الخميس ، ١٨ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٦:٢٠ مساءً

بكارة اليمن وأطماع السعودية

يحيى مقبل
الثلاثاء ، ٢٣ ابريل ٢٠١٣ الساعة ٠٩:٤٠ مساءً
ليس قدرا محتوما على اليمن التموضع كفريسة منهوشة ممزقة الاوصال فاقدة القرار والسيادة ، وليس خيارا يمنيا هذا الوضع المزرى ، فلا احد يرضى بالهوان لنفسه. فالسعودية فرضت على اليمن حكومة وشعبا خيارا مرا بتحويلها التنوعات المناطقية والقبلية والسياسية والمذهبية _والتي كانت على مدى الازمان عامل ثراء وتنوع اسهم في بناء الحضارة اليمنية وخلق مجتمع يمني متنوع ومتماسك في آن_ الى متضادات سلبية لا تريد لغيرها البقاء .

أحالت المملكة السعودية الاجتماع اليمني المنسجم والمتناغم بكل تنوعاته الى اجتماع متشظ ومجزأ بعد ان رفدته بتناقضاته الصارخة موظفة ما تملك من وفرة في المال ولا ينقصها الارذال والعبيد من بائعي الاوطان بفتات قليل من المال لتشعل نيران الفتن والحروب ولتوجد محيطا ضعيفا مفككا لا يقوى على الوقوف . فوجود يمن ديمقراطي قوي بحكم مركزي متماسك ليس في صالح ملكية مدِينة لليمن بمظالم تاريخية جسيمة .

تمكن ال سعود من اقتطاع اجزاء واسعة تنتمي تاريخيا الى الجغرافيا اليمنية وتغيير هويتها الوطنية وامتدادها القبلي في القرن الماضي عبر حروب خاضها امراء ال سعود مع ملوك اليمن من ال حميد الدين واسرة الادريسي ونظرا للهزيمة التي مني بها ائمة اليمن فقد اقتطعت السعودية نجران وعسير وجيزان من اراض اليمن التاريخية، ومن ثم التوقيع على اتفاقية الطائف غير المستقرة والتي كانت تجدد كل عقدين من الزمن بين الامام يحيى والملك عبد العزيز والتي لم تلتزم السعودية بها ،كما انها توسعت مئات الكيلومترات في الجنوب اليمني مستغلة ثغرة ان اتفاقية الطائف لا تشمل تلك الاراضي مع ان الامام كان يشدد على وحدة التراب اليمني رغم الاستعمار البريطاني لها، ولم تلتزم باتفاقية جدة ،ولا بملحقاتها بل توسعت وجيشت وها هي تسيج ليس على الشريط الحدودي بل في اعماق الاراض اليمنية في الكثير من الاماكن في تحد صريح وانتهاك سافر للاتفاقيات وملحقاتها، وليتها اكتفت بكل تلك الانتهاكات بل تزامن ذلك الشذوذ السافر مع العمل المكثف على سلب الهوية اليمنية واضعاف الشعور الوطني و نشر المذهب السلفي الوهابي صنيع ال سعود في اليمن حيث يترسخ نقيضيه الشافعي والزيدي المتأثر كثيرا بالمعتزلة اكثر الفرق الاسلامية عقلانية ، فأوجدوا دعاه سلفيين ووفروا لهم التمويل والدعم وتمكنوا من ايجاد انصار واتباع للسلفية بين القبائل حيث استمالوا مشايخ وشخصيات اجتماعية بما فرضوا لهم من اعطيات ، ليتمكنوا من تغليب العقلية السلفية البدوية التكفيرية المنغلقة على ذاتها على العقلية الاجتهادية الوسطية المنفتحة على الاخر المختلف وليرسخوا الطائفية كثقافة وسلوك وفكر على انقاض التاريخ الطويل من التسامح والتعايش بين الشافعية والزيدية وليفرضوا حالة البداوة الاعرابية اللا تاريخية على حضارة وتاريخ وامجاد اليمن .

كان ال سعود قد اوصلوا بجهد دؤوب متواصل ومال وفير الهوية اليمنية الى الحافة حيث كان الكثير من ابناء القبائل اليمنية المجاورة يُمنحون تابعيات تمهيدا لتجنيسهم وقضم اراضيهم وكانت المناطق المحاذية يراودها حلم وهاجس الانضمام للسعودية وحصل البعض على تابعية سعودية والبعض جنس ووظف في حرس الحدود. وكانت بعض القرى ترفض التجاوب مع المسوحات اليمنية.

الشعور الوطني الذي اضعفته عوامل عدة الى جانب استراتيجية المملكة كالفقر المدقع الذي يعيشه المواطن اليمني نتيجة لسوء ادارة البلد واستحواذ قلة حاكمة على خيرات البلد، ما جعله يكره الانتماء لوطن لا يشبع جوع صغاره ويتمنى الارتماء في احضان وطن آخر.

لم يكن بحسبان ال سعود ان الشعور بالاستلاب المكبوت يتحول مع الزمن الى مارد في طريقه للخروج من قمقمه ليضع حدا للأطماع السعودية الافتراسية ،صحيح ان الاعتزاز بالوطن ووضع حد للتدخلات لن يكتمل في ظل غياب الدولة اليمنية الديمقراطية القوية والقادرة ، ولكن تجليات هذا الوعي الوطني تظهر جليا في الكثير من التيارات والقوى الناشئة المختلفة المشارب والاتجاهات ،الاسلامية واليسارية ،والممتدة في طول وعرض اليمن وما الحوثية الرابضة على طول الشريط الحدودي في الشمال الا احدى تجليات هذا الوعي الوطني الذي زعزع في وقت وجيز الكثير مما صنعه ال سعود عبر عشرات السنين ويضع ما تبقى منه في مهب الريح ، ولهذا لا نستغرب سعار المملكة وتخبطها العشوائي واجراءاتها الانتقامية من العمالة اليمنية ، حين ترى اموالها الطائلة التي انفقتها على المشايخ والعسكريين سنين عديدة تذهب هباء بعدما تمدد الحوثيون على الشريط الحدودي وتنامى الشعور الوطني .

كان توسع السعودية على الاراضي اليمنية يمر خلسة دون علم احد لكن اليوم يواجه التوسع برفض شعبي وموجة اعلامية رافضة تشعر كل مواطن يمني بأطماع الجارة ، و يعزز الشعور بخطر المملكة وتحيل الامنيات والاحلام التي كانت تراود ابناء المديريات الملاصقة للسعودية في الانتماء اليها الى شعور ورغبة جامحة في استرداد الاراضي اليمنية التاريخية المستلبة.

السعودية تعلم جيدا ما تحويه اليمن من ثروات لاسيما في المحافظات الشمالية المجاورة فالشمال ارض بكر مكدسة بالثروات النفطية والمعدنية وان مخزون هائل من النفط قابع في المناطق المحاذية للسعودية فالكثير من المصادر تشير الى تراكم كثيف للنفط والغاز في كل من الجوف ومأرب وشبوة اضافة الى توفر المعادن الثمينة فتشير بعض المصادر الى (ان تمعدنات الذهب في المناطق الشمالية الغربية (صعده وحجه) تتواجد ضمن حزام نبيطة الممتد من وسط المملكة العربية السعودية مروراً بالمناطق الشمالية الغربية من اليمن وحتى الشمال الشرقي من أثيوبيا.

كما توجد تمعدنات الذهب في الصخور البركانية والرسوبية المتحولة في الكثير من المناطق القريبة مثل الحارقة، عاهم، كشر، حرض، بعلان، الحريرة وشرس في محافظة حجه، ومناطق الفيض، وادي مروان، وادي العرض في محافظة صعده، بالإضافة إلى مناطق صبرين، اللوذ ووادي الكحيل في محافظة الجوف، ونجد الملاجي في محافظة شبوه .

كما ان تمعدنات الحديد تتواجد بكثافة في صعدة ومأرب.

كما تم تحديد مؤشرات لليورانيوم والثوريوم في الكونجلوميرات الحديدية ضمن حجر رملي وجيد في مناطق وادي مروان، وادي نشور، ووادي عكوان بمحافظة صعده، حيث تراوحت القياسات الإشعاعية بين 100 cps إلى1,600 cps في الكونجلوميرات، وتراوحت نسبة اليورانيوم فيها بين 0.076-0.1%،

تتواجد تمعدنات القصدير والتنجستن في اليمن في صخور الجرانيت اللاحقة للحركات التكتونية ضمن صخور الأساس (ما قبل الكامبري) في جبل قهلله بمحافظة صعده، حيث تتراوح نسبة التنجستن من400 إلى 1035 جم/طن، مع 690 ppm قصدير، وكذلك 1100 ppm نوبيوم، و 600 ppm تنتليوم. )

ومن البديهي مع كل ذلك ان سعت السعودية لإقناع السلطات اليمنية بعدم جدوى التنقيب في المناطق المحاذية كل تلك المدة لما لذلك من اثر سلبي على مخزونها ولما لذلك من مردود اقتصادي ايجابي على اليمن يساعدها في الخلاص الابدي من الوصاية السعودية وبالتالي تجاوز دولة الاستبداد القائمة على العصبية القبلية الى دولة القانون والسيادة المستندة الى الشرعية الشعبية.