الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٧:٤٦ صباحاً

مأسآة مجنون وطيش عاقل

د. أحمد عبيد بن دغر
الخميس ، ٠١ يناير ١٩٧٠ الساعة ٠٣:٠٠ صباحاً
يمن برس - خاص


كان عاريا مجرد الثياب بينما تنهال عليه العصا ضربا..كان يصرخ يحاول ان يوقف هذا العبث
الصارخ بجسده الظامر كأوراق الخريف المتساقطة.. الشمس أحالت لونه إلى البرونزي
الداكن..يرتعش ..يترنح لكن هطل العصا كان أقوى منه، فما كان منه إلا أن استسلم ليجعلها
تاتي على ما تبقى منه..

هذه قصة مجنون اليوم عصرا في جولة القادسية بالعاصمة صنعاء رأيته وهو يتعرض لأقسى انواع
التعذيب الجسدي .. عاريا إلا من( كوت) رث داكن بالسواد أربد كان قد خلعه من تولى ممارسة
( لعبة القتل) في جسده الناحل ..


لماذا لايرحم بعضنا بعضا .. ولماذا تنتهك آدميتنا حتى من قبلنا .. هل فقد التراحم إلى
حد صرنا فيه سباع مفترسة تنقض على الأجساد بهستيريا دموية تعشق التلذذ بالألم..

كنت أتمنى لحظتها ان توجد لديَّ كاميرا لأقتنص الفاجعة وهي تغرس أنيابها بجنون بشع في
آدميٍ فقد مناط التكليف وأداة التفكير والتعقل..

لم تشفع له حالته التي هو فيها ولم تنجيه صرخاته وهي تشق الضجيج بفزع يستنزف فيك
العاطفة حد الجفاف..

يا الـــله.. ما أوحشنا حينما نتحول إلى كواسر ومخالب وأنياب نتساوى عندئذٍ مع السبع
والضبع وحيواناتٍ تعف عن التمزيق إلا حينما تحركها نوازع الحاجة ومطالب الجسد ..

مجتمع لايثور إلا ضد المجانيين وذوي العاهات .. ويتنعم أمام جلاديه وساحقية .. مجتمع
فيه يأكل الصغير الكبير ويعتدى فيه على المبتلى والمسكين الكسير .. ليفرغ احتقاناته في
أجساد بريئة متعبة معذبة في هذه الأرض ضحية تأكل ضحية وفريسة تأكل فريسة...بينما يسومها
الحاكم سوء العذاب.


في تلك الحظة كان يقف جنود النجدة متفرجين على هذا المشهد وكأنهم أمام فيلم عنيف من
إنتاج هوليود
وكأن أمر هذا المجنون لايعنيهم ولم يوجدوا لحمايته!

’’ إن كنت عاقلاً فلا أحتاج لحماية أحد’’
وكأن النجدة والأمن لم توجد إلا لحماية الأسوياء فقط .. وربما أصبح المجنون مدانا فهو
في نظر المجتمع أمن سياسي وربما تأخذه النجدة إلى السجن بتهمة مرورة بجانب عاقل أو مد
يده ليسأل ما يقيم به صلبة ويعينه على مواصلة مشوار البحث عن الاشيء في وطن اللاشيء
..سيصبح ربما مدانا لأنه شوه سمعة اليمن الحضارية!! وعكس بصورته تلك نظرة سيئة وعطل
السياحة ودمر الاقتصاد الوطني وأوصل العباد والبلاد إلى حافة الانهيار ...

من يدري ربما تتظاعف مأساته مرة أخرى فيجد نفسه محشورا بين اربعة جدران بتهمة الإرهاب