الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠١:٠٧ مساءً

رأس الحكمة وذيلها في اليمن

اسكندر شاهر
الأحد ، ٠٢ فبراير ٢٠١٤ الساعة ١٠:٤٠ صباحاً
إذا كان (رأس الحكمة مخافة الله ) فقد يظن بعضهم أن ذيلها "مخافة العبيد" ، وأما ( السيد / الحر) فيمكنه التمييز بين الرأس والذيل مدركاً أن الخوف ليس من الحكمة في شيء ، فحتى في مخافة الله يقول أمير المؤمنين إمام الحكماء علي بن أبي طالب : "إلهي عبدتك حباً فيك ، لا خوفاً من نارك ، ولا طمعاً في جنتك ".الحب هنا يمكن أن يكون رأس الحكمة الذي نفتقده لنطل به على كل جوانب حياتنا .

أما (الحكمة اليمانية) فغالباً ما تحضر في مجتمعنا تعبيراً عن غياب (الحُب) الذي يحل محله (الخوف والطمع) ، فنقطع بالخوف رأس الحكمة ونقطع بالطمع ذيلها .

ولئن استخدم الساسة اليمنيون عبارة ( الحكمة اليمانية) كلما احتاجوا إليها لتمرير فعل جبان ومتخاذل بل ومتآمر كما حدث في حق ثورة 11 فبراير 2011 التي اختطفوها ، فإنما يعبر ذلك عن حذلقة مسيئة للحديث المنسوب إلى الرسول الأعظم محمد (ص) ( الإيمان يمان والحكمة يمانية ) ، يحيلون بها إيمان اليمانيين كفراً ، وحكمتهم سفهاً وبلهاً ..

وضداً على موقع الحكمة في الأخلاق يُساق (السّفه والبله) على أنهما (الوسط) ولذلك يكثرون الحديث عن (حل وسط ) بوصفه الحل الأمثل بين حلول متطرفة ، في نوع من إحلال الرذيلة محل الفضيلة ، وإن عدنا إلى علم الأخلاق لوجدنا أن ابن مسكويه وهو أحد أهم علماء الأخلاق وفلاسفته يوضح أن "الحكمة وسط بين السفه والبله وأعني بالسفه هنا إستعمال القوة الفكرية فيما لا ينبغي وكمالا ينبغي. وسماه القوم الجزيرة وأعني بالبله تعطيل هذه القوة وإطراحها وليس ينبغي أن يفهم أن البله هنا نقصان الخلقة بل ما ذكرته من تعطيل القوة الفكرية بالإرادة"

وبالفحص والتدقيق يتبين أن ما يقوم به مستهلكو الحكمة اليمانية يتردد عملياً بين السفه والبله وهما رذيلتان ، فيما مؤدى الحكمة – حسب مسكويه - أنها " فضيلة النفس الناطقة المميزة وهي أن تعلم الموجودات كلها من حيث هي موجودة وإن شئت فقل إن تعلم الأمور الإلهية والأمور الإنسانية ويثمر علمها بذلك أن تعرف المعقولات أيها يجب أن يفعل وأيها يجب أن يغفل".

وعليه ، فمن السفه أن تمنح القتلة واللصوص حصانة وتقول لهم توقفوا عن القتل واللصوصية بل تشاركهم إياهما ، ومن البله أن تتوج شريك القتلة واللصوص بعد أن تُحصّنه (قائداً للثورة) ، وليس من الحكمة في شيء أن تقول بعد ذلك أن الثورة ( انتصرت) .

ومن السفه أن تأتي بالعدو الخارجي ليكون حاكماً بينك وبين خصمك المحلي ، كما أن من البله أن تقول أن مبادرة العدو هي مفتاح الحل وتخرج جمهورك الأبله ليؤيدها ويطالب بتنفيذها ، وليس من الحكمة في شي أن تضطر بعد ذلك إلى خرق المبادرة لتتحول إلى خرقة تفض فوقها بكارة الدولة المدنية المنشودة في عملية تمديد للسفهاء و البلهاء أجمعين .

ومن السفه أن تحقق للعدو الخارجي رغبته في ابتلاع الثورة بالمبادرة ويقدم لك لقاء ذلك آلاف مؤلفة من العاملين اليمنيين ويطردهم بطريقة (سفيهة) ليزيدوا أعباء البلد سفهاً ، كما أن من البله أن لاتنسى بعد كل جولة بلهاء أن تشكر أخاك جلالة الملك خادم الحرمين الشريفين .
ومن السفه أن تقول بأنك مع وحدة اليمن وأمنه واستقراره وتوقع على وثيقة تقسيم اليمن وتلغيمه وزعزعته ، كما أن من البله أن تلتزم بتنفيذ تلك الوثيقة في أرض طاردة لها وغير قابلة لتطبيقها ، وليس من الحكمة في شيء أن تحتفل بهذا المُخرج في دار الرئاسة وعلى أرض المرؤوسين تدشن ولائم الموت بالنار والجوع والتكفير .

ومن السفه أن تقول أنك ضد مبادرة العدو وتصفها بـ (المؤامرة) وتُخرج جمهورك لرفضها ثم تشارك في أحد أهم فصول المبادرة / المؤامرة ، كما أن من البله أن تتحدث عن حوار فيما الحرب تستعر.

ومن السفه أن تتحدث عن نية الشهيد الدكتور أحمد شرف الدين وتوقع نيابة عنه على وثيقة ضمانات لم تضمن حياته وفوق ذلك تتهم جماعته باغتياله ، كما أن من البله أن تذرف الدموع في قاعة الحوار على وقع خبر اغتيال الشهيد الذي اغتيل لتوه ولا تقوم بمغادرة القاعة انتصارا لبقايا حكمة قد تكون علقت في بقايا ضمير ، وليس من الحكمة في شيء أن تبكي الشهيد بعد ذلك على صفحتك في الفيسبوك .

ومن السفه أن تدعي أنك موفنبيكياً حصيفاً وفيدرالياً نبيهاً وتنسى ( الإقليم اليمني المحتل سعودياً ، نجران وعسير وجيزان والشرورة والوديعة ) ، كما أن من البله أن لا تعلم أن توقيعك على أقاليم عبده ربه هادي 2014م يُعد إقراراً باتفاقية جدة الحدودية 2000م ومصادقة عليها .
وعلى هذا النمط من "الحكمة اليمانية" يمكن أن نقدم مصفوفة عريضة من السفاهات والبلاهات وقائمة طويلة من السفهاء والبلهاء ..!!
لـكزة ..

لنا حقوق مشروعة في هذا الوطن ، ولن ننتزعها بالسفه أو بالبله ، بل بحكمة ( ابن مسكويه ) ، فامسكوا بأوراقكم الحمراء أيها المُمسكون !!!.