الجمعة ، ٢٦ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٥:٢٣ صباحاً

هدف نصف الثورة الذي تحقق ولم يستثمر

اسكندر شاهر
الثلاثاء ، ٢٨ يناير ٢٠١٤ الساعة ٠٩:٤٠ صباحاً
في وقت مبكر جداً من فصول ما كانت تسمى ثورة 11 فبراير 2011م في اليمن أشرت بوضوح بأن الهدف الوحيد الذي تحقق لهذه الثورة التي اختطفت قبل أن تكتمل كان الفرز الذاتي والموضوعي .. الفرز الذي سمّى المكونات الثورية والأحزاب السياسية والمنظمات الجماهيرية بمسمياتها الحقيقية وفقاً لأدائها على الأرض لا شعاراتها المعلنة وتنظيراتها المدونة في أدبياتها ، وجاء مؤتمر موفنبيك ليضيف إلى الفرز فرزاً إضافياُ كما لو كانت مهمته منحصرة في استكمال هذا الفرز الذي تحقق للثورة وطال من خلال يوميات موفنبيك ما يسمى الشباب المستقل سواءا ذلك الذي شارك في الثورة أم الذي أضيف إلى قائمة التسوية السياسية والعملية الحوارية كتكملة عدد باسم الثورة التي انتبذتهم إلى صدارة المشهد كعلامات للأزمة الأخلاقية المعبرة عن كنه ما يعانيه الوطن من محنة أصيلة ومقيمة وقاتلة .

عندما يكتب الشاب الموفنبيكي مقالاً أو يصرح بتصريحات ومواقف متهافتة ومتناقضة مع دوره في موفنبيك إنما يقتفي أثر أولئك الساسة المعتقين والمترهلين من مشائخ قبليين ودينيين وقادة عسكريين ومسؤولين مدنيين وأمناء عموم أحزاب ورؤساء لدكاكين سياسية وحقوقية ملحقة ، أما من يكتفي بالصمت فهو في حال أحسن لا يبرأ بها من حاله السيء أصلاً ، وأما الذي يبكي لاغتيال زميله دون أن يغادر قاعة الحوار فعلينا أن نتفهم الروماتيزم المصاب به قلبه.

وأما الموفنبيكي الذي يتحدث عن عملية الفرز كهدف تحقق للثورة مستعيراً الحديث ممن نأوا بأنفسهم عن لعنة موفنبيك فذلك الموفنبيكي الصمصام ليُحدث ولا حرج ، فهو ممن يومنون قولا وعملاً بـ (إذا لم تستح فاصنع ماشئت) ، وهو يستعير هذا الإيمان من القوى التقليدية التي يقول بأنه ضدها ، ويردد (آمــين) بعد كل قرار يقرونه معتقداً أنه يمارس عقيدة التقية التي تبرر له ازدواجيته وانتهازيته وسلوكه الوضيع الذي قد يمكن تجاهله فيما لو كانت ارتداداته ذاتيه ولا تمس الآخرين ، فيما يُعد جرماً يستحق المحاكمة عندما يتعلق الأمر بمصير وطن هو أكثر ما يكفرون به ويعبرون عن كرههم له .

بالطبع لم يكن بوسع 11 فبراير تحقيق هدف إسقاط النظام ذلك لأنه نصف ثورة مثل نصف دائرة لم يكتمل رسم نصفها الباقي لأن اليد التي أمسكت الفرجار في مركز الدائرة كانت مرتعشة ، و ( الأيدي المرتعشة لا تقوى على البناء) كما قال الراحل الكبير الزعيم جمال عبد الناصر .

ولأنها نصف ثورة فقد أنجزت هدفا يليق بها وينسجم مع حجمها فقامت بالفرز وأظهرت لنا أنصاف بشر كنا نظن بعضهم قد جاوز النصف جل دأبهم البحث عن نصفهم الآخر في الخارج .

ولكن .. نصف الدائرة لاتزال مرسومة ولا يمكن الجزم بأن الأيدي المرتعشة كانت قادرة على محوها لنحتاج إلى البدء من جديد برسم ثورة بالرغم من المحاولات المستميتة للقيام بهذا الفعل عمداً وعدواناً من قبل الأنصاف المتناصفين في الحكومة ومن يقف وراءهم .. وعليه فإن 11 فبراير المقبل يشكل فرصة لإعادة البناء واستكمال نصف الثورة الآخر عبر موجات ثورية متوالية لا تقبل التسكين في ساحة بعينها ولا تفرح بسياج أمني يُقام لها ليحميها فيسرقها في عدد من الكيلومترات المربعة في أي موضع كان ، وهو الأمر الذي ينبغي تلافيه ليعبر عن الوعي بهدف الفرز الذي تحقق والعمل على استثماره .

11 فبراير المقبل الموعد الأنسب لتلاوة البيان رقم 2 الذي يصحح البيانات الأولى المتهافتة التي شابها التزوير والتلويث والتحريف والتلحين ، ويؤسس لنضال مختلف متخفف من عبء دروس قاسية لتجربة سابقة ومتسلح بأدوات جديدة لتجربة لاحقة ومستفيد مما توفر من معطيات مستجدة محلياً وخارجياً ، فمن كان يؤمن بالمشترك فإن المشترك قد مات ، ومن كان يؤمن بقناة الجزيرة فإنها في غرفة الإنعاش ، ومن كان يؤمن بقناة سهيل فقد سهل الله أمرها ، ومن كان يؤمن بسندويتشات الجنود الحمر فإن الفرز والفحص أكد بأنها تؤدي إلى الإمساك الثوري والإسهال الثورجي ، ومن كان يؤمن بالأخوان فقد سقطوا في عقر دارهم ، ومن كان يؤمن باليسار فقد بات في أقصى اليمين المقصي ، ومن كان يؤمن ببعض الشباب فقد أكدوا أنهم وطاف الأحزاب ،ومن كان يؤمن باللجنة (التنظيفية) للثورة فقد أبدعت في كنس الثوار من الساحات ، ومن كان يؤمن بما كان يسمى المجلس الوطني لقوى الثورة فقد أدرك أنه لم يكن أكثر من صندقة مؤقتة لقوى الفورة نسي أصحابه أن يحلوه فحل نفسه بنفسه ، ومن كان يؤمن بالوفاق فقد تبين أنه شقاق ونفاق ، ومن كان يؤمن بالحوار فقد اتضح أنه بوار وسعار ، ومن كان يؤمن بالوحدة فإنها باتت نصعاً للجميع ، ومن كان يؤمن بالانفصال فقد وضعوا التقسيم والشرذمة المؤقلمة بديلا عنه ، ومن كان يؤمن بالسلم الأهلي وتخفيف الكلفة فإن الفتنة المذهبية والطائفية وثقافة الكراهية هي السائدة والشهداء والضحايا بعد التسوية أكثر مما قبلها ، ومن كان يؤمن بالسلام فإن الحرب عنوان المرحلة ،ومن كان يؤمن ببعض المعارضين وبعض الكتاب ويصدقهم فقد انكشفوا ولم يعودوا يصدقوا أنفسهم ، ومن كان يؤمن بنصف الناشطات فقد حققن هدف نصف الثورة في منع محتمل لتزويج نصف عدد الصغيرات في اليمن ، ومن كان يؤمن بالرئيس هادي فقد أقرّ ماسبق ، ومن كان يؤمن بالسيد جمال بنعمر فقد قال أنه فخور بكل ماتم ذكره آنفاً .

أما من كان يؤمن بالتغيير فإنه لم يتحقق لكنه لا يزال حلماً دونه تضحيات لا شك بأنها أقل من التضحيات التي قدمت وستقدم على مذبح التسوية السياسية ، وفي الحالتين لن يدفع الأثمان سوى الشعب الذي عليه أن يختار لا أن يحتار ، فكلفة الحيرة من كلفة الاختيار إذا ما استوى الزفير والنفير ..

وعلى رأي الرائي البردوني :
يا زفير الشعب : حرّق دولة
تحتسي من جرحك القاني مداما
لا تقل : قد سئمت إجرامها
من رأى الحيّات قد صارت حماما ؟
أنت بانيها فجرّب هدمها
هدم ما شيّدته أدنى مراما
لا تقل فيها قوى الموت و قل :
ضعفنا صوّرها موتا زؤاما
سوف تدري دولة الظلم غدا
حين يصحو الشعب من أقوى انتقاما
سوف تدري لمن النصر إذا
أيقظ البعث العفاريت النياما
إنّ خلف اللّيل فجرا نائما
وغدا يصحو فيجتاح الظلاما
و غدا تخضرّ أرضي ، و ترى
في مكان الشوك وردا و خزامى