الرئيسية / كتابات وآراء / الحرية التي دمرت حكم الرئيس صالح

الحرية التي دمرت حكم الرئيس صالح

د . عبد الملك الضرعي
الخميس , 15 سبتمبر 2011 الساعة 08:27 صباحا
الحرية بمفهوم الشعوب تعني تمكين الفرد من الدفاع عن حقوقه الإنسانية المشروعة مثل المواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية والمساواة أمام النظام والقانون وغيرها من الحقوق الإنسانية التي كفلتها الشرائع السماوية والقوانيين الأرضية ، ولكن ماحدث خلال عقود في عالمنا العربي أن حرية المواطن العربي أصبحت رهن تقدير أجهزة مخابرات وأمن الحكام ، فهم وحدهم من يحددون ماهيتها وحدودها.

وللحرية في وطننا الحبيب الجمهورية اليمنية بعداً آخر تمثل بإطلاق حرية النافذين والفاسدين في نهب المال العام والخاص وإنتهاك النظام والقانون، فإن كنت ماراً بين المناطق الساحلية من المهرة شرقاً حتى الحديدة غرباً على سبيل المثال سترى مئات الكيلومترات المربعة أصبحت ملكاً لنافذين إن سُئل أحدهم من أين لك هذا ، أجابك هذه ملكي ، وإن سئلته من ملكك إياها رد عليك حصلت عليها بتوجيهات عليا ، إن قلت له ولكن هذا حق عام ولايجوز تمليكه ، رد عليك أنا حر في أن ابْسُطْ في أي مكان أريد ، ووفق هذه القاعدة من الحرية تم السطو على مساحات واسعة من المناطق الساحلية على وجه الخصوص فاعطى من لايملك لمن لايستحق ، وكانت تلك هي الحرية التي وضعت أول طعنة في خاصرة الوحدة اليمنية ، ومثلها نهب أحرار السلطة مساحات واسعة في سهل تهامة ، وهم في كل تلك التصرفات لاتقيدهم قوانين ولا أنظمة بل الحرية بمفهوم السلطة هي مرجعيتهم ، وعلى الرغم من تشكيل عدد من اللجان لمعالجة ذلك الموضوع أهمها لجنة باصرة هلال ، إلاَّ حرية هؤلاء وطغيانهم كان فوق قدرة السلطة على محاسبتهم كيف لا وهم عمود السلطة ويدها الضاربة ، ومن الأمثلة الأخرى قد ترى إنتهاكاً للقوانيين النافذة في العديد من مؤسسات الدولة ، فإذا جئت لمسئول ما وقلت له ذلك مخالف للمواد كذا وكذا من قانون كذا ، رد عليك هذه توجيهات عليا لتمرير الموضوع ، إن سئلته وما شأن القانون الذي لم يجف حبره بعد يرد عليك أنا حر إذهب اشتكي ، ومن النماذج الأخرى تجد مسئولاً تنفيذيا في جهة ما إذا صرفت له وسيلة مواصلات ولوازم أخرى للوظيفة التي يشغلها ،إن تم نقله أو تقاعده أو عزل ، يصر على نهب كل ما سلم له وربما أصول أخرى للجهة التي عين فيها فإن سئلته لماذا لم تعيد العهدة التي هي أصلاً مرتبطة بالوظيفة وليس بالأشخاص ، رد عليك أنا حر ، وبتلك الحرية قد ترى لدى بعضهم عدة سيارات وعهد بملايين الريالات لايتم تصفيتها ، تحت بند حرية السلب والنهب ، وفي المحاكم وأقسام الشرطة اشكال أخرى من الحرية فإن شاءت الأقدار بدخول مواطن إلى قسم شرطة نتيجة خلاف بسيط سيصبح من السهل لمدير القسم أن يبقيه لأشهر دون أي مسوغ قانوني ودون الإحالة إلى النيابة كما يوضح ذلك القانون ، فإن اعترضت على ذلك سيكون رد مدير القسم أنا حر إدفع لتخرج أو تجرع ذل السجن ومهانته ، ومن ذلك قد يرتكب مديراً في مؤسسة تعليمية أو صحية مخالفات بلا حدود فإن اعترضت قال لك أنا حر وبتلك الحرية دمرت مؤسساتنا التعليمية والصحية ، هناك نماذج مختلفة لايمكن أن حصرها في هذا الموضوع ، ولكن للقارئ الكريم القياس على ما سبق فدون شك أن كل منا قد واجه قضية أو موقف وجد نفسه فيه مكرها على قبول الأمر الواقع نتيجة الحرية المطلقة لمسئولي السلطة في إختراق القوانيين والرشوة ونهب المال العام والخاص .

إن الحرية المطلقة للفاسدين جعلت من الوظيفة العامة تباع بالمزاد العلني وأصبحت المفاضلة بين المتقدمين لهذه الوظائف تحدد نتائجها درجة الفساد والمحسوبية ، مما أدى لشيوع ظاهرة البطالة بين المتفوقين ، وشعل فرص العمل من قبل الفاشلين(باستثاء المفاضلة التي أجريت بعد ثورة الشباب..والتي كانت معقولة بسبب خوف الفاسدين من حركة التغيير)، كما أن الحرية المطلقة جعلت من مدير المدرسة مالكاً لها ، يبيع الشهائد ويتقاسم الرواتب مع المنقطعين ويبتز الطلاب وو...الخ ، ولايستطيع أولياء الأمور فعل شيء ، لأنهم إن ذهبوا للشكوى لدى الجهات الإدارية العليا كانت آذان مدرائها صماء ، لماذا لأن حرية الفساد المطلقة جعلت من مدير المدرسة جزء من دائرة الفساد الكبرى (فما جمع من صغارهم وصل إلى كبارهم) ومن ثم يصبح مدير المدرسة حرٌ فيما يفعل ، والحال كذلك في مختلف إدارات الدولة المدنية والعسكرية ، فالكل يقول لك أنا حر ، تلك الحرية كان فعلها كفعل الفأرالذي قيل عنه دمر سد مأرب.

أخيراً أن المتابع لتطورات الأوضاع في الجمهورية اليمنية وخاصة خلال السنوات التي أعقبت حرب صيف 1994م ، ثم حرب صعدة ، يعلم وبما لايدع مجالاً للشك أن السلطة دخلت في مرحلة من الضعف والخضوع لقوى النفوذ ، مما أدى لأطلاق حرية تلك القوى لنهب المال العام والخاص واستباحة النظام والقانون ، تلك الحرية المطلقة مثلت بداية النهاية لحكم الرئيس صالح وخاصة بعد إتساع قاعدة إصدار التوجيهات المخالفة للقانون من قبل عائلة الرئيس وشبكة أخرى من المنتفذين القريبين من مركز السلطة ، ومن ثم كل فرد من هؤلاء مثل إضافة تدميرية لمقومات حكم الرئيس صالح ، حتى أصبح الفساد قضية محورية يشكو منها الرئيس صالح قبل غيره !!! مع أنه هو من منح الحرية والحصانة للفاسدين ، وما تجميد مئات الملفات لرموز الفساد في الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة ، إلاّ صورة مبسطة للحرية التي منحت لقوى الفساد حتى أصبحت وباءً إستشرى في مختلف مفاصل الإدارة الحكومية.