الاربعاء ، ٢٤ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٧:١٤ صباحاً

من هو الدكتور محمد الظاهري؟

د . عبد الملك الضرعي
الاربعاء ، ١٢ اكتوبر ٢٠١١ الساعة ٠٢:٤٥ مساءً
لقد ساعدت الثورة الشبابية الشعبية السلمية على إبراز الوجه الحقيقي لكوكبة من الثائرين والثائرات الأبطال بمختلف الفئات العمرية ، فتجد الطفل الصغير الذي يحمل إرادة الكبار وتجده في مقدمة المسيرات المطالبة باسقاط الإستبداد ومنهم من سقط شهيداً ولهؤلاء قصص عجيبة يذكرها زملاؤهم وأسرهم ، فهم لم يكونوا عابري سبيل بل ثوار وفي الصفوف الأولى ، ومنهم تجد أيضاً كبار السن وبعضهم تجاوز التسعين من العمر لكن إرادته تفوق شباب العشرينيات ومنهم من سقط شهيداً بنفس راضية ، ثم تأتي كوكبة من الشباب والشابات ورواد الفكر والثقافة وهؤلاء يشكلون العمود الفقري للثورة الشبابية الشعبية السلمية ، وفيهم تأتي غالبية الشهداء والجرحى ، في هؤلاء نجد طلاب الجامعات وقادة الحركات السياسية ، في هؤلاء نجد الرياضيين وكبار الإعلاميين وأساتذة الجامعات والمحامين والقضاة والشعراء وعلماء الشريعة والفلاحين ، وشباب القبائل والكثير الكثير من مكونات المجتمع اليمني.

إن أساتذة الجامعات يمثلون المكون الفكري والإستشاري لساحات التغيير والحرية على مستوى الجمهورية ، بل لقد كانوا الرواد وخيمتهم من أولى الخيام التي نصبت أمام جامعة صنعاء ، بل أن ساحة التغيير هي المكان الذي أنطلقت منه إحتجاجاتهم العام الماضي 2010م ، ومن رموز حركة اعضاء هيئة التدريس المطالبين بالحرية والكرامة يأتي الأخ العزيز/ الدكتور محمد الظاهري أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء.

إننا في الأسطر التالية سوف نركز على جانب واحد من حياة الدكتور محمد الظاهري في مقاومة الفساد والظلم والتمييز سواء على المستوى الوطني أو في واحدة من أهم المؤسسات الأكاديمية في الجمهورية اليمنية وهي جامعة صنعاء ، وسوف نشير إلى ذلك في بعض المحطات وليس كلها وبالذات في العامين الأخيرين ومنها:

أولاً/ بعد أن كان الدكتور محمد الظاهري رئيساً لقسم العلوم السياسية ، اجرت قناة الجزيرة لقاء مقتضباً معه قدم فيه وجهة نظره في حكم الرئيس صالح ، وفي صبيحة اليوم الثاني عُزل من رئاسة القسم وعين بديلاً له ، ولكن ذلك لم يثنيه عن ممارسة دورالوطني في مواجهة قوى الفساد والظلم.

ثانياً/ أُعلن عن إنتخابات لنقابة أعضاء هيئة التدريس بجامعة صنعاء وتقدمت كل مجموعة سياسية بمرشيحها لخوض الإنتخابات ، وتقدم الدكتور محمد الظاهري مستقلاً ، وحصل على معدل عالي من أصوات مندوبي الكليات على الرغم من الموقف المسبق ضده من قبل قيادات الحزب الحاكم الذين يعارضون بشدة وصوله إلى قيادة النقابة ، خاصة بعد معارضته المعلنة للسلطة الحاكمة، ولكن التقدير الذي يلقاه الدكتور محمد الظاهري من جميع الزملاء ومنهم الشرفاء من أعضاء المؤتمر دفعت بالغالبية للتصويت له ، بل أن وصوله إلى قيادة النقابة وآخرين كانت أحد أسباب الخلافات والإتهامات الحادة بين قيادات وقواعد الحزب الحاكم بعد إعلان نتيجة التصويت ، كون غالبية المندوبين من المنتمين للمؤتمر الشعبي العام.

ثالثاً/ مع وجود تباينات في طرح بعض القضايا المتصلة بالحياة الأكاديمية والعلمية داخل نقابة أعضاء هيئة التدريس ، إلاَّ أن الدكتور محمد كان صاحب الرأي الراجح والمقبول لدى قيادات النقابة بمختلف تواجهاتهم السياسية والفكرية ، بل لقد مثل العنصر الفاعل في اللقاءات التي قامت بها النقابة مع رئاسة جامعة صنعاء ووزارة التعليم العالي ورئاسة الوزراء خلال أشهر الإضراب في العام الماضي ، وعلى الرغم من تعرضه للكثير من الإيذاء والمضايقات وخاصة الأمنية خلال تلك الفترة ،إلاَّ أن موقفه كان صلباً مع بقية أعضاء النقابة حتى وصلت النقابة إلى الإتفاق الذي رعاه رئيس الوزراء ووزير التعليم العالي.

رابعاً/ استمر الدكتور محمد الظاهري مدافعاً عن قضية إصلاح التعليم الجامعي بشكل خاص، وإصلاح أوضاع الوطن بشكل عام ، وكتب الكثير من المقالات التحليلية واللقاء الصحفية ، ولكنه خلال كل ذلك لم تصدرمنه إساءة شخصية إلى أحد بل كان حاملاً للهم الوطني بعيداً عن مسميات الأشخاص.

خامساً/ مع اندلاع ثورة الشباب ، كان الدكتور محمد الظاهري في مقدمة المتواجدين من أعضاء هيئة التدريس في ساحة التغيير بصنعاء ، ودعمه للشباب لإدراكه أنها فرصة تاريخية لتغيير الأوضاع التي يعاني منها الشعب اليمني، وقد كان أحد الداعين إلى أول مسيرة داعمة لشباب التغيير في22/2/2011م وكان في مقدمة المسيرة التي بدأت من أمام مكتب شركة( (MTNأمام كلية التجارة ، ووصلت المسيرة إلى المنصة الرئيسة للساحة ، وقد كان في الفترات اللاحقة في مقدمة المسيرات المتعددة التي خرجت من ساحة التغيير.

سادساً/ لقد شكل الدكتور محمد الظاهري بقيمته العلمية وجرأته وصواب تفكيره مشكلة أمام السلطة الحاكمة ، ولو كان شخصاً عادياً لتم إقتياده في أي لحظة ومن أي شارع كما جرى للمئات من شباب ساحة التغيير، ولكنه تعرض لأشكال أخرى من المضايقات مثل تعرضه للإعتداء من خلال إفتعال مشاجرة مع بعض الأشخاص في شارع الستين منذ أشهروهو برفقة الأخ الدكتور جميل عون عضو النقابة وأحد رموز المعارضة بين أعضاء هيئة التدريس ، ولكن لم يكتب لتلك المحاولة النجاح ، وظل صوت وقلم الدكتور محمد الظاهري الناقد شامخاً ولم يتراجع ، حتى وصلت إليه يد الغدر التي تجهل معاني الكلمة والقلم وغصن الزيتون وحمامة السلام والعلم والحرية وأشياء أخرى كثيرة من حياتنا الإنسانية لا نجدها في قواميسهم ، تلك اليد الغادرة التي كانت تأخذ من قوات الأمن متاريساً لها(حسب شهادة المذيع عبدالله غراب في الفضائية اليمنية) ، تم قنص اليد التي لم تكتب يوماً ما مايريده السلطان ، تلك اليد التي رفعت القلم في إحدى المسيرات لرجال الأمن ، حاول المجرمون القتلة توقيفها عن الكتابة ، لأنهم أميون لايعرفون من الحياة إلاَّ البندقية والخنجر.

إذا كانت أياديهم الآثمة أيادي الجهل والتخلف والبغي ، وصلت بجرمها إلى يد العلم والمعرفة والفكر ، إذا كانت أياديهم حولت شباب جامعي أحرار إلى أشلاء ، فإن تلك الأيادي المخضبة بالدماء كتبت إحدى فصول المشهد الأخير من حكم أسرة صالح ، كتبت مشهد من مرحلة تأريخية ستدون فيها جريمة سوداء قتل فيها خيرة أبناء اليمن بدم بارد ، وستسجل في نفس الوقت صفحات بيضاء لشباب عُزَّل بسلميتهم ودمائهم وأرواحهم صنعوا مرحلة جديدة في حياة الشعب اليمني الأصيل ، إن الحقيقة المرة التي يصعب على أنصار صالح استيعابها أن التاريخ يدور وأن السلطان لايدوم ، وأن الشعوب مهما ظُلمت لا تستكين ، لأن الله يقيِّض من أبنائها من يذود على كرامتها ، لذلك فهؤلاء الشباب الأماجد غالبيتهم ولدوا وترعرعوا في عهد صالح ، وإنها لمفارقة عجيبة أن يصبح من إدعى صالح العناية بهم عبر مشروعات التوظيف وتشغيل الشباب وو...الخ ، هم من يتهاوى سلطانه على أيديهم ، لأنهم لم يُخدعوا كما خدع أباؤهم ، لأنهم علموا أن البطالة من نصيبهم والفقر من نصيبهم والمرض من نصيبهم ، أما الشباب الذي يعرفهم صالح وهم أبناؤه وأبناء أسرته وأبناء المسئولين التابعين له ، فلهم تأتي الوظائف والمشروعات والاعتمادات المالية والعينية والمنح الدراسية والعلاجية والوظائف الدبلوماسية والرتب العسكرية ، لأولئك الشباب كل شيء لأنهم الأبناء والاحفاد وبهم يدوم السلطان ، لقد كانت حسابات صالح وأركان حكمه خاطئة ، لأنه تجاهل شباب الأمة الحقيقيين وهم شباب ليست لهم ملاعق من ذهب ولارتب بلاعدد ولامعيشة بلا نكد ، بل هم شباب سقلتهم المعاناة والظلم والقهر، شباب يتخرج مُبدعهم ليعمل في مطاعم العصيد ، ويعمل أجيرهم بلا رصيد ، ويموت فقراؤهم من سؤ تغذية ونقص الحديد ، لذلك كله فالدكتور محمد الظاهري (شفاه الله وعافاه) لم يكن سوى صوت للحق يعبر عن ملايين المقهورين المنتشرين في مختلف المناطق اليمنية ، لم يكن صوته معبراً عن نفسه فهو بطبيعة عمله كأستاذ جامعي مستور الحال ولو سمع وأطاع السلطان لكان في أحسن حال ، لكنه ترك مصالحه الشخصية وانحاز إلى شئ أسمه الوطن بأرضه وسكانه.

أخيراً ماهو مؤكد أن الأسباب التي أخرجت الدكتور محمد الظاهري وبقية أعضاء هيئة التدريس وقادة الفكر والسياسة والإعلام والقضاء والعسكريين ومشائخ القبائل وعموم أبناء الوطن ، ولأجلها سقط الألاف من الأحراربمختلف فئاتهم العمرية بين شهيد وجريح ، تلك الأسباب هي طموحات نلخصها في يمن تسوده المواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية والحرية ، يمن يحاسب فيه الفاسدون والقتلة ونهّابي الأموال والأراضي الخاصة والعامة ، تلك الطموحات لايمكن أن تتحول إلى سراب بفعل إغتيال أو جرح شخص أو أشخاص ، ففي اليمن الملايين من الأحرار الأبطال صامدون في الساحات ويعاهدون الشهداء علي السيرفي الطريق التي ضحوا بأرواحهم من أجلها ، نرجوه تعالى أن يحقن دماء اليمنيين ، ويأخذ الطغاة والظلمة أخذ عزيز مقتدر إنه على ما يشاء قدير.