلك سيخرج مسئولي التربية والتعليم ليقولوا قابلنا التحدي بتحدي ودرّسنا الطلاب والطالبات ولو حتى ب(10%) من المستوى المطلوب ،المهم صرفت الكتب وذهب الطلاب وعادوا بين المنازل والمدارس وتلك القضية الرئيسية.

وبالنسبة للجامعات الحكومية وخاصة جامعة صنعاء ، فبعد أن عجزت حكومة صالح عن حل الإشكالية المتعلقة بإغلاق الجامعة من خلال التفاوض أومحاولات إخضاع الفرقة الأولى مدرع وشباب الساحات باستخدام القوة ، وبالتحديد عقب العودة الطارئة لصالح من رحلته العلاجية بعد سقوط جولة النصر(كنتاكي) بيد شباب الثورة ، حيث تمت مهاجمة الساحة والفرقة الأولى مدرع بشكل مكثف ،ولكن وبعد فشل كل تلك المحاولات ، فكرالمخترعون من الحزب الحاكم بتشتيت الجامعة في مناطق عدة شمال وغرب وشرق أمانة العاصمة ، في مباني عديدة وخيام بدلاً عن القاعات الدراسية ، كل تلك المحاولات هروباً من مناقشة المأزق الحقيقي وهو المأزق السياسي ، أو معالجة مشكلة أعضاء هيئة التدريس مع رئاسة الجامعة.

إن حكومة صالح تريد أن يقال الأمور تمام وما يحدث في المحافظات ماهي إلاَّ أزمة وسحابة عابرة سيتم تجاوزها ، وبالتالي سوف تُنقل الجامعة والوزارات إلى أماكن أخرى آمنة حتى يتم معالجة الأزمة وتعود المياه إلى مجاريها بعد إنهاء ثورة الشباب!!!إن أولئك المخترعون والمغامرون سيكلفون موازنة الدولة من الموارد العامة أو من المساعدات الدولية عشرات وربما مئات الملايين ، وإذا اشتدت المعارك ووصلت إلى الأماكن البديلة، سيبدأون في لملمة الكراسي والماسات والخيام والرحيل إلى مكان آمن بديل آخر ، أما إن توترت الأوضاع في كل صنعاء لاسمح الله ، لاندري ماهو اختراعهم الجديد هل ستنقل الجامعة إلى محافظة أخرى ، أم سيعطى جميع الطلاب منح خارجية أسوة بأبناء الذوات!!!

إن نقل الجامعة بتلك الصورة تعبر عن قصورفي رؤية نظرهؤلاء للعملية التعليمية والتي تلخصها بمقعد وغرفة أو خيمة ومدرس وكفى ، للأسف هذه العقلية هي التي حرمت طلابنا من المعامل العلمية والتجهيزات الضرورية لإكمال العملية التعليمية بصورة صحيحة خلال عقود من عمر الجامعة ، وهي نفس العقلية التي تحاول التشبث بالسلطة مهما ساءت أوضاع السكان المعيشية والنفسية والاجتماعية والثقافية...الخ، فلسان حالهم يقول(دولة تسيرعلى عكاز ولابلاش)!!!

إن النظرة إلى التعليم كمشروعات الطرق والمباني نظرة قاصرة ، لأن التعليم عمود التنمية الفقري لذلك نجد أكبر دول العالم مثل الولايات المتحدة والصين وبريطانيا واليابان وغيرها تجري تقويماً دورياً للأوضاع التعليمية ، وإذا ما أحس ساستها بتراجع صناعي أو اقتصادي أو اجتماعي ، كانت أولى توقعاتهم أن الإشكالية في التعليم ، فتطور المناهج ويعاد تأهيل العاملين في القطاع التعليمي ، وترفع موازنة البحث العلمي ، والكثير من الإجراءات والتحسينات التي تهدف إلى تطوير البنية التحتية للعملية التعليمية من دور الحضانة وحتى آخر مراحل التعليم العالي ، بينما في بلدنا تتراجع موازنة البحث العلمي ليحل محلها سفريات كبار مسئولي التعليم العالي ، وتخفض موازنة البحث العلمي المحدودة أصلاً لتحوَّل مخصصاتها إلى حفلات ووجبات طعام في مطاعم راقية واستقبال وتوديع ومؤتمرات وندوات ، وعلى وجه الخصوص ندوات آخر السنة التي تهدف إلى صرف ما تبقى من الموازنة قبل نهاية السنة المالية ولو بلا فائدة ، وتحضى فيها اللجان الإدارية بنصيب الاسد ويحرم الباحثين من أعضاء هيئة التدريس إن وجدوا حتى من تكاليف الطباعة...الخ ، للأسف من يديرون مؤسساتنا التعليمية يديرونها باسترتيجية (يومك عيدك) ولانجد لدى أغلبهم أي رؤية مستقبلية ، سوى ما نسمعه في الخطابات واللقاءات الاعلامية (ذات الدفع المسبق) ، ومن ثم نقرأ ونسمع عن الانجازات العملاقة ولانرى منها شيء ويصبح حالنا كما يقول المثل(أسمع جعجعةً ولا أرى طحيناً) ، وهذا هو حال جامعاتنا نسمع عن أرقاماً فلكية في شراء الأجهزة والمعدات والقرطاسية والانشاءات..الخ ، وعندما نقترب أكثر نجد العجب ، نجد مخازن الكليات مليئة بأجهزة حاسوب عتيقة وأوراق لاتنفع للتصوير وأقلام لاتكتب ومواد كيميائية أنتهت صلاحيتها وأشياء أخرى كثيرة ، تُشترى بملايين الريالات لتحجز مكاناً في المخازن ولا يستفاد منها!!!
إن محاولات أتباع الحزب الحاكم الهروب من الاستحقاق السياسي إلى حلول جانبية لن تجدي نفعاً ، لأن نواة ثورة الشباب منذ البداية يرجع اصلها إلى طلاب الجامعة ، ومنهم تساقط عشرات الشهداء والجرحى ، ومن ثم سيصبح من الصعب استأناف الدراسة بشكل طبيعي إلاَّ في حالة واحدة ، أن يفكر المخترعون بتدريس الطلاب من أعضاء وأنصارالحزب الحاكم فقط شريطة أن تتوقف الاشتباكات وإطلاق النار في المناطق التي يمكن المرور عبرها إلى البدائل المقترحة ، عند ذلك يفضل تغيير إسم الجامعة من جامعة صنعاء إلى (جامعة الصالح المؤتمرية بـ...)، إننا نؤكد أن المنطق والعقل وتفضيل مصلحة البلد يقتضي البحث عن حلول واقعية تخرج البلد من المأزق الراهن ، لأن مشكلة التعليم هي واحدة من مشكلات أخرى شديدة الخطورة ، مثل البطالة وتوقف أجهزة الدولة عن العمل وأزمات الكهرباء والمياه والمشتقات النفطية وبقية الخدمات التي تمس حياة المواطن اليومية بصورة مباشرة ، يضاف إلى ذلك تأزم الوضع الاقتصادي والسياسي ، كل تلك الأوضاع تنذر بمخاطر تهدد حاضر اليمن ومستقبله ، لذلك نكرر إن سياسية الترقيع والترميم لن تحل المشكلة ، بل قد ننفق مئات الملايين من الريالات ، ونجد بعد أشهر أن ذلك كان من الأخطاء الفادحة التي أهدرت الجهد والمال دون فائدة .

أخيراً أشارت بعض التسريبات الإعلامية إلى أن ذلك الإختراع جاء عقب لقاء جمع بين رئيس جامعة صنعاء ونجل الرئيس صالح قائد الحرس ، فإذا كان ذلك صحيحاً فإنه مؤشر على الكيفية التي تدار بها أوضاع البلد والتي تبتعد عن الحد الأدنى من العقلانية والتخطيط والمنطق في إدارة شئون الدولة ، بل أن ذلك مؤشر هام على أسباب الفشل التي تعم مختلف مرافق الدولة ، والتي ستؤدي حتماً إلى نتائج وخيمة على مختلف المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية ، لأنها سياسيات غير رشيدة ومتهورة ينقصها المنطقية وبعد النظر ، لذا ننصح الإخوة المخترعين أن يعيدوا النظر في تلك الخطوة ، وأن تُنصح قياداتهم بضرورة التفكير في المعالجة الجدية للمشكلة الرئيسية وهي المشكلة السياسية بعيداً عن الترقيع والترميم ، وذلك وفق ماهو مطروح من مبادرات وآخرها ما طرحه مندوب الأمين العام للأمم المتحدة بن عمر ، أما الخطوات التكتيكية فلن تجدي نفعاً ، كون الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي اصبح في مرحلة لاتقبل أنصاف الحلول أو التكتيكات ، بل الوقفة الجادة التي تنقذ المجتمع وتحقق لليمن أمنه واستقراره ، نرجوه تعالى أن يصرف عن شعبنا المغامرين ، وأن يجعل من الحكمة طريق الخلاص إنه على ما يشاء قدير.