الجمعة ، ٢٦ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٧:٣٧ صباحاً

مفاهيم وأنوار.. الديمقراطية الروحية (1- 2)

عارف الدوش
الجمعة ، ١٩ يوليو ٢٠١٣ الساعة ٠٦:٤٠ مساءً
محمد إقبال" واحد من قادة الفكر والتجديد في العالم الإسلامي الحديث رسم لفلسفته الإصلاحية هدفا هو إخراج الفكر الإسلامي من عالم التخلف والانحطاط والسير به نحو النماء والازدهار في معترك حضاري وصراع ثقافي بين عالم متخلف فكرياً وحضارياً وعالم متقدم علميا وتكنولوجيا بيده حضارة متطورة هي الحضارة الغربية التي بسطت يدها وسلطانها على العالم أجمع بفكرها وثقافتها وأسلوب وغايات الفكر الفلسفي النقدي لدى "محمد إقبال" ترسم استراتيجية الإصلاح والتجديد وفق منهج يجمع بين الإسلام وبين الحضارة الحديثة في سياق يربط بين الفلسفة والدين والعلم وبين التنوع في نظم المعرفة بالاعتماد على تصور دقيق لمدلول الإصلاح وشروطه وحاجات التغيير والعلاقة بين الإنسان والتاريخ والحضارة والوجود والتغيير.



المهم في محاولة "محمد إقبال" الفكرية أنها تستهدف تقديم الإسلام باعتباره رسالة إلى الإنسانية جمعاء وعلى الأخص للمسلم فهي محاولة فلسفة تسعى إلى كشف قيمة الإسلام وقيّمه الذاتية عند الإنسان التجريبي وهو الإنسان الغربي والإنسان المسلم على حد سواء فإذا كان المذهب الوضعي التجريبي مكّن صاحبه من السيطرة على قوى الطبيعة فإنه قد سلبه مصيره وروحانيته وجعله أسير صراع مع نفسه ومع غيره في الحياة الاقتصادية والسياسية الإجتماعية يجد نفسه عاجزا عن الاتصال بأعماق وجوده فهو إن كان عقليا أو تجريبيا أو مادياً ديالكتياً يعيش في اضطراب وتوتر إما مع ذاته أو مع غيره.



والسبب الرئيس في ذلك أن الطابع العقلي للفكر الغربي الحديث عاجز عن إشعال جذوة الإيمان الصادق تلك الجذوة التي لا يستطيع أن يشعلها إلا الدين الذي استطاع دوما أن ينهض بالأفراد ويغير الجماعات ويحوّلها من حالة إلى أخرى و"مثالية أوروبا لم تكن أبدا من العوامل الحيّة المؤثرة في وجودها ولهذا أنتجت ذاتاً ضالّة أخذت تبحث عن نفسها بين ديمقراطيات لا تعرف التسامح وكل همّها استغلال الفقير لصالح الغني ويقول " محمد إقبال " في كتابه: تجديد التفكير الديني في الإسلام. ترجمة عباس محمود دار التأليف والترجمة والنشر مصر 1955، بدون ط، ص 207 " صدقوني أن أوروبا هي أكبر عائق في سبيل الرقي الأخلاقي للإنسان".



ويختلف الفكر الإسلامي عن الفكر الغربي وعن مثالية أوروبا في أن المسلم له آراء وفهوم في الحياة و في الوجود انطلاقا من أعماق هذه الحياة وهذا الوجود وهي فهوم مرتبطة بأعماق النفس والأساس الروحي للحياة لدى المسلمين هو إيمان يمثل مقصد ومبتغى الدين تُستغل الحياة كلها في سبيله ويقوم الإسلام على مبدأ ختم الرسالة الإلهية وعلى مبدأ الاجتهاد في الأحكام وهما مبدآن يجعلان أهل الإسلام أكثر شعوب المعمورة في الديمقراطية الروحية والحرية بعيدا عن الرق الروحي وما ينتج عنه من رق حيواني اجتماعي وسياسي واقتصادي.



ويطلب " محمد إقبال" من المسلم اليوم أن يقدّر موقفه وأن يعيد بناء حياته الاجتماعية على ضوء المبادئ النهائية وأن يستنبط من أهداف الإسلام التي لم تتكشف بعد إلا تكشفا جزئيا تلك الديمقراطية الروحية التي هي منتهى غاية الإسلام ومقصده" تلك الديمقراطية الروحية لا تتكشف للإنسان المعاصر إلا إذا أعاد النظر في ذاته وتفكيره ومحيطه والعالم وأعاد بناء تفكيره وحياته الاجتماعية ضمن استراتيجية تقوم في أساسها على الحياة الروحية وترتبط بالقيم الدينية وتستفيد من التراث الفكري الإنساني والإسلامي، ومن الفكر الغربي الحديث والحضارة الأوروبية المعاصرة.



فالتغيير صار ضرورة ملحة في وضعيته وفي حياته الحاضرة لأن العالم صار في حاجة ماسة إلى تجديد نفسي ووجداني والدين ليس مجرد عقيدة فحسب بل هو الوحيد الذي يقدر على تكوين الإنسان تكوينا خلقيا وسيكولوجيا يؤهله لتحمل المسؤولية الكبرى ويمكنه من بلوغ السمو إلى مستوى جديد في فهم الكون والتحرر وامتلاك مبادئ وأسس علمية تسمح بالتحضر وتوجيه تطور المجتمع البشري.

وفي هذا يقول "محمد إقبال": " إن السمو إلى مستوى جديد في فهم الإنسان لأصله ولمستقبله من أين جاء وإلى أين المصير هو وحده الذي يكفل له آخر الأمر الفوز على مجتمع يحركه تنافس وحشي وعلى حضارة فقدت وحدتها الروحية بما انطوت عليه من صراع بين القيّم الدينية والسياسية والدين كما بيّنت من قبل من حيث هو سعي المرء سعيا مقصودا للوصول إلى الغاية النهائية للقيم فيمكنه بذلك أن يعيد تفسير قوى شخصيته هو حقيقة لا يمكن إنكارها".