الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:٢٣ صباحاً

تحالفات وثورات في الأفق

عارف الدوش
الجمعة ، ١٥ نوفمبر ٢٠١٣ الساعة ٠١:٤٠ مساءً
تعامل الناس في مدن الربيع العربي مع ثوراتهم بتفاؤل كبير وسقف مرتفع جداً وبشروا بقدوم تغيير جذري واقتلاع امبراطوريات استبدادية وبوليسية وصل عمرها في ليبيا الى 41 سنة تليها اليمن 34 عاما ثم مصر 30 عاماً ثم تونس 23 عاماً بنى خلال هذه الأعوام حكام هذه الدول ترسانات حكم عائلي وجماعات مصالح من خلال شبكة محكمة البناء.

فكر الشباب والنساء ومن التحق بهم من شبكات مصالح الحكام الذين تفجرت ثورات الربيع العربي ضدهم انهم قادرون على اقتلاع شجرة مافيا الحكام بمجرد الخروج الى الشوارع ورفع الشعارات وحتى في تلك التي انحاز فيها الجيش او نصفه الى الثورات فتعامل الثوار برومانسية مفرطة.

وتراخى او قبل شباب الثورة ونسائها ورجالها بعدم تشكيل قيادة ثورية واضحة البرنامج الثوري واكتفوا بترك القيادة لخليط من الذين انضموا إليهم في بلدان كتونس اغلب أو كل الجيش والأمن وفي اليمن نصف الجيش وفي مصر كل الجيش وبعض من تم تطعيم الجيش والأمن بهم من قادة المعارضة السابقة في تونس ومصر واليمن والذين هم فاقدو عناصر القوة المتحكمة بالسلطة " الجيش والأمن والمال" أما في ليبيا فقد جرى تدمير الجيش والأمن واسقاط الترسانة العسكرية وتطايرها بين جماعات تسلحت لأول مرة وهي متنافرة فكراً وتوجهات .

وها نحن حتى اليوم بعد مرور أكثر من سنتين على اندلاع ثورات الربيع العربي لم نرى سفينة ثورة واحدة ترسوا على الساحل بأمان وهذا طبيعي ومنطقي ليس لطول فترة سيطرة مافيات الحكم على مقاليد الحكم وإنما لغياب رؤية قيادات الثورات وبرنامجها الثوري وترك اما جزء كبير من النظام المراد تغييره والتي قامت الثورة ضد ه بالتحكم بمصير ومألات الثورة كما في اليمن او تسليم رأس الثورة للجيش والأمن كما في تونس ومصر وللجماعات المسلحة الجديدة التي اقتلعت النظام بالقوة بمساعدة دولية كما في ليبيا.

للتغيير سننه ونواميسه وتقديراته وتوقعاته من خلال برنامج ثوري ومراحل انجاز وتقييم لمسارات غير خاضعة لتقديرات واماني غير مبرمجة ومحسوبة خوفا من تحول مسارات الثورة والتغيير الى صور ومشاهد ومألات محبطة تسير في اتجاه اعادة انتاج الأنظمة التي قامت الثورات من اجل تغييرها وقدمت الشعوب تضحيات جسمية فتتحول المألات والمسارات أمام أعين الناس بعد مضي الوقت سنة سنتان وثلاث الى شواهد وصور محبطة.

فلا نستغرب اليوم بعد مرور سنتان وأكثر قليل من اندلاع ثورات الربيع العربي التبشير بموجات جديدة من الثورات أو تجديد الثورة او تصحيح مساراتها في كل بلدان الربيع العربي غير المستقرة حتى تلك التي اقتلعت كل الأنظمة وجاءت بأنظمة خليط من القوى التي كانت متصارعة ومتنافرة قبل كما في تونس وليبيا أو بخليط القوي فيه احتضن الضعيف ولم يقوه خوفاً منه كما في اليمن.

وبالتالي لا تستغربوا ان تفضي مألات ثورات الربيع العربي الى الفوضى لإن السبب كامن في جوفها ، لكن السبب الأكبر في اغلب بلدانها تسليم رقبتها للجيش والأمن حالة تونس ومصر ولنصف الجيش ونصف الدولة والحكومة ولخلل كبير في تركيبة قوى الثورة نفسها في اليمن

لسنا ممن يطالب أو يدعوا الى الإقصاء او الاجتثاث أو يطالب بالسحق والمحق لكننا نقول بوضوح لا لبس فيه ان غياب البرنامج الثوري الواضح والأهداف الواضحة والقيادة الثورية الجديدة وراء ما يجري في بلدان الربيع العربي فقد تم الاكتفاء بشعارات وانتهى الأمر وغابت المعايير والبرامج التي تسير عليها الدول والحكومات بعد ثورات الربيع العربي فكانت العشوائية والقبول بصفقات العمر للوصول الى السلطة في مصر بدون ضوابط ودستور فكانت الانتكاسة وكان القبول بالتسوية غير المضبوطة المسارات إلا من نصوص مكتوبة " المبادرة واليتها " كما في اليمن .

وهكذا يظل الجدل محتدماً وقوياً بين النخب في دول ثورات الربيع العربي فبدأت منها في بعض دول الربيع العربي تحسم امرها للتنسيق مع جزء كبير من رجالات النظام السابق كحالة مصر لغياب برنامج الثورة واستيلاء الأقوى شعبياً ومالاً على السلطة فكانت النتيجة مرعبة ومهولة ومخسرة ومبشرة بتشظي غير مأمول النتائج

وفي تونس لازال الوضع بيد الجيش وفي ليبيا تكونت مليشيات مسلحة قوية وفي اليمن لازال نصف الجيش ونصف الدولة والحكومة ونصف الثورة ايضاً ولهذا نرى تبدل التحالفات وعدم السير في اتجاه التغيير بمعناه المتعارف عليه والسبب هو نفسه غياب البرنامج الثوري التغييري الواضح والمتفق عليه وترك قيادة الثورة والتغيير بيد رجالات النظام السابق او المتحالفين معه وإن طعمت بأفراد لزوم الشغل .

ولكن الأمل يظل يومض ببريق أن ثورات الربيع العربي لن تتوقف وسيكون لها مجددون بأشكال مختلفة ليس من بينها اشكال العنف طبعا وستنبع برامج ثورية للتجديد تستقي فكرها وحاجاتها من النتائج الملموسة في ارض الواقع ولكن بعد ان يصل الاحتقان في يلدان الربيع العربي الى مداه الطبيعي بعد خراب اقتصادي واجتماعي فالثورات تولد من عمق المعاناة والمأساة.

فلا يحلم حكام الأمس ومافياتهم بالعودة الى كراسي الحكم وإن حالوا تلميع أنفسهم أو حتى لبوس قفازات ثورات الربيع العربي أو التواري ليظهروا فيما بعد كقادة لموجات ثانية من ثورات التغيير القادمة فهذا إن حصل لن يكون سوى مرحلة أولى ستليها مرحلة ثانية لآنهم لن يستطيعوا الحكم إلا بالقوة والحديد والنار وهو ما سيفجر الثورات عليهم مجدداً.

وأخيراً: لا تستغربوا ان عادت التحالفات لما قبل ثورات الربيع العربي لكنها تحالفات ترمي بنفسها في لهيب موجات قادمة من ثورات شبابية عربية ستكون شعارتها اكثر تجذيراً للتغيير واكُر تحديداً لقوى الثورة وستحدد قيادتها ولن ترمي بنفسها في أتون الجيش والأمن أو من جربتهم الجماهير العربية في موجات ثوراتها الأولى.