الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٥:١٠ صباحاً

الامن الفكري

توفيق الكهالي
السبت ، ١٦ فبراير ٢٠١٣ الساعة ١١:٤٠ صباحاً
وهو أمن العقول والمفاهيم والأفكار ، وبه تسود ثقافة الأمم ، ويبرز علماؤها ومفكريها متى ما كان ذلك الأمن أمناً قوياً لا مساومة عليه أو مزايدة ، وعليه مدار تجاه الأمم وفلاحها من التخبط و العشوائية ، والأمن الفكري يضمن أيضاً رقي أفراد الأمة وتطورهم تطوراً علمياً نيراً نافعاً ، والأمن الفكري هو الذي يميز الأمة عن الأمم الأخرى بفكر أبناءها ، وثقافتهم ، واهتماماتهم العلمية ، لذا كان على كل أمة أن تؤسس هذا الأمن بين أفرادها ، مختلف المستويات ، والأصعدة وعلى آية حالة حال فالأمن الفكري يعتبر لب الأمن وأساسه لأن الأمم والحضارات تقاس بعقول أبناءها وبأفكارهم لا بأجسادهم ، فالعبرة بالقلوب لا بالقوالب وبالأرواح لا بالأشباح فإذا أطمأن الناس على ما عندهم من مبادئ وأصول وأسس واضحة ، وأَمِنوا على قيمهم ، وأفكارهم ومثلهم فقد تحقق لهم الأمن على مختلف أنواعه ومثله ومعانيه ، وبالمقابل إذا تأثرت تلك العقول والأرواح والقلوب بأفكار دخيلة فاسدة ، وتلوثت بثقافات مستوردة ، واختلطت مفاهيمها بمفاهيم خاطئة ، فإن ذلك يبدأ بدخول الخوف إليهم ومحاصرته لهم ، وتأثيره عليهم .

ولمعرفة كيفية تحقيق هذا الأمن فإنه يجدر ربنا أن نعرف أهمية هذا النوع من أنواع الأمن ومن ذلك :-

1.أن الأمن الفكري كما أسلفنا لب الأمن عموماً وأساسه وركيزته .

2.أن الأمن الفكري يعد أهم أنواع الأمن عموماً .

3.أن مناقشة مثل هذا النوع يأتي في وقت كثرت فيه التحديات والحملات والانحرافات الفكرية

4.أن في تحقيق الأمن الفكري تحقيق لوحدة الأمة وتوحيدها في المنهج والمبدأ و الغاية .

5.إن في وجود الخلل في الأمن الفكري خلل في الأمن عموماً.

6.إن الفكر لهذه الأمة مستمد من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وهما مضمن الشريعة

7.أن في تحقيق الأمن الفكري حماية لأهم من فئات الأمن وهي فئة الشباب .

8.أن الأمن الفكري بحيث في كيفية التصدي للجرائم على مختلف أنواعها ، وفيه أيضاً صيانة للفضيلة والعفة .

وإليكم وسائل تحقيق هذا الأمن .

أولاً : - تطبيق شرائع الإسلام تطبيقاً صحيحاً مبنى على الفهم الصحيح للأدلة ، ونجد ومع الأسف من ينتمي لهذا الدين ولكنه غير مبالٍ بشرائعه وسننه ، عابث بأوامره ونواهيه ، مدعياً علمه بها وهو في حقيقة الأمر من الجاهلين به ، وذلك يؤثر في تلبيس الأمور مع صاحبها ، وتلبية بجهله وغشه على الآخرين وهذا يهدد الأمن بهذه التصرفات المشينة .

ثانياً :- تعلم العلم النافع والحرص على تعلمه، والجد والاجتهاد وفي القلب لما في ذلك من الأجر العظيم والذي جاء به رب السموات والأرض في كتابه الكريم حين قال :- {... يَرْفعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ واللهُ بمَا تَعْمَلُونَ خَبيرٌ } المجادلة 11

" من سلك طريقاً يلتمسوقول رسول الله فيه علماً سهل الله به طريقاً إلى الجنة "

قال الشاعر :-
ففز بعلم تــــحيا بــه أبـداً الناس موتى وأهل العلم أحياء
وقدر كل أمراء ما كان يحسنه والجاهلون لأهل العلم أعداء
وما الفضل إلا لأهل العلم أنهموا
على الهدى استهدى أذلاء

ويشترط في طلب العلم الأدب مع العلماء وعدم التعدي عليهم بقدح ذواتهم ، والطعن في علمهم وسبهم وشتمهم وهذا مما بُليت به الأمة في هذا الزمان ولله المستعان .

ثالثاً :- التربية الصحيحة للأجيال القادمة ، وهذا وان تُكلِّم عنه في الأمن الأسري إلا أن ما يجب عرضه هنا هو بيان تقصير الوالدين في الحوار مع أبناءهم ، والسعي وراء تغيير مفاهيمهم الخاطئة والتي تضر بأفكارهم وأمن أسرهم ومجتمعاتهم ، وأيضاً دور المدرسة والجامعة في هذا الجانب لا يكاد يشاهد على الواقع ، فأين التأثير على الطلاب والطالبات ، وجعلهم عناصر خير في مجتمعهم ، وأين المواهب والإبداعات التي لا يخلو وجودها لديهم ؟ لماذا لم تستغل ؟ وأين صقلها وإبرازها ؟ كل ذلك التقصير يجعل الجيل القادم لقمة سائقة لأصحاب الفكر الهّدام والرؤية الخاطئة مما يؤثر مع فكرهم وتوجهاتهم فيكون أول أهدافهم التي يريدون أن يقضوا عليها دينهم وأمتهم وأوطانهم .

رابعاً :- حرص العلماء والدعاة وطلبة العلم على نشر هذا الدين بجهد أكبر ودعم متواصل ، وأعمال بارزة ، والخروج إلى الناس ، النزول إلى مستويات أفكارهم ورغباتهم ، والوقوف على أوضاعهم وظروفهم ، والقرب منهم ومحاولة جذبهم والتأثير عليهم لفصل الكلمة الصادقة والموعظة البليغة النافعة إلى القلوب قبل الأسماع ولينتفع الناس بها وبهذا نستطيع المحافظة على أمن فكرهم وحماية ثوابتهم ومعتقداتهم .

خامساً :- أن تقوم وسائل الإعلام على تحقيق الأهداف السامية والوضاءة والتي لا تزيد الأمة إلا لحمة وقوة ضد أعدائها الذين يوجهون العداء بأسلحتهم الفكرية والمادية ، فالإعلام أهم وسائل فلاح الأمم ونجاحها وفي المقابل هو من أول // هدم كيانها وهز ثوابتها ، فهو أنفع ما يكون إذا استغل في الخير ، واحظ ما يكون إذا استغل في الشر فأن الحفاظ على الإعلام ووسائله ، ونحن ندرك أهميته وخطورته ، وإلى متى يكون أعلامنا فقط للمشهد المخل ، والمسلسل الفاضح والمقال الذي بين أسطره الهمز واللمز ، والمواقع العنكبوتية التي لا يشرف على أغلبها إلا نكرات لا يعُرفون .

سادساً :- تفعيل الحوار مع شباب الأمة بهدف تجلية المفاهيم لهم وتوضيح المصطلحات الناقصة عندهم ، والخروج بهم من بحور التخبط والسعي وراء اللذة والهوى والفكر الضال إلى بر الأمان ، يشترط أن يكون ذلك الحوار هادفاً وأن تكون آدابه وضوابطه على ضوء الشريعة الإسلامية ، فأن ذلك يساعد على إثراء عقول الشباب بما ينفع أمتهم ودينهم ، ويولد حماية قوية ضد كل من يسعى وراءهم لإغوائهم ويحث الخطر خلفهم لمحاولة جعلهم قدوات في الانحراف الفكري.

سابعاً : - أن يقف أرباب الفكر النيّر والثقافة ، الناصعة والمبادئ السليمة
والأدب الوضاء صفاً واحداً ضد كل فكر يؤثر سلباً على عقول الأمة ، وأن يردون على كل من استخدام ثقافته وقلمه ضد هذا الدين وهذه الأمة ، وعليهم أيضاً أن يبينوا للعالم كله محاسن هذا الدين وفضائله وشرائعه السمحة لأن هذا جزء من رسالتهم في هذه الحياة وعليهم أن يحقونها . فتلكم أبرز أسباب تحقيق الأمن الفكري والتي متى ما فعلت فهي كفيلة بأن أفكارنا وثقافتنا ومبدأنا وأصولنا وثوابتنا في أمن بإذن الله تعالى .

وبعد ذكر وسائل تحقيق هذا النوع من أنواع الأمن الفكري فإليكم هذا النتائج المستنبطة أيضاً بعد تحقيق تلك الوسائل على أرض الواقع :-

1/ ظهور أجيال تحمل فكراً إسلامياً طاهراً خالٍ من المعتقدات الفاسدة ، أو الرؤى المنحطة .

2/ تعزيز أهمية العلم في الإسلام ، وذلك بالبحث عنه وطلبه ، واهتمام الأمة بعلمائها ومفكريها وأبائها .

3/ سيظهر لنا إعلاماً هادفاً وصورة مشرقة نأملها جميعاً ، ونسعى على إيجادها .

4/ ستخرج لنا مواهب وعقليات وأقلام ناصعة الفكر تزاحم أهل الضلال في وسائلهم وعلى منابرهم .

5/ سنرى مجتمعاً حوارياً يهمه البحث عن الحق فقط ، ولا يأبه بما سيواجهه في طريقه .

النتائج :-
وبعد أن تعرضنا للأمن بشكل عام وأدركنا أهمية ووجوب الحفاظ عليه وعرفنا أنواعه وأهمية كل نوع ووسائل تحقيقه وبيننا نتائج كل نوع على حدة فإننا نخرج بمجموعة من النتائج العامة المهمة والتي سيتعين على كل مسلم الانتباه لها و محاولة مراعاتها جيداً والعمل على تطبيقها متى ما وافقت القدرة وكانت داخل حدود الاستطاعة ، كما يتعين على المجتمع بحث هذه النتائج الوقوف على مدى تفعيلها بين أفراده ومؤسساته الاجتماعية وهي كما يلي :-

أولاً :- تميز ديننا الإسلامي الحنيف بأنه دين شامل ، ومكتملة مناهجه وافية أسسه ، واضحة أدلته وشواهده { ... الْيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلاَمَ دِينا .. } (المائدة3

لذا فلم يترك شاردة أو واردة تهم المسلم في حياته وبعد مماته إلاّ وتكلم عنها وأخبرنا بمضمونها ، كما اهتم بفقه النوازل والمقاصد الشرعية ، ووجوب حفظ الضرورات الخمس وكان للأمن عموماً نصيباً من ذلك الاهتمام ، وقدراً م تلك العناية ، وهذا يعنى بأن الأمن جزء لا يتجزأ من ديننا الحنيف ، بل إن عزة هذا الدين وعزة أولياءه مرتبطة ارتباطاُ وثيقاً بقوة الأمن وصلابته وقدرته على الحفاظ على كل ما يتدرج تحت مظلة هذا الدين العظيم .

ثانياً :- وجوب الحفاظ على الأمن بأنواعه وهذا يُطالب كل فرد من أفراد الأمة ، وليس مقصوراً على فئة دون أخرى أو مؤسسة دون أخرى ، أو فرد دون آخر ، كلُ في موقعه الذي هو فيه الأب في منزله وبين أولاده ، العامل في مقر عمله ، المسئول في أوراقه ، المتعلم في مكان طلبه ومتى ما تظافرت الجهود ، والتحمت الصفوف ، واتفقت القلوب حينئذٍ ترى أمناً قوياً لا يُهز ولا يوجس من خلاله الخوف بمشيئة الله تعالى .

ثالثاً:- ضرورة الرجوع إلى العلماء وأصحاب الفكر السليم والرأي السديد وعدم الخروج عن رأيهم ومشورتهم ، والتباحث معهم وحوارهم وسؤالهم عن كل ما يستجد ويطرأ من أمور يجهلها الكثير من العامة ، والدفاع عنهم والذب عن أعراضهم فإن الهجوم على علماء الأمة ومحاربة أفذاذها هو هجوم ومحاربة على أمن أمتهم وشعوبهم .

رابعاً :- وجوب طاعة ولاة الأمر فيما يرضي الله تعالى ولا يسخطه ، قال تعالى { يَأيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أطِيعُواْ اللهَ وَأطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأوْلِى الأمْر مِنكُمْ فإن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فرُدُّوهُ إلى اللهِ وَالرَّسُولِ إن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ باللهِ وَالْيَوْمِ الأخِر ذلِكَ خَيْرٌ وَأحْسَنُ تأويلاً } النساء 59.

وأن لا تخرج عنهم وعن طاعتهم أو أن نتخذ مسلكاً غير مسلكهم متى ما كان مسلكاً على نهج الكتاب والسنة فإن ذلك الخروج والعصيان يجر إلى ويلات متتالية تنصب على الدين أولاً والأمة ثانياً والوطن ثالثاً .

خامساً :- لا بد أن يراجع كلاً منا نفسه ويحصن قلبه ، ويتفقد أحواله ويرى كيف هو في أمنه لفؤاده وجوارحه ، وكيف ضبطه لأموره مع إخوانه وتعاملاته معهم ، وأن يدرك أهميته في مجتمعه وأنه رجل أمن في هذا المجتمع وعليه مسؤوليات كثيرة تجاه أمنه واستقراره ، وأن يبدأ في تطهير فكره من كل دخيل خادع ، وكل مستورد فاضح وأن يعمل عقله وفكره لعزة دينه ومجد أمنه وعلو راية وطنه .

الخاتمة
أسأل الله العلي القدير أن ينفع بهذا البحث وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفعنا بما نقول ونسمع ، إنه ولي ذلك والقادر عليه والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
والى موضوع قادما انشاالله