الخميس ، ٢٥ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٠:٢٥ صباحاً

القواعدالشرعية في الرد على المخالفين

عبدالواحد هزاع فرحان الشرعبي
الأحد ، ٠٨ سبتمبر ٢٠١٣ الساعة ١٠:٤٠ صباحاً
الحمدلله الذي من علينا بنعمة الإسلام ، أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمدا ً رسول الله صلى الله عليه وسلم .

لايخفى على الكثيرين منا كثرة القنوات الفضائية الداعية إلى الإسلام والحمدلله ، كما لايخفى على الكثيرين منا أيضا ً أن كل قناة تمثل طريقا ً ومسلكا ً للدعوة إلى الله تنفرد به عن مثيلاتها من ا لقنوات الإسلامية الأخرى.

فهنالك القنوات التي تمثل التيار السلفي وتدعو لطريقته وفكرته ، وهنالك القنوت التي تمثل جماعة الإخوان المسلمين وتدعو لفكرتهم وطريقتهم ، وهنالك القنوات التي تمثل الصوفية وتدعولفكرتهم وطريقتهم وهنالك القنوات التي تمثل القطبية وتدعو لفكرتهم وطريقتهم ، وهنالك القنوات التي تمثل الماتريدية والأشعرية وتدعو لفكرتهم وطريقتهم وهنالك القنوات التي تمثل صناع الحياة وتدعو لفكرتهم وطريقتهم وكل جماعة ترى أنها أكثرفهما ً للواقع وأكثر خدمة للإسلام من غيرها من الجماعات الإسلامية الأخرى ، بل لقد ازداد الأمر سوءا ً حين كثرت الردود الغيرموثقة علميا ً والبعيدة عن منهج النقاش العلمي الصحيح الرامي لإظهار الحقيقة بعيدا ً عن التعصب والتشهير والتجريح والحقد والضغينة التي لاتخدم الإسلام ولاتقدم منفعة للمسلمين بل تنشر الفرقة والخلاف فيما بينهم وخصوصا ً عوام المسلمين الذين يتأثرون بشخصية العالم وطريقته وأسلوبه فتجدالواحد منهم يتعصب لشيخه دون علم أودراية ، ومما يندى له الجبين أن يتم عرض برامج دينية تحمل عنوان الجرح والتعديل ، وعنوان الردود العلمية على المبتدعة ، وعنوان الرد على فلان مصرحا ً باسمه ، أويؤلف أحدهم كتابا ً تحت عنوان ا لرد على المبتدعة ، وكل فئة تسير الأدلة الشرعية وفق فكرتها وطريقتها وكان حريا ً بها أن تسير فكرها وطريقتها وفق ماتراه الشريعة الإسلامية ، وهذا من ا لمخالفات التي ظهرت على الساحة الإسلامية في عصرنا هذا لأنها بعيدة عن المنظور العلمي الذي يعتمد على الدليل من الكتاب والسنة ، إننا نجد أن هذه النقاشات وتلك التصريحات الصادرة عن بعض تلك القنوات القنوات تؤثرسلبا ً على المسلمين فيضل العوام في حيرة من أمرهم سائلين أنفسهم أي الجماعة تمثل الفرقة الناجية ، لأن كل جماعة تقول نحن الفرقة الناجية . نجد أحد العلماء يؤلف كتابا ً يرد فيه على عالم آخر ويصفه بالمبتدع ، ويأتي عالم آخر يصف مؤلف ذلك الكتاب بأنه مبتدع وإن كان يرد على المبتدعة وهكذا كل جماعة ترى أنها الفرقة الناجية وماعداها مبتدعة . لوسأل أحدنا من هي الفرقة الناجية من بين كل هذه الفرق ؟ سأجيب دون تردد قائلا ً :

1-إنني على يقين بأن الفرقة الناجية هي التي لم تلوث فكرها وطريقتها بالأفكار الغربية كالديمقراطية وغيرها من الشعارات الكفرية التي وضعت لحرب الإسلام والمسلمين .

فالديمقراطية هي حكم الأكثرية والله تعالى يقول : (مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) سورة يوسف /40 . وقال الله تعالى : (فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ )غافر/12 ، وقال تعالى : (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ)التين/8 ، وقال تعالى : ) قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً ( الكهف/26 ، وقال تعالى : (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ )المائدة/50 .



2-الفرقة الناجية هي التي ترد على المخالفين وفق أطر علمية سليمة معتمدة الدليل من الكتاب والسنة بعيدا ً عن التعصب والتشهير والتجريح والحقد والضغينة ، قال تعالى (ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا)سورة النساء / 59 وقال تعالى ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) سورة النساء الآية 65 .



3- الفرقة الناجية هي التي تحب للآخرين أن يكونوا موحدين دون بدعة في الدين داعية إلى الله بأسلوب بين الشدة واللين ،قال تعالى : (دْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) سورة النحل الآية 125 وقال تعالى مخاطبا ً موسى وهارون عليهما السلام (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43)فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44) سورة طه 43-44 وقال تعالى (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) سورة الحجرات الآية 9. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما كان الرفق في شيء إلا زانه ، ولا نزع من شيء إلا شانه( رواه مسلم وقال عليه الصلاة والسلام لأشج عبد القيس : ( إن فيك خصلتين يحبهما الله، الحلم والأناة ( رواه مسلم ولقد كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يعمد إلى اللين حينا ًويعمد إلى الشدة أحياناً أخرى حسب ماتقتضيه الحاجة الشرعية .



4-الفرقة الناجية هي التي تسير فكرها وطريقتها وفق ماتراه الشريعة الإسلامية معتمدة الدليل والمنهج السليم بعيدا ًعن المصالح الشخصية والأطماع النفسية وبعيدا ً عن التعالي والتعالم واتباع الهوى . قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-:
(كثير من الناس يخبر عن هذه الفرق بحكم الظن والهوى فيجعل طائفته والمنتسبة إلى متبوعه الموالية له هم أهل السنة والجماعة ؛ ويجعل من خالفها أهل البدع وهذا ضلال مبين . فإن أهل الحق والسنة لا يكون متبوعهم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى فهو الذي يجب تصديقه في كل ما أخبر ؛ وطاعته في كل ما أمر وليست هذه المنزلة لغيره من الأئمة بل كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم . فمن جعل شخصا من الأشخاص غير رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحبه ووافقه كان من أهل السنة والجماعة ومن خالفه كان من أهل البدعة والفرقة - كما يوجد ذلك في الطوائف من اتباع أئمة في الكلام في الدين وغير ذلك - كان من أهل البدع والضلال والتفرق .( مجموع الفتاوى (3/346 وقال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-: ( ومن نصَّب شيخاً كائناً من كان، فوالى وعادى على موافقته في القول، والفعل فهو من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً(. مجموع الفتاوى 20/8



5-الفرقة الناجية هي من كانت على ماكان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم أجمعين . قال تعالى ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) الأنعام / 153 ، وقال تعالى : ( وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ) النحل / 9



وفي الختام إن من الواجب على مثل هذه القنوات أن تعيد حساباتها في كل ردودها الغيرموثقة علميا ً والبعيدة عن الدليل من الكتاب والسنة والمليئة بالأحقاد والضغينة واتباع الهوى والتعالم والكبر.



وعلى كل عالم أن يعيد النظر فيما كتبه أوأخبربه من أمورتبين له مخالفتها للدليل والمنهج السليم ، وهذا لايقدح فيه ولاينقص من شأنه كونه عالما ً اجتهد في أمر ظنه صوابا ً عدل عنه حين تبين له خطؤه ، بل ستزداد رفعته عندالله تعالى . فلنقرأ ماسطرته أيادي علمائنا الجهابذة القدامى الذين اعتمدوا الرد العلمي في ردهم على المخالفين معتمدين في ذلك على الدليل من الكتاب والسنة وفق المنهج السليم دون تعصب أوتشهير أوتجريح أوحقد أوضغينه أوتعالم أوكبر ، لقد صفت قلوبهم فصفت كتبهم وشدت إليهم الرحال وذاع صيتهم في الآفاق رحمهم الله تعالى .