الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٥:٢١ صباحاً

الطريق الى رمال الربع الخالي

يحيى مقبل
الخميس ، ٠٩ يناير ٢٠١٤ الساعة ٠٩:٢٠ صباحاً
جبال متتالية شققنا عبابها ومسافات طويلة طويناها ، في البدء مررنا بوادي ال ابو جبارة ، الوادي الذي احتدمت في تلاله المحيطة معارك عنيفة بين انصار الله الحوثيين والسلفيين راح ضحيتها العشرات ، وقد انتهت المواجهات لصالح الحوثيين فيما مني خصومهم بهزيمة نكراء .
عند وصولنا وادي ال ابو جبارة ونحن نمر من اعلى الوادي لم نلحظ الا بيوت طينية متواضعة في معظمها تدل على بساطة اهلها ، لكن هالنا عند وصولنا اسفل الوادي بيوت فخمة وواسعة محاطة بأسوار طينية مرتفعة تعود الى أسرة مشيخية تدعى الاثلة يظهر من عمارتها تلك انها ترفس في نعيم وبذخ ، كانت احداها مدمرة كليا بفعل عبوة ناسفة .

الوادي غير ذي زرع مياهه ضحلة ، لكنه ينعم بخدمات تضاهي خدمات مركز المحافظة رغم بعده عنها ، كهرباء ومشفى ضخم ،شبكة اتصالات ،
خطين مسفلتين احدهما الى الجوف والآخر الى البقع ولا ادري اذا ما كان الخط الى الجوف مسفلت الى نهايته ام لا .
وعند وصولنا الى دار الحديث هالنا حطامه مئات الاطنان من الكتل الخرصانية المسلحة تناثرت على رقعة واسعة من الارض ، كان الدار محاط بملحقات سكنية فارهة بعضها جاهزة والاخرى في طور البناء والتشييد هدم بعضها والبعض الآخر لا زال قائما ، رائحة البارود تملأ المكان ،أكوام من صناديق الرصاص الفارغة ، بقايا كتب الحديث مبعثرة هنا وهناك ، لفتني حاشية بخط جميل على احدها اذ يورد مقولة للإمام مالك مضمونها (ان العلم ليس بكثرة المطالعة في الكتب وانما العلم نور يقذفه الله في قلب العبد المؤمن ) .

أشاروا الى هناك وقالوا ذاك جبل الرياح آخر معاقلهم ، حدثونا عن غنائم وفيرة ،تضاهي نفقاتهم على الحرب .
وانا اقف على تلة صغيرة بالقرب من حطام دار الحديث أجلت نضري على جغرافيا المكان والمحيط ، وإذا به واد محاط بتلال ممتدة في كل الاتجاهات تلال خالية من السكان .

ركبنا السيارة وواصلنا رحلتنا الى صحراء الربع الخالي ، سلكنا طريق البقع وعلى بعد عدة كيلو مترات نزلنا على منطقة تسمى الفرع عمارتها راقية وجميلة بالمعيار الريفي ، ما يعني ان اهلها ميسوري الحال ، واهلها كما ابلغنا من اتباع الفرقة الاسماعيلية الشهيرة والمعروفة تاريخيا في اليمن بالقرامطة ويطلق عليهم حاليا المكارمة ، وهي اقرب الاماكن المأهولة لواد ال ابو جبارة ، شيخهم ابن شاجع من كبار مشايخ وايله ، قيل لنا انهم سعدوا بجلاء لاثلة من الوادي حيث كان اتباعهم يضايقونهم في عقر دارهم رغم ان وجوههم عابسة ، ومن الفرع عبرنا الطريق مسافات طويلة طويناها و قبل ان نصل المنفذ الحدودي بكيلومترين انعطفنا يمينا على خط الجوف حيث ارخى السائق العنان لسيارته في تلك الطريق المستقيمة والخالية في نفس الوقت ليتجاوز عداد السرعة 160 كم/الساعة ، قرابة 100 كم قطعناها على خط الجوف بين كثبان رملية جميلة وساحرة اشعة الشمس الغاربة تداعب اعالي تلك الكثبان لتنعكس جمالا وألقا في ناضري انها اول رؤية مباشرة لرمال صحراء الربع الخالي ، ثاني اكبر صحراء في العالم وربما اغنى صحراء بالنفط والماء ، الصحراء التي تمتد على مسافة 600 كم وتتجزأ بين السعودية واليمن والامارات وعمان الا ان اكثرها يقع داخل المملكة السعودية ، وكانت معلومات مسربة في منتصف الثمانينات اشارت الى المخزون النفطي القابع تحت رمال الصحراء العائدة الى اليمن وقد أكدت شبكة سكاي نيوز الامريكية في بداية العام المنصرم 2013 ضخامة المخزون النفطي الذي يجعل من اليمن تملك ما نسبته 34% من المخزون العالمي الاضافي ، وإذا كانت المعلومات مبالغ فيها فمما لا شك فيه ان كميات النفط الموجودة كفيلة بحياة كريمة و برفاهية كل اليمنيين اذا ما تمكنوا من بناء دولة مدنية ، دولة تنعم بالأمن والاستقرار وسواء كنا في اقليمين او ستة اقاليم .

على احدى جنبات الطريق انحرفنا قليلا بعد ان دنى الليل ، نصبنا الخيمة وبعد الصلاة تناولت مع الرفاق أول وجبة في حياتي على رمال الصحراء ، تونة وجبن وزبادي كلها باردة في ليلة شتائية باردة انه التكيف ، أشعلنا النار في بابها كي نشعر بالدفيء وداخلها تحلقنا حول مداعة و يا ما كان اروع قرقرتها في جوف الصحراء وهي تبدد سكون رمال الربع الخالي ، كان السفر قد انهك بعضنا تمددنا داخل الخيمة لننام وفي الصباح الباكر استيقظنا وكنا سعداء بالتيمم صلينا الفجر بعد بحث مضني عن القطب الشمالي .

وحين ارسلت الشمس اشعتها البنفسجية الدافئة عرضنا لها اجسادنا الباردة لنعتلي كثيب رملي بصعوبة حيث كانت اقدامنا تغرق في الرمال ، رائعة هي الصحراء لكنها مخيفة وقاتلة حين يتيه المسافر هي كالبحر .

طوال تلك الليلة وفي اليوم الثاني وانا ارقب الخط الأسفلتي الممتد من المنفذ الى الجوف ولم اشاهد الا ثلاث شاحنات فلفو متتاليات لا يفصلهن الا امتار قليلة ربما خوفا من اعطال وقطاع الطريق ، ثلاث شاحنات محملات بفرش واثاثات مستخدمة (بالة) ما يعكس الركود والبرودة في المنفذ الدولي "البقع" واليه عدنا ادراجنا بعد ان تمرغنا برمال الصحراء ، كنا في اليوم الاول قد انعطفنا الى الرمال على طريق الجوف قبل ان نصل المنفذ بكيلو مترين فقط ، وحين وصلنا المنفذ تفاجئنا بحانات رديئة منتشرة هنا وهناك لا يوجد حتى بوابة تليق بمنفذ دولي . ربما لأن أمل يراود اليمنيون بعودة نجران المستلبة .