الخميس ، ١٨ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٩:٥٨ مساءً

مصر ليست سورية بالحيثية الأخوانجية

اسكندر شاهر
الجمعة ، ١٦ أغسطس ٢٠١٣ الساعة ٠٧:٤٠ مساءً
أوجه التناغم السوري – المصري كثيرة ولعل تلكم الأوجه شكلت الأرضية التي قامت عليها الجمهورية العربية المتحدة بقيادة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي تقبّل قرار فك ارتباط البلدين ببعضهما عندما فشلت الوحدة المصرية – السورية (58- 61م) نتيجة أخطاء سياسية وإدارية وأمنية تحديداً ..

ولم تتأثر حالة التناغم بعد ذلك نتيجة لقوة حيثية الشعور بالمصير الواحد في مواجهة العدو المشترك الأمر الذي أدى إلى إحراز الانتصار العربي في حرب 73م على الكيان الصهيوني .. وكانت ولاتزال مصر وسورية البلدان والشعبان يتناغمان على مختلف مستويات الحياة ومناحيها ، ولم يكن متخيلاً ولا مستوعباً أن يتقرر العزل الدبلوماسي والقطيعة الرسمية بين البلدين بأي حال من الأحوال فضلا عن أن يحدث مثل ذلك في الوقت الذي تتعرض له قلعة الصمود في دمشق لحرب كونية بامتياز تشترك فيه جماعة الأخوان المسلمين في سورية بالتنسيق الكامل مع التنظيم الدولي في تركيا والغرب .. لقد كان إعلان الرئيس المعزول محمد مرسي قطع العلاقات الدبلوماسية مع دمشق- قبيل عزله - في ظل بقاء واستمرار العلاقات مع تل أبيب سابقة غردت خارج سرب حقائق التاريخ والجغرافيا والمصير المشترك ولأنها كذلك بالإضافة إلى جملة الفشل الأخواني في إدارة الدولة كان طبيعياً أن يسقط هذا النظام بهكذا رئيس يجهل أبجديات السياسة الدولية بنفس القدر الذي يجهل فيه – هو والمرشد العام- حتى مصلحة الجماعة نفسها التي توصف بالبراجماتية بينما تؤكد الوقائع المستجدة أنها لم تقرأ من هذه الفلسفة إلا النصيب الذي
سمحت به أمريكا والذي لا شك أنه لم يكن جلّ مقاصد مواطنها الفيلسوف ويليم جيمس صاحب تلك النظرية النفعية ..

إن استدعاء القيادات الاخوانية المصرية في عدة مرات وعديد مناسبات وآخرهم (البلتاجي) يوم فض اعتصام النهضة ورابعة، للمشهد السوري ومحاولة إقحامه في المشهد المصري الراهن بالرغم من افتراق وتمايز كل المعطيات في المشهدين هو استدعاء لمصير الجماعة في البلدين وليس مصير البلدين نفسيهما ، ويؤكد ذلك حجم المقامرة التي تتبعها الجماعة الفاشلة في مصر بالرغم من وصولها إلى سدة الحكم والفاشلة في سورية من قبل ومن بعد ، والتي تتوالى فصول فشلها في تركيا تدريجياً منذ أن قامرت وغامرت سياسة أردوغان في سورية وانتحرت ديمقراطيته في حديقة جيزي ، وهكذا ستذهب الجماعة الدولية التي لا تؤمن بالأوطان والانتماء الوطني والقومي إلى مآلات مماثلة أو مشابهة في غير مكان في العالم وبينها اليمن ممثلة بـ ( حزب الإصلاح ) الذي ستكون (وكسته) أكبر ولكن ليس بإرادة شعب لاينحاز إلى نفسه غالباً بل بإرادة قوى تنحاز إلى مصالحها بالضرورة .. وأما تونس ففوق مالدى حزب النهضة من أخطاء فإنه سيتأثر سلباً انعكاساً لتؤثر الجماعة في مصر وغيرها ، ولعله سيكون أشبه بمن يدفع ثمن سُمعة أبيه السيئة ، أو مسكوناً بخطيئة لم يقترفها على طريقة الفيلسوف الدانماركي سورين كيركجارد ..!!

لقد استُعملت مسألة الأقليات من قبل الغرب على مر التاريخ في منطقة المتوسط والعالم العربي كورقة ضغط وأداة للتجريف في حالة الاضطرابات والحروب على نحو خاص ، وبالرغم من عدم قيام الأنظمة العربية بحل هذه المسألة بتكريس المواطنة المتساوية وسيادة القانون إلا أن الغرب فشل في تطويع بعض الأقليات الدينية كالمسيحيين ، وأثبت مسيحيو سورية في أحداثها المريرة أنهم أكثر تماسكاً وانتماءا للوطن والقومية العربية ، ويثبت أقباط مصر أنهم في نفس الطريق مع اختلاف أوضاع البلدين وتمايزها بالرغم من أنهم كانوا ولايزالون هنا وهناك هدفاً للجماعات المتطرفة والإرهابية ، ولئن فشلت جماعة الأخوان المسلمين في استيعاب النسيج المصري السياسي فوق فشلها في استيعاب النسيج الديني بمافي ذلك الجماعات السلفية فإن رهان الغرب على هذه الجماعة الفاشلة سيفشل كرهانها على حروب أهلية على أساس طائفي بدأت توجيه الخطة لها من العراق منذ احتلاله وسقوط بغداد ، ليأتي ما يسمى الربيع العربي ليحرك بوصلتها نحو أهم مواقع تعطيل القرار الصهيوأمريكي في المنطقة ، من هنا فإن مصير جماعة الأخوان بات واضحاً وفقاً للخيار الذي سلكوه في مواجهة مأزقهم التاريخي ، وهو الخيار الذي أكد رغبتهم
في محاكاة المشهد السوري المأساوي مهما كان الثمن وحسب ما تمليه الأجندة الخارجية وهو أمر لم ولن يُكتب له النجاح ، وفي النهاية سيكون على أمريكا والغرب أن تتعامل مع مصر الجديدة التي ستتصالح مع نفسها وستتجاوز هذه المحنة ، ولكن قاهرة المعز ستقول للقاتل والخائن : لا وكفى.. ومصيره سيكون المحاكمة كمصير حسني مبارك ، ولن تمنح حصانة للقتلة واللصوص كما حدث في اليمن صاحبة الثورات المفلترة سعودياً ..

أثبتت الشعوب العربية أنها لاتزال قادرة على إنتاج نخب سوية يمكن التعويل عليها .. صحيح أنها قد لا تستطيع الإنقاذ والقيادة في آن معاً ولكنها تستطيع أن تحد من انتكاسات تاريخية لعل أبرز شاهد كان في مصر من خلال حركة تمرد التي أوقفت تدافع مصر نحو هاوية سحيقة وهو الأمر الذي عجزت عنه النخب العتيقة والمترهلة ، وإن كان الشباب بمسيس الحاجة إلى تصدر المشهد السياسي عبر أحزاب وأطر سياسية منظمة وواعية لما مضى ولاستحقاقات وتحديات الراهن وحائزة على رؤية مستقبلية وخارطة طريق أكثر استراتيجية من تلك التي استهلكت في عملية إزاحة الأخوان عن السلطة ، ولئن فشلت النخب العتيقة والمعتقة في أكثر من مكان ضمن بؤر الصراعات والمخاضات العربية إلا أن ما رشح من معطيات ومتغيرات بعضها لم يكن محتملاً يعيد الدور إلى الشعوب بنخبها الشابة التي لزم أن تدرك الآن أن الديمقراطية ليست منتجاً أجنبياً يجب استيراده وتطبيق مايرد في الكاتولوج المرفق به وإنما هي عملية عسيرة تحتاج إلى قراءة التاريخ وتفهم أعباء وإرهاصات الماضي وأن تشب عن طوق أغلاله مستفيدة من دروسه ومتسلحة بأدوات عصرية وغير مستهلكة ، وهذا لن يتأتّى بالصندوق والانتخابات فقط فهذه عملية إجرائية محضة
بل بعملية سياسية مهمة تشكل خلاصة وعي عام وعصف ذهني جمعي نخبوي / شعبي يفضي إلى عقد اجتماعي يتناسب وخصوصيات الأوطان والشعوب العربية التي تتفاعل مع بعضها على نحو غير مسبوق وتؤسس لحالة جامعة بديلة أو موازية بل ونافية لحالة (جامعة الدول العربية) ، والتي سبقت مرسي في قراره الانتحاري بقطع العلاقات مع دمشق وباعت مقعدها في الجامعة -وهي عضو مؤسس- لجماعات مسلحة إرهابية فضلاً عن سلسلة الانتكاسات التي تمت بغطاء هذه الجامعة غير المانعة عبر تاريخها سيء الصيت .

سيبقى (التغيير) حلماً عربياً مشروعاً ، لكن (التنوير) أداته الأكثر مشروعية وهداية .. وعلى الشباب أن يؤمنوا بأنفسهم أكثر فـ ( الحياة في الحقيقة ، سخيّة مع من يعيش أسطورته الشخصية ) بحسب تعبير باولو كويلو في روايته ( الخيميائي ) حيث يجد بطلها كنزه في (مصر) عندما آمن (بالأحلام التي تتكرر) دون كوابيس الداخل أو فزاعات الخارج ، تلك الأحلام التي جعلت كويلو يختم : ( ولكن الريح عادت تهب من جديد ، إنها الريح الشرقية ، تلك التي تأتي من إفريقيا ، ولكنها لا تحمل معها رائحة الصحراء ولا التهديد بالغزو ) !!! .

صفوة القول :
ستبقى مصر وسورية تاريخ مشترك ، ومصير واحد ، على أنهما ليستا كتلة واحدة بالحيثية الأخوانجية المرفوضة بقوة التاريخ والجغرافيا ، والممنوعة بقوة الحقيقة الوجودية الدمشقية - القاهرية التي يصعب شطبها أو تزييفها ..