السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:٣٨ مساءً

حسن البناء صوفي خذله اصحابه (2-2)

عارف الدوش
الأحد ، ٢٨ يوليو ٢٠١٣ الساعة ٠٥:٤٠ مساءً
تركت مرحلة التصوف آثارها في نفس البنا وأثرت في دعوته ولهذا سمى أذكار الصباح والمساء بـ “الوظيفة” وكذلك في نظام “الكتيبة” نجد فيه الصلاة والصيام والقيام والتقشف في المأكل والنوم وكذلك دروس التكوين الروحي السير مع الذكر عدة كيلومترات أو صعود الجبال في الليالي القمرية للجمع ما بين مشقة التدريب البدني وسنة التفكر والتدبر في خلق الله وجاءت “الكتيبة” في بعض تجلياتها تطويراً “للحضرة الصوفية “ ونجده يذكر في خصائص دعوة الإخوان: أنها “حقيقة صوفية” والبنا في ذلك يقصد بالصوفية ما كان يسمى: “علوم التربية والسلوك” وهي التي ترسم للمريد طريقًا خاصًّا من مراحل الذكر والعبادة ومعرفة الله ونهايته تكون إلى مرضاة الله وهذا الذي قصده البنا من أن دعوته حقيقة صوفية.

واستدعى حسن البنا خبرة الطرق الصوفية ووظفها في التكوين العملي والتربوي لجماعته، حيث اهتم بالاحتفال بالمولد النبي وسائر المناسبات الصوفية ويروي الشيخ محمود عبد الحليم أحد أعضاء الهيئة التأسيسية للإخوان شيئا قريبا من هذا فيقول في كتابه: «الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ»: «كنا نذهب جميعا كل ليلة إلى مسجد السيدة زينب فنؤدي صلاة العشاء ثم نخرج من المسجد ونصطف صفوفًا يتقدمنا الأستاذ المرشد حسن البنا ينشد نشيدًا من أناشيد المولد النبوي ونحن نردده من بعده بصوت جهوري جماعي يلفت النظر».

وأدخل البنا مبكراً في الجانب الثقافي في حركته عيون كتب التصوف مثل: «شرح حكم ابن عطاء الله السكندري» و«رسالة المسترشدين» للحارث المحاسبي و”المواهب اللدنية” للقسطلاني و«الأنوار المحمدية» للنبهاني و«الرسالة القشيرية” و«إحياء علوم الدين»للإمام أبي حامد الغزالي و«مختصر منهاج القاصدين» لابن قدامة المقدسي ووضع رسائل بالمأثورات والأوراد “الوظيفة الكبرى والوظيفة الصغرى” كما كانت له رسالة صوفية “مناجاة” لم يقدر لها الانتشار ولكنها تكشف عن متصوف كبير له في علوم التصوف ومسالكه قدم راسخة.

ولم يكتف حسن البنا بذلك بل اقتبس لقب “المرشد” وهو اللقب الذي اختاره لنفسه وهو ينتمي للفضاء الصوفي بامتياز والذي عرف ما يسمى بـ”المرشد الكامل” على نحو ما يؤكد الأستاذ سعيد حوّى ولم يختار القاب مثل “الرئيس والمدير والزعيم...إلخ” والبنا الذي بدأ في الطريقة الحصافية محبا ثم أصبح تابعا مبايعا استفاد من هذه التراتبية ،فقسم مراتب العضوية في جماعته على غرار ما وجده في الطرق الصوفية فصارت تبدأ من الأخ المحب فالمتعاطف فالمبتدئ فالمنتسب فالعامل فالمجاهد.

ولقد كان لحسن البنأ رأي في الدنيا ملخصه أنه ليس من حرج علي الإنسان أن يطلب الدنيا ولكن فليحذر المؤمن أن يفتح لها قلبه حتى إذا هزتها الحوادث اهتز معها القلب فإنما القلب كالزجاج وإنما المؤمن يحرص علي قلبه أن يتحطم حين تصيبه أحجار الشيطان وكان يردد على أصحابه وجماعته : اطلب نصيبك من الدنيا فإذا جاءتك فضعها علي يدك فإن قلبك أكبر من أن يشغل بها .. فقلب المؤمن لا يشغل بغير الله. وبغير الباقيات الصالحات.. فإذا هزتك التجارب وسقطت الدنيا نجوت وذهبت هي إلي حال سبيلها دون أن تشدك معها إلي الهاوية.

ومن كلمات البنأ الشائعة .. إن التوفيق الذي تناله الدعوة ليس بجهودنا ولا بجهود الإخوان المعروفين وإنما قد يأتينا هذا التوفيق من دعوة مجهولة من فقير مجهول يسمع بنا في أقصى الريف فيدعو لنا بالخير فيستجاب له وفي الأوقات التي كان يريد فيها المزيد من مدد الله وعونه كان يقبل علىالناس ويفنى في محبتهم وفي قضاء مصالح ذوي الحاجات يستفتح برضاهم أبواب السماء. ولم يكن ذلك إلا سلوك محمدي فقد كان النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم يستفتح بصعاليك المهاجرين - أي يستنصر بدعائهم وصلاتهم- وروى النسائي عن أبي سعيد الخدري أن النبي قال: إنما نصر الله هذه الأمة بضعفائها بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم.

ولم يكن كل ما سبق سوى السلوك الصوفي وتعاليمه ولا عجب أن ردد الإخوان أن المرشد حسن البناء رفض أن يؤلف الكتب لأنه يريد أن يؤلف الرجال ويجعلهم كتباً متحركة مطبقة على أرض الواقع وكان يسير على طريق شيخه أبو الحسن الشاذلي مؤسس الطريقة الشاذلية فهو ألف كتباً وكان يقول:” كتبي أصحابي!” وقد كان له عددٌ كبير من الأصحاب والمريدين والمحبين حافظوا على تراثه الروحي.

برغم أن حسن البنا أسس جماعة «الإخوان المسلمون» عام 1928 كجمعية خيرية على غرار الجمعيات الخيرية ذات التوجه الصوفي لكن ما إن مرت عشر سنوات حتى بدت الغلبة للجانب السياسي وحين حضرت السياسة بشكلها التنافسي المباشر كان ذلك إيذانا بغياب التصوف ببعده الروحي والتربوي وأصبح الحضور السياسي الكثيف وتحوله إلى عمل عسكري يمارسه النظام الخاص بالجماعة سببا في تراجع الحضور الصوفي التربوي داخل الجماعة فتغول الطغيان والاستبداد وتمكنت شهوة السلطة من الأتباع.

ويقول عبد السلام ياسين في كتابة «الإسلام غداً » وإذا كان حسن البنا قد قال في آخر أيام حياته قولته المشهورة: “ لو استقبلت من أمري ما استدبرت لرجعت بالإخوان المسلمين إلى أيام المأثورات” فلأنه علم علم اليقين أن المترفين وطلاب السلطة والثروات لا يتحركون إلا في آخر الركب ويلتمسون مع ذلك الصدارة والرئاسة ويفسدون العمل الصالح وهو ما أدركه «الشيخ حسن البنا » فكان يبدي أسفه بعد أن انتهى مشروعه السياسي بالصدام مع السلطة وحل الجماعة.

ولم يترك القدر للبنا فرصة ليستقبل من أمره ما فات وليعيد الجماعة إلى مهمتها الأساسية ألا وهي: التربية والدعوة فقد اغتيل بعد أسابيع قليلة من قرار حل جماعة الإخوان 12 فبراير 1949م واستفحل الأمر بدخول الجماعة في صراع وجود مع ضباط ثورة يوليو1952م راح ضحيته عشرات الآلاف في السجون والمعتقلات والمنافي لتضع الأزمة بذور العنف ويخرج جزء من تيار المدرسة الإخوانية الوسطية التي تنبذ العنف ولا تجيز حرق المراحل للوصول إلى السلطة وتغول تيار العنف والتكفير الذي وضعت بذرته في السجون والمعتقلات لتثمر بعد خروجها جماعة التكفير والهجرة والجماعات المسلحة التي نراها اليوم منتشرة في أكثر من بلد ومكان.

والتحول الذي حصل لحركة الإخوان على مدار أكثر من نصف قرن نقلها من الإطار الصوفي السلمي الذي يعطي أولوية للجانب التربوي الروحي ونبذ العنف والتركيز على تربية المريدين تربية متوازنة .. نقلها إلى العنف والغلبة وما يفرضه ذلك من صدام مع التيارات والأفكار والممارسات ويركز على السلطة والدولة لتكون وسيلة قهر وإخضاع وظلم وتعيش «جماعة الإخوان» تحولات كبيرة وتشهد نقاشات واسعة حول مستقبلها وخاصة ما يتعلق باستعادة ألق الجانب التربوي الروحي بعد طغيان الجوانب النفعية الآنية والشخصية.