الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٩:١٨ مساءً

امريكا وايران وسايس بيكو الثانية

عارف الدوش
الجمعة ، ٠١ نوفمبر ٢٠١٣ الساعة ٠٩:٤٠ صباحاً
"لا صداقات دائمة ولا عداوات دائمة بل مصالح دائمة "وهناك نماذج تطبيقية كثيرة للمقولة لكن ابرز النماذج وضوحاً هو ما يكون بين خصوم الفكر والايدلوجيا واختلاف الرؤية ومضمون واسلوب الحياة فكنا نقرأ ونسمع عن الطريق الرأسمالي والطريق الاشتراكي والطريق الثالث أو ما كان يسمى نمط الإنتاج الأسيوي أو النموذج اللاتيني أو الاشتراكية العربية أو تجربة جنوب شرق اسيا وجرى حديث وتطبيقات عديدة حول " الرأسمالية تجدد نفسها" وتستعير اساليب وأليات كانت فيما مضى حكراً على خصومها .

المهم والملفت هو ما يجري من غزل رفيع ورقيق بين من ظل يصورهما الإعلام الغربي والإيراني والعربي ومن يلف لفهما بخصمين لدودين " واشنطن وطهران " فإزالة ايران الشعارات المعادية لأمريكا والغرب من شوارعها وساحاتها ومرافقها العامة ووسائل اعلامها أحدث نموذج لسقوط الايدلوجيا.

فلم تعد امريكا بالنسبة لطهران الشيطان الأكبر والعكس لم تعد إيران زعيمة محور الشر ضد امريكا والغرب وحلفائها في المنطقة وفي مقدمتهم اسرائيل فالشعار الإيراني " الموت لأمريكا" لم يعد ذات جدوى بعد الحديث عن صفقة كبرى بين البلدين تم الاتفاق عليها خلال زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى نيويورك وخطابه من على منبر الأمم المتحدة في اجتماعات الجمعية العامة الشهر الماضي

فقد اصبحت امريكا " الأمة العظيمة " في خطاب الرئيس روحاني في نيويورك بعد أن ظلت في الخطاب الإيراني منذ ثورة الخميني " الشيطان الأكبر" كما ان إدانة روحاني " الهولوكوست ووصفها بـالفعل الذميم في حوار تلفزيون مع الـ سي أن وهذان مؤشران بل دليلان على سقوط الايدلوجيا بين واشنطن وطهران وغزل رفيع ورقيق بين الأخيرة واسرائيل بعد ان ظلت علاقاتهما متوترة في فترة حكم الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد

أما أنصع دليل على سقوط الايدلوجيا في الحالة الإيرانية ما اكده الرئيس روحاني من أنه لا يمكن تحقيق أي تقدم علمي في ظل العزلة مع العالم بل هناك حديث وتحليلات عن أن النخبة الإيرانية اوصلت روحاني للحكم لتغيير ثوابت سياسة ايران في علاقاتها مع العالم وان هناك رغبة ايرانية في التخلص من تداعيات العقوبات الغربية التي سببها تطوير برنامجها النووي خاصة وان اغلبية الإيرانيين متضررين من تلك العقوبات .

أن الوصول الى شرق أوسط جديد يخدم مصالح الكبار في العالم يقتضي سقوط الايدلوجيا تماماً واعتماد اساليب تغيير وتفتيت ليست في مقدمتها استخدام القوة العسكرية والحروب وحدها فنموذج العراق دليل على عقم استخدام القوة وارتفاع كلفتها فيجري اختبار استخدام الاقتصاد الناعم للتجويع والخنق والحقوق والحريات لدغدغة عواطف الشعوب وتحريكها بالإتجاه المطلوب.

اسقاط الدول يبدأ بتحويلها الى فاشلة اولاً لخلق نقمة داخلية تخدم الهدف العام للخارج ولنا في سايس بيكو الأولى في النصف الأول من القرن العشرين الماضي عبرة فقد التقت اهداف اطراف فاعلة في المنطقة " الشريف حسين" الذي كان يحكم مساحة واسعة في المنطقة لمواجهة الدولة العثمانية الأيلة للسقوط مع الأهداف البريطانية فكلا الطرفين كانا ادوات لتنفيذ مهمة فقط خدمت في الأخير سايس بيكو واقصتهما بعيداً.

هل يعي حكام المنطقة ونخبها وشعوبها الدروس السابقة ليتلافوا نتائج كارثية لما يسمى الشرق الأوسط الجديد "سايس بيكو الثانية" أم ستتكرر مأساة "الشريف حسين وبريطانيا" ممثلة حالياً بإيران وامريكا والسعودية ومصر ممثلة بالدولة العثمانية وسنرى أكثر من إيران وامريكا وأكثر من السعودية ومصر في أطار كل دولة ومساحة جغرافية واحدة

وأخيراً: مثلما هو المطلوب شرق اوسط جديد يتم برمجته وفقاً لمصالح الكبار في العالم المطلوب أيضاً تجديد فكري وسياسي في الوسائل والأليات والمفاهيم للتخفيف من الخسائر والتكيف مع المتغيرات واستيعابها لخدمة مشاريع وطنية تقلل من هزات واضطرابات وخسائر التغييرات العاصفة.