الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٦:٤٨ مساءً

" الجهويات" لنستفيد من المغرب واسبانيا

عارف الدوش
الاربعاء ، ٢١ أغسطس ٢٠١٣ الساعة ١١:٤٠ صباحاً
الاتجاه العام لحل قضايا البلاد والعباد يسير نحو الفيدرالية إقليمين بداخلهما أقاليم أكثر من إقليمين، وفي كلا الحالتين في إطار دولة اتحادية، فالدولة الموحّدة فشلت، والفرق بين الصيغتين الاتحادية والموحّدة ليست في النطق والكلمتين وإنما في الوظيفة والمضمون.

وللوهلة الأولى تبدو كلمة "الموحّدة" فيها نوع من القسر والجبر والنمذجة الواحدة؛ بينما "الاتحادية" فيها نوع من الطوعية والرضا والاتحاد بين أنداد متساوين، والعلاقة بين المركز والمحافظات والمديريات أمر استحوذ على اهتمام اليمنيين منذ بداية القرن العشرين الماضي، فالحكام كانوا يريدون ضم أراضٍ جديدة ترفد مركز الحكم بمال ودخل إضافي لتقوية الدولة والحكم، وتطوّر الأمر بأن تحوّلت اليمن إلى منطقتين منتجة زراعية - سمكية وجابية محاربة مناطق الجبال والمرتفعات..!!.

وفكرة الدولة الاتحادية والأقاليم جديدة على الحكام والمحكومين في اليمن السعيد؛ لأنهم عاشوا ردحاً من الزمن في ظل الدولة البسيطة المركزية الطاغية،وظلّت الأطراف البعيدة مهملة والتنمية محصورة في بعض المراكز الحضرية في صنعاء وتعز والحديدة،وأضيفت إليها بعد الوحدة حواضر الجنوب، أما بقية مناطق اليمن فلا تنمية ولا خدمات، والقصور في كل شيء يتحدث عن نفسه.

فترة بسيطة في منتصف السبعينيات وهي فترة إبراهيم الحمدي ـ طيّب الله ثراه ـ أنتعشت آمال اليمنيين بتنمية وتعاونيات على مستوى الأرياف،وكانت التعاونيات قاعدة للبناء التنموي في الريف "الجهويات" لكن تم وأدها في المهد باغتيال الحمدي والقضاء على التجربة برمتها كونها استهدفت تغيير أساس الحكم،ونقله

من المشايخ وأصحاب النفوذ إلى أصحاب المصلحة الحقيقية في البناء والتنمية.

واليوم في اليمن هناك شعور طاغٍ، وهناك صوت مرتفع جداً من المناطق والقوى المهملة "الجهويات" يحتاج هذا الصوت المرتفع لأن يُسمع له؛ وبالتالي من المهم أن يتم التغيير على قاعدة الاحتياج الفعلي للناس، وحاجة الناس تكمن في إعطاء المناطق "الأقاليم" أو "الجهويات" دوراً في حكم نفسها وتنمية نفسها وإشراكها في السلطة والثروة.

يقول الخبراء المتخصّصون لخروج اليمن من محنتها: لابد من التركيز على مكامن الضعف في البلاد، ومعرفة مكامن القوة أيضاً، وجعلها في خدمة مكامن الضعف، فاليمن تتمتع بموقع "جيو سياسي" مهم، وهناك قوى عالمية مثل الصين وأمريكا والهند تركّز انتباهها على اليمن، وهذه إحدى نقاط القوة، وهناك الكثير من الدول التي تريد مساعدة اليمن، ويمكن أن نفكر كيف نستفيد من المساعدات، في إحداث تنمية حقيقية يستفيد منها أغلبية الشعب اليمني الذي يتوزّع في تجمعات سكانية كثيرة ومتناثرة وبعيدة عن بعضها البعض.

الحوار الوطني لابد له أن يخرج بإجابات عملية وليست نظرية حول كيفية تنظيم الإدارة المحلية "الحكم المحلي" لكي تكون اليمن مستقرة؛لابد من الاهتمام "بالجهويات" تنميتها وجعلها "جهويات" منتجة تخصصية، فمناطق اليمن متنوعة ومتعددة التضاريس وفيها تنوع انتاجي "زراعي - سمكي - سياحي – بترولي – غاز ... إلخ"ولكي تكون اليمن مستقرة لابد أن تكون المناطق "الجهويات" منتجة لكي يتحقّق رضا الناس، ولا يمكن إن يأتي رضا الناس إلا عندما يجدون الخدمات، عندما يجدون العمل، عندما يجدون أن هناك سبل عيش تمكنهم من الاستقرار والإنتاج.

من المهم الإطلاع على التجربة المغربية في تنمية "الجهويات" فهي تجربة رائدة راكمت الخبرات في "الجهويات" منذ أكثر من عقد أو عقدين من الزمن، وعندنا في اليمن كانت عبارة "الجهوية" إلى قبل سنوات شتيمة؛ فإذا أردت أن تشتم شخصاً ما تطلق عليه أنه “"جهوي"

وهناك تجارب تنموية في "الجهويات" بألمانيا وفرنسا، فتنمية "الجهويات" وتحويلها من مستهلكة ومنتظرة حسنات الدولة المركزية والعاصمة والحواضر المنتجة للنفط والغاز إلى "جهويات" منتجة متخصصة بحسب موقعها الجغرافي وطبيعتها التضاريسية ونوعية اقتصادها الذي يمكن أن يتولّد من طبيعة ناسها وموقعها "زراعية – ساحلية - سمكية – سياحية – غازية – بترولية – عمالة مدربة ومؤهلة – تجارة معلومات وتخطيط وتسويق ... إلخ" في الأخير كل منطقة أو "جهة" أو إقليم لديه مفردات وخصوصيات محدّدة يمكنها أن تتحوّل إلى اقتصاد منتج يدور كحلقة في الاقتصاد الكلي للبلد.

"الجهويات" ستؤدّي إلى إنشاء مراكز اقتصادية توفر العمل للسكان المحليين بحسب التخصّص ونوعية التضاريس واتجاه السكان المحليين لنوعية الاقتصاد والإنتاج، وستسمح "الجهويات" بضخ أموال في ميزانية الجهات والمديريات وعلى مستوى القرى أيضاً من ضرائب تلك الجهات نفسها،فكل جهة تستثمر ضرائبها في تنمية محيطها.

ففي المغرب نظام" جهوي" أدّى إلى تنمية الريف والمناطق البعيدة، وحقق استقراراً إلى حد ما، وفي اسبانيا ـ جارتها الشمالية ـ تم انتهاج سياسة "جهوية" متميزة، وأضحت اسبانيا قوة اقتصادية بتنمية متخصّصة؛ لكل جهة تخصص محدد في مجال التنمية،وتقسمت اسبانيا إلى عواصم "جهوية" مختلفة وحكومات وبرلمانات مستقلة.

وفي ظل الحديث عن اللا مركزية والنظام الفيدرالي لم تعد "الجهوية" شتيمة أو "سُبّة"كما كانت قبل عقد واحد من الزمن على الأقل.