السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٧:٢٤ مساءً

الجنوب بين مناسبتين

اسكندر شاهر
الأحد ، ٢٦ مايو ٢٠١٣ الساعة ١٠:٤٠ صباحاً
قبل أيام مرت علينا ذكرى إعلان الانفصال 1994م يوم 21 مايو ، ومرت بعدها بيوم ذكرى مناقضة لها وهي ذكرى إعلان الوحدة اليمنية 22 مايو 1990م ... الجنوب أحيا ذكرى المناسبة الأولى ليعلن من خلالها موت ذكرى المناسبة الثانية ودفنها تماماً ، فيما يصر الإعلام الرسمي ومن يمثل الاحتلال الشمالي على إحياء الثانية ودفن الأولى ليدفنوا معها جرائمهم التي لا تُنسى ..

أمور تحمل الكثير من المفارقات المذهلة وقد لفتني تصريح مُعبّر عن حجم هذا التناقض وخلفياته التاريخية وهو للرئيس علي ناصر محمد لصحيفة ( صدى عدن ) ، حيث قال ناصر: (إن بعض المصادفات الزمنية تحمل مدلولات لا تخلو من المفارقات ولعل تقدم تاريخ إعلان جمهورية اليمن الديمقراطية بدون (الشعبية) بتاريخ 21 مايو 1994م إبان الحرب بيوم واحد عن تاريخ إعلان الوحدة 22 مايو 1990م يحمل مدلولاً مهماً، وما يمكن أن يستشف من هذه المصادفة أن إعلان الانفصال عودة إلى الوراء ودوماً أي عودة إلى الوراء لا تحسب في خانة الانتصار بل الانكسار ولذلك يلجأ بعضهم إلى (الهروب إلى الأمام) كما يقولون كخيار أفضل من الهروب إلى الوراء). وأشار الرئيس ناصر إلى أن "ما حدث يوم ذلك الإعلان ينتظم في حقيقة الأمر مع ظروف الحرب وقبلها الأزمة السياسية التي نشبت بين طرفي الوحدة التي أعلنت بطريقة ارتجالية وغير مدروسة ولم يجر الاستفتاء عليها ولا على دستور دولة الوحدة ) ..

ورأى ناصر بأن الانفصال بذلك الشكل (أسهم بتغيير معادلة القوة في الحرب لمصلحة الطرف الآخر في صنعاء ، وبالتالي كان الخاسر الأكبر هو شعبنا في الجنوب الذي دفع ثمن هذه الأخطاء التي أوقعته تحت نير معاناة الضم والإلحاق والإقصاء وهمجية تشويه التاريخ الجنوبي وفقدان المنجزات التي كان قد تم تحقيقها في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) ..

وقد لا يتفق بعض الجنوبيين مع الرئيس ناصر في توصيفه لهذا الإعلان إلا أنه من خلال مراجعة يوميات حرب 94م يبدو أقرب تحليل وتوصيف إلى الواقع ، فقد سارع قرار الانفصال في إحداث خلل في المزاج الشعبي العام وأدى إلى هزيمة الجنوب عسكرياً بعد أن شعر شركاء الحرب بأنهم قد يخسرون مصالحهم المشتركة إلى الأبد ودونها الموت ، فتلقفوا الإعلان كهدية دون مقابل ، ووظفوه بخبث وجيّشوا واستخدموا كل الوسائل المشروعة في حالة الحرب وغير المشروعة بمافي ذلك ورقة الدين والتكفير ، ولم يسهم قرار الانفصال بالحد من استخدام هذه الورقة حينما تحدث عن أن دستور الجمهورية اليمنية هو دستور جمهورية اليمن الديمقراطية بل إنه وضع الدولة المطلوب استعادتها في حالة انكشاف في المعادل القانوني الأمر الذي يضعف الإعلان من حيث الشكل ابتداءا ومن حيث المضمون انتهاءا ، وهذه واحدة من المفارقات التي رافقت مشروع الوحدة اليمنية التي لاتزال تصر وسائل الإعلام للمحتلين حتى اللحظة بأنها أنقذت اليمن من التشطير والانقسام وكأنهم يختبئون وراء أصابعهم وهم يرون علم الجنوب الذي امتد قبل أيام ليغطي مساحة شاسعة من العاصمة الجنوبية عدن محفوفاً بمليونية غير مسبوقة تقاطر إليها أبناء الجنوب من مختلف المحافظات بمافي ذلك حضرموت المرشحة هي الأخرى للانفصال عن الجنوب والشمال .

وفي إطار المفارقات أيضاً يوميء الرئيس علي ناصر في ذات التصريح ويقول :(من المفارقات أيضاً أن تمر سنوات طويلة غاب فيها عدد من القيادات عن المشهد السياسي بعد حرب عام 1994م وكأن الزمن كان متوقفاً ، وطبيعة الأشياء تقول أن الزمن لم يتوقف وأن هذه السنوات الطوال حملت معها متغيرات عديدة وقام نظام صنعاء خلالها بتكريس الضم والإلحاق وتسريح الآلاف من المدنيين والعسكريين واتباع سياسة التجويع وماسمي حينها (خليك بالبيت) والإساءة إلى كرامة المواطن الجنوبي وإذلاله ونهب الممتلكات الخاصة والعامة ).....

و لعل الإشارة هنا واضحة إلى الرئيس علي سالم البيض دون تسميته في عملية توصيف لواقع حاله قبل أن يظهر مرة أخرى بعد عقد ونصف من الغياب دون أن يتغير الخطاب وربما الأدوات أيضاً .

وبالرغم من ذلك وفي محاولة ذكية للاستدراك الذي يعقب توصيف واقع الحال يُبدي الرئيس علي ناصر حرصاً كبيراً على أهم مشروع تحقق في نظره طيلة تلك الفترة ويقول :
(ولكن أهم ما حدث طيلة هذه السنوات جنوبياً كان التصالح والتسامح ومن ثم انطلاق الحراك الجنوبي السلمي في عام 2007م الذي كسر حاجز الخوف وتوحد صفا واحدا من المهرة إلى عدن لمواجهة الظلم والضم الذي مارسه النظام وأدواته القمعية وتعرض للقتل والإرهاب والاعتقال والملاحقات ولكن إرادته لم تقهر وعزيمته لم تنكسر بل انتصر وأوصل صوته وقضيته العادلة إلى المحافل الإقليمية والدولية وكسب احترامها إذ أن مستقبل قضية الجنوب سيكون مرهوناً بوحدة الحراك الجنوبي السلمي ورؤيته السياسية ومرجعيته القيادية التوافقية التي نأمل أن تنبثق عن المؤتمر الجنوبي- الجنوبي المزمع عقده في الفترة القريبة القادمة بأذن الله)....

من خلال متابعة تصريحات القادة الجنوبيين إجمالاً لا يمكن إلا الجزم بأن حالة التعدد والانقسام لاتزال حاكمة للموقف ولم يتم حسمها بعد ، وأحسب أن هذا الانقسام لا يختلف كثيراً من حيث النتيجة عن إعلان الانفصال في 21 مايو 94م حيث سيحوله خبثاء الشمال أنفسهم لمصلحتهم ، فلا ينبغي تكرار الأخطاء دون الاستفادة من دروس الماضي ، وهذا أيضاً أشار إليه الرئيس علي ناصر في ختام تصريحه حيث قال :(أنتهز هذه المناسبة ... لأكرر الدعوة إلى قيادات الجنوب بأن تبتعد عن تكرار الأخطاء وان نستفيد من دروس وعبر الماضي وأن يجري تغليب المصلحة العليا لوطننا وشعبنا على المصالح الضيقة وأن نسارع الخطى لنلتقي جميعاً على كلمة سواء نرفع من خلالها المعاناة عن كاهل شعبنا الذي لايزال يعول على قياداته وسيأتي يوم يتجاوز الجميع وسيأخذ بزمام المبادرة بعيداً عن هذا القائد أو ذاك الزعيم كما فعلها حينما خرج سلمياً في غياب ما يسمى القيادات التاريخية لاستعاده حقه المشروع في 7/7/2007م).


إيـــماءة
قبل أيام أيضاً تم صلب خمسة يمانيين في (جيزان!) وتم تصوير المشهد بصورة مرعبة لم تخطر ببال بشر ، ومن المصادفات التي لا تخلو من دلالة أنه في نفس اليوم الذي قرأت فيه هذا الخبر تابعت تصريحات للرئيس هادي بثتها قناة اليمن الرسمية ، وفيها لا ينسى أن يشكر جلالة الملك السعودي على توقيع المبادرة الخليجية وعلى ما تقدمه المملكة للجمهورية اليمنية في الجانب المادي والمعنوي سياسيا واقتصاديا وأمنياً ..!!!

كنا نتحدث عن اليماني المغلوب على أمره وهاهو مصلوب على (أرضه) أيضاً ..!! .