السبت ، ٢٧ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:٣٣ صباحاً

من هالة المصراتي.. إلى عبده الجندي

د . عبد الملك الضرعي
الاثنين ، ٢٩ أغسطس ٢٠١١ الساعة ١١:٣٠ صباحاً
هالة المصراتي حالها كحال الكثير من الأبواق التي تزخر بها شاشات الحكام العرب ، هالة المصراتي إشتهرت بهوسها السياسي بالعقيد القذافي ، وقد كرست عدد من البرامج لتمجيد العقيد ، وهي التي ظهرت في الساعات الأخيرة على شاشة التلفاز الليبي شاهرة مسدس وتتوعد الثوار بقولها (ياقاتل يامقتول) مؤكدة أنها ستقف بالمرصاد لكل من يقترب من القنوات الفضائية الليبية ، هذه كالت مختلف الشتائم والأوصاف للثوار ، في نفس الوقت الذي كانت تقدس فيه الزعيم الأوحد ، هذه الفتاة إختفت بمسدسها وشتائمها وكلماتها العنيفة ، واختبأت في إحد المنازل وهي تلبس الحجاب ، وعلى الرغم من أنه قيل أنه تم القبض عليها ، نفت ذلك وقالت أنها سلمت نفسها لأنها وجدت الثوار مؤدبين ،ووصفتهم بالكثير من أوصاف المدح ، في نفس الوقت الذي تملصت فيه من ذكر العقيد الرمز ، بل كلما سئلت عنه تتجاهل الإجابة وتتحدثت عن الشعب الليبي وحريته وو...الخ، عجباً كيف تغير لسانها وحماسها وشكلها في ظرف ساعات ، كيف تحول الثوارعلى لسانها إلى مؤدبين وكيف أصبحت تخجل حتى من ذكر الزعيم ملك ملوك أفريقيا ،كيف أصبحت تتوسل لدى الشباب قائلة(أنا بروحي لاعندي حرس ولا...الخ) ، ماذا حدث لهذا البوق الشهير هل أصابه خلل ؟؟؟.

إيرادنا لإسم هالة المصراتي لايندرج تحت بند أهميتها السياسية أو الإعلامية ، ولكن لأنها نموذج للأبواق التي صنعت طغاة العرب ، فلولا هذه النماذج سيئة الذكر لما تكبر الطغاة وتجبروا، مثل هالة المصراتي نجد العشرات بل والمئات بل والألاف من الإعلاميين والسياسيين وأشباه المثقفين ، هؤلاء يظللون الحكام ويدخلوهم في دائرة الوهم والعظمة حتى يصبح لسان حالهم يقول (ما لشعبي إلاَّ أنا وذريتي من بعدي) من تابع لقاءات المقربين من العقيد القذافي يجد أن شهاداتهم تقول أن شعوره بالعظمة والإستعلاء تصاعد بشكل مخيف نتيجة تلك الأصوات النشاز التي قدسته بلا حدود ، وهم أنفسهم من تخلى عنه وبدأ يكيل إليه التهم ويتبرأ منه ..عجباً لذلك.
إننا نتمنى من بقية الحكام العرب خاصة في اليمن وسوريا أن يتعلموا من دروس الحكام السابقين في مصر وتونس وليبيا ، أن من يقدسك ويمدحك بما ليس فيك ، سيكون هو أو من يفرط فيك ، وربما من تابع النموذج المصري على وجه الخصوص يجد أن عشرات المطبلين للرئيس حسني وجمال وسيدة مصر الأولى سوزان ، هم بذاتهم وصفاتهم ضيوف العديد من القنوات الفضائية التي تتناول سلبيات النظام السابق والرئيس المخلوع حالياً، بل وبعضهم يطالب الآن بإعدام مبارك ...عجبا لذلك أيضاً.

وفي الحالة اليمنية يمثل التغير في موقف هالة المصراتي ، رسالة إلى من يوهمون الرئيس علي عبدالله صالح بأن الأمور تحت السيطرة ، وأن قوى التغيير ماهي إلاَّ عدد بسيط من شباب المشترك المغرر بهم وبعض مسلحي الإخوان في بعض المناطق وهؤلاء يمكن التعامل معهم في لمح بصر فقط مجرد إشارة ، ويكمل ذلك الإعلام ويمن موبايل وغيرهما ذلك التضليل بالأغنية الشهيرة (شوف الجبل شامخ...الخ) ، هناك صف طويل من أمثال هالة المصراتي ورفاقها فمنهم من قال علي عبدالله صالح عندي نبي و...الخ ، ومنهم من كان سكرتيرياً لعلي سالم البيض في آخر أيامه ، وبين عشية وضحاها أصبح سكرتيرا لعلي عبدالله صالح ، ولديه الإستعداد أن يكون سكرتيراً لمن يخلفه وهكذا ، وهو الذي نسي نفسه كسكرتير لأول مسئول في الدولة في لحظة معينة وانتحل شخصية أحد شباب الثورة ، ومنهم من يخرج على الفضائيات ليقول شهداء الساحات ماهم إلاَّ جثث جاهزة وما الدماء إلاَّ صبغات ألوان ، وما حدث عند إحراق ساحة الحرية بتعز لم يتجاوز حدوث جروح بسيطة لبعض الأشخاص ، ومنهم الداعية والعالم الجليل الذي يشهد أن أنصار الرئيس(25) مليون نسمة ، مع أن الشعب اليمني بكله لازال حتى منتصف 2011م حوالي (24) نسمة ، فكيف شهد ذلك الداعية وما حكم تلك الشهادة في ميزان الشرع فالشعب كله لم يبلغ ال(25) مليون ، ثم في مجموع السكان نجد الأطفال وهؤلاء تصل نسبتهم إلى مايقرب من (40%) من السكان ، وهناك قوى المعارضة ولأي عاقل أن يحسب حجمها بأقل التقديرات ومشاهدة صلاة الجمعة بشارع الستين بصنعاء وساحة الحرية بتعز وإب والحديدة وعدن وحضرموت وغيرها نموذجاً لذلك، يضاف إليهم طابور من الأخوات سياسيات وضيفات الإعلام الرسمي وخاصة مجموعة لاتتجاوز عدد الأصابع يشكلن ضيافة دائمة وخاصة في الحلقات النسائية التي لاتختلف عن مايسمى التفرطة بطبيعة الحوار والقاش!!!، فهل يدرك مثل هؤلاء جرمهم في خداع الرئيس والشعب أم لا ، ،وهل يدركون إن تضليل وتمجيد الحاكم جريمة كبرى ، لأنه يترتب عليها توريط الجيش والأمن والمليشيات برتكاب جرائم كبرى بحق المعارضين في أرواحهم ودمائهم وأموالهم وأعراضهم.
إن عبده الجندي مع تقديرنا له كشخص ، إلاَّ أن إيراد إسمه في هذا الموضوع يرجع إلى كونه أصبح رمزاً إعلامياً لتبرير العديد من الأخطاء الأمنية التي تقع فيها السلطة ، وتعد حملة التضليل وعدم المكاشفة في الحالة اليمنية على درجة كبيرة من الخطورة ، لأن رئيس الجمهورية قد يبني عليها قرارات خطيرة ، أحدها خيار الحسم العسكري لإعتقاده كما سبق وأن أسلفنا أن قوى المعارضة سواء السياسية أو الشباب أو المعارضة القبلية فيهم من الضعف مايُمكَّن قواته من إنهاء الإعتصامات والمعارضة السياسية أو المسلحة بضربة عسكرية سريعة ، وربما ماقاله عبده الجندي في أحد مؤتمراته الصحفية أن صبر الدولة بدأ ينفذ مؤشراً على ذلك.

أخيراً يمكن القول أن إشكالية غالبية الدول العربية إن لم يكن جميعها تتلخص في فئة من أفراد المجتمع المقربين من الحكام لاتنصحهم ولا تنقل الحقيقة إليهم ، وتمارس عليهم مختلف أنواع التضليل والخداع والتمجيد، وذلك يحوَّل الحكام من أشخاص عاديين إلى فراعنة وطغاة ، يمارسون الإجرام والقتل ضد كل من يخالفهم الرأي من أبناء شعوبهم ، ونتعقد أن طابور من الإعلاميين والسياسيين وأشباه المثقفين مسئولين مسئولية مباشرة عن فرعنة الطغاة العرب ، فالإنسان بطبعه إن مجد وقدس أخذته العزة بالإثم فظلم وقهر وقتل وشرد ، وتشبث بالحكم و...الخ، بينما إذا حصل على بطانة صالحة تصدقه إن أحسن أو أخطأ لأفادوه وحموا أبناء شعوبهم من الظلم والقهر ، وكلمة اخيرة نأمل أن يتعض عبده الجندي ورفاقه من هالة المصراتي ورفاقها في مصر وتونس ، وليعلم عبده الجندي ورفاقه وبمنطق التاريخ لا السياسية أن ثورة الشباب اليمني ماضية إلى خط النهاية بإذن الله، وأن السلطة تخسر كل يوم ، ونعتقد أن عبده الجندي ورفاقة يدركون ذلك كما كانت تدرك ذلك هالة المصراتي في ساعاتها الأخيرة وهي تقول (ياقاتل يامقتول) لكن الحقيقة أظهرت أنها أجبن بكثير من تلك الكلمات ، نرجوه تعالى أن يولي علينا خيارنا ولا يولي علينا شرارنا وندعوه تعالي أن يرزق كل حاكم ومسئول مهما صغرت مسئوليته البطانة الصالحة التي تدعوه إلى الخير وترده عن الشر، إنه على مايشاء قدير.