الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١٢:٤٩ مساءً

الويل القادم .. هكذا تكلم نصر الله !

اسكندر شاهر
الأحد ، ١٧ مارس ٢٠١٣ الساعة ١١:١٢ مساءً

في آخر خطاب للأمين العام لحزب الله اللبناني السيد حسن نصر الله نلمس تنبيهات يمكن وصفها بأنها ( الصرخة الأخيرة ) لوقف التدافع الذي يحدث في المنطقة العربية نحو خارطة للعنف المتمترس بإحياء الصراع الطائفي والمذهبي والأيدلوجي عموماً بطريقة تغرد خارج سرب المصلحة العليا للأقطار العربية ابتداءا والمصلحة العليا للأمة العربية والإسلامية انتهاءا .. أشار نصر الله في خطابه إلى خطورة هذا التدافع ونبـّه بأكثر من نبرة وبأكثر من توصيف وتوضيح إلى أن أحداً لن يسلم من الخطر فيما لو استمر الدفع بالواقع إليه في محاكاة لسيناريوهات خارجية تجد اليوم طريقاً مرصوفاً عبر ما يسمى ثورات الربيع العربي الذي أشرت شخصياً في مقال مبكر وفي بداياته أنه ( ليس ربيعا ولا عربياً ولكن شبه لهم ) ، وتبين تباعاً بأنه خريف يتبعه شتاء ، وأنه لا يحمل زهوراً بقدر ما يحمل متفجرات كما لا يحمل تغييرا بقدر ما يحمل مزايدات ومناقصات للحروب والتخريب وإعادة البناء وفق شرق أوسط جديد سبق أن أفشله انتصار المقاومة على الكيان الصهيوني في حربه التي شنها على لبنان 2006م بعد أن كان ذلك الشرق المفصل أمريكياً ينتظر الإقلاع والتحليق وتخليق الخارطة العربية عبر الفوضى الخلاقة إلى أن أتت الفرصة الجديدة مع هذه الفورات منذ عامين ليتحول إلى مشروع شرق أوسط جديد عبر الحرب الناعمة أو التقسيم الناعم ، هذه الحرب أطرافها مكونات عربية ويقتصر الدور الخارجي على تمويل الحرب بالسلاح المدفوع ثمنه خليجياً وتوجيهها بما يحفظ مصلحة إسرائيل ، وبالمحصلة نصبح أمام خيارين أحلاهما مر ، إما أن نترك هذا المشروع ( الغراب ) يمُر ليدلنا إلى (الخراب) ، وإما أن نقاومه بالصحوة ونصده بالتوحد وتفويت الفرصة على المراهنين عليه خارجياً ومع الأسف بأدوات محلية باعت ضميرها للشيطان الأكبر الذي تعتقد أنه سيضمن لها أن تبقى في سدة الحكم وأن تتاح لهم الفرصة وخاصة ( الأخوان المسلمين ) لفرض سياسة (التمكين) التي تنتهجها الجماعة على غير هدى معتقدة أنها بهذه السياسة سوف تبلغ نهاية التاريخ ليس على الطريقة الفوكايامية بل على الطريقة الأخوانجية .
لانزال نتذكر التصريح الذي أدلى به الرئيس المصري محمد مرسي في زيارة له للرياض بعد توليه السلطة والذي تحدث فيه عن الإسلام السني حيث قال بأن السعودية حاضنة وراعية الإسلام السني ومصر حامية له ، وكان ذلك التصريح مؤشراً واضحاً لتأصيل النزعة الطائفية والمذهبية إلى جانب سياسة التمكين التي شرع بها الأخوان وحققوا من خلالها إخفاقات تترى ..
من هنا نستشعر أهمية تنبيهات السيد حسن نصر الله الأخيرة والتي لها مايفسرها موضوعياً في اللحظة الراهنة كما أن لها خلفيات سابقة سأشير إليها لاحقاً .
هذا كله على هامش المؤامرة الكبرى التي تتخذ من دمشق ملعباً لها ، وهي دمشق التي ما إن تسقط حجرة فيها إلا ووجدت من يتأوه بسببها في لبنان والعالم العربي ، بل إن الظلال القاتمة تعبر القارات كلها وهو مايفسر هذه الحرب الباردة الجديدة دولياً والتي لن تنقضي إلا بتوافق خارجي ومقاومة وطنية ..
في العام 2007م ، أطلق السيد حسن نصر الله خطاباً مواكباً للأحداث في تلك الأيام وكعادته تكلم عن الشأن الداخلي اللبناني وعرج على الشأنين الإقليمي والدولي ودوماً سورية الجارة الكبرى للبنان والقلعة الصامدة والداعمة للمقاومة حاضرة بقوة ، كان الحدث الأبرز آنذاك هو الحرب في مخيم نهر البارد حيث كان محور صراع بين الجيش اللبناني وجماعة فتح الإسلام المتطرفة ، وفي سياق تلك الاحداث كتبت مقالاً نشر في صحيفة الوسط اليمنية بتاريخ 13 يونيو 2007م أشرت فيه إلى خطورة الحدث وخلفياته وتبعاته وذكرت في المقال بأن : (من جملة ماترمي إليه هذه الحركات المتطرفة هو إشاعة الفوضى من خلال محاولة انتهاك الخطوط الحمراء في لبنان تلك التي يذكرها اللبنانيون ، والتي حددها السيد حسن نصر الله :الحرب الأهلية ، الجيش البناني ، المقاومة اللبنانية ، الوحدة الوطنية ) ، وفي المقال ذاته استحضرت ماكشفه الكاتب الأمريكي سيمور هيرش قبل اندلاع أحداث نهر البارد بعدة أشهر ، حينما كان هيرش يتحدث عن سياسة ( إعادة التوجيه) التي اعتمدتها الإدارة الأمريكية جراء تدهور الوضع في العراق . يقول هيرش : "قررت إدارة بوش إعادة ترتيب أولوياتها في الشرق الأوسط ، ففي لبنان تعاونت الإدارة مع الحكومة السعودية ، وهي سنية ، في عمليات سرية تهدف إلى إضعاف حزب الله المنظمة المدعومة من إيران (...) وكانت إحدى النتائج الجانبية لتلك النشاطات دعم المجموعات السنية المتطرفة التي تعتنق رؤية عسكرية للإسلام" ، ويتابع سيمور هيرش على لسان الباحث الستير كروك : " إن إحدى المجموعات السنية المتطرفة ( فتح الإسلام ) قد انشقت عن مجموعتها الأم الموالية لسورية ( فتح الانتفاضة ) في مخيم نهر البارد في شمال لبنان " وأضاف " تم إعطاؤهم الأسلحة والمال من قبل أشخاص عرفوا عن أنفسهم بأنهم ممثلون عن مصالح الحكومة اللبنانية – ربما للإجهاز على حزب الله- أكبر هذه المجموعات ( عصبة الأنصار ) تتمركز في مخيم عين الحلوة ، وقد تلقت الأسلحة والعتاد من أجهزة أمنية ذاخلية ومليشيات مرتبطة بحكومة السنيورة " .
من جانبي لم أؤكد هذه المعلومات كما لم أستبعدها في مقالي القديم وذكرت تحديداً أنه : " من غير المستبعد أن تقوم الإدارة الامريكية وصديقتها السعودية من خلال مهندسها الدبلوماسي بندر بن سلطان بخلق أوراق ضغط من أي نوع " ، وأضفت في ذات المقال " ولكنه إذا ماصحت معلومات هيرش فإن الإدارة الامريكية والسعودية ومعهما الحكومة اللبنانية قد وضعوا لبنان والمنطقة في فوهة بركان باعتمادهم هذه الجماعات التكفيرية وإقحامهم إياها في ساحة الصراع ، وأما وقد صبغ بصبغة دينية طائفية وأصولية من خلال جماعات لا تتورع عن القتل والتدمير فهذا الصراع سرعان ما يتحول إلى اقتتال يصعب إيقافه وينذر بكارثة خطيرة " ...
كان ذلك في العام 2007م ، وأما اليوم وخلال أحداث العامين الماضيين 2011 – 2013م تحضر تلك البؤر مجدداً وضمن السيناريو الجديد واختلاف طفيف في المسميات من ( عصبة الأنصار ) إلى ( جبهة النصرة ) .. ويبقى الخطاب التحذيري أو الصرخة الأخيرة كما أقرأه للسيد حسن نصر الله إزاء تلك الأحداث 2007م عالقاً في الذاكرة على أن خطابه الجديد وتنبيهاته الأخيرة ، ووفق التطورات الحديثة في سورية وانسحاباتها على لبنان التي يُراد لها أن تأخذ طابع الفتنة السنية – الشيعية وعلى المنطقة والعالم يأخذ أبعاداً أكثر خطورة ، إنها خلاصة الحاجة للصحوة والتنوير التي لم تلق آذاناً صاغية ، والتي يعول عليها حماية الشعوب وتحصينها فكرياً من الويل القادم بالثورة الثقافية ، لا بالتكفيريين التي تجلبهم الرياض أو الصحوات التي تديرها واشنطن .
إيماءة
اليمن ليست بعيدة عن كل ماسبق بل إنها في أحداث نهر البارد كما في أحداث العراق وسورية وغيرها حاضرة بقوة ، فأبناء بلادنا المغرر بهم هم أكثر السواح في بؤر التوتر حول العالم بالجهل والفقر والتبعية ، ولدينا نخب سياسية ودينية وقبلية شاركت في إجهاض الثورة الشبابية الشعبية اليمنية ورفعت أعلام الجماعات المسلحة الإرهابية السوداء في سورية في ساحات التغيير والحرية اليمنية البيضاء ، ولا يجدون من يردهم !