الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠١:٥٢ مساءً

حصون الحكام العرب..لماذا تتساقط!!!

د . عبد الملك الضرعي
الجمعة ، ٢٦ أغسطس ٢٠١١ الساعة ٠١:٣٠ مساءً
يتحصن الحكام العرب بحصون مادية وأخرى معنوية ، والحصون المادية نعلمها تشمل البشر والحجروالتجهيزات العسكرية وغيرها ،أما الحصون المعنوية فنعني بها في هذا الموضوع مجموعة الأوهام التي تسيطر على أولئك الحكام وسوف نحاول باختصار الإشارة إلى جوانب بسيطة وبما يسمح به المجال لنبين حال بعض الحكام العرب وكيف تساقطت حصونهم ومجدهم في وقت قياسي لم يكن يخطرعلى بال ، ولكن تلك إرادة الله ومشيئته ، ويمكن إيجاز ذلك فيما يلي:

أولاً/ الحصون المادية : أحطاط الحكام العرب أنفسهم بسياج مادي يشمل أجهزة أمنية وعسكرية مسلحة بترسانة عسكرية يضاف إليها بنية تحتية من مباني المعسكرات والحصون بهدف مواجهة أي تمرد شعبي ضدهم ، وتم ربط تلك الأجهزة عائلياً في بعض الدول مثل اليمن وليبيا وسوريا لضمان الولاء الكامل ، بينما كانت تلك الأجهزة موكلة إلى أشخاص شديدي الولاء الحزبي أو الجهوي في بقية الدول ، ولكن كل ذلك لم يصمد أمام قوة الشعوب ، فمثلاً في المشهد التونسي شكل الإختفاء الفجائي لواحد من أهم الأجهزة القمعية في الوطن العربي علامات إستغراب لدى المتابعين خاصة أن العديد من أجهزة الأمن العربية كانت تستمد خبراتها من أجهزة الأمن التونسية ، لقد وجد زين العابدين نفسه وحيداً وزوجته تنهره عندماء تلكأ في قرار الهروب ، بن علي كانت له القصور المحصنة والمناصرين الذين تزدان بهم شاشات التلفزة التونسية في كل جولة يقوم بها في مختلف أرجاء البلد ، وكذا البطانة المحيطة به من كبار الشخصيات التونسية ، يضاف إليهم عائلة الطرابلسي أصحاب النفوذ ، أين ذهب كل هؤلاء لانعلم ، بل أن بعضهم غير جلده ولسانه وبدأ في مهاجمة زعيمه السابق بمجرد السقوط ، وهو حال المطبلين في وسائل الإعلام من الذين غيروا عقولهم و ألسنتهم ، عجباً لماذا تغيرت ألسنة وجلود وعقول وأجسام أولئك الإعلاميين وأشباه المثقفين من الذين مكثوا ليل ونهار في سب قوى الثورة واليوم يمجدونها ويسبون أسيادهم السابقين (لاقلق فهذا حال الإنتهازيين فشعارهم الغاية تبرر الوسيلة) ، لقد تساقطت حصون بن على من حوله في لمح بصر!!! وفي النموذج المصري كانت المفاجأة الثانية حيث غاب الجهاز الأمني الذي يعتقد أن منتسبيه يصلون إلى حوالي(2مليون فرد)هؤلاء غابوا في عشية وضحاها وصدق عليهم المثل المصري(فص ملح وداب)هل ابتلعتهم مياه النيل لاندري ، وسائل الإعلام الرسمية من التي كانت تسمي ثوار التحرير بالإرهابيين و...الخ ، تحولت بين ليلة وضحاها إلى قوى ثورية مؤيدة لثورة 25 يناير وبدأت تعد التحقيقات والبرامج التي تفضح عهد حسني البائد!!!عجباً أين اختفى المفكرين والمداحين لمبارك وسوزان وجمال ، لقد تحولت سيدة مصر الأولى لدى هؤلاء إلى العجوز الشمطاء ، للأسف هؤلاء هم من غشوا وخدعوا مبارك لأنهم كانوا يمثلوا سيجاج سياسي وإعلامي لايوصل لمبارك إلاً ما يحبه ، وفي لحظة معينة تخلوا عنه بل وبدأوا في التحقيقات القضائية بمهاجمة السيد الرئيس والسيدة الفاضلة عجباً لقد تساقطت حصون مبارك من حوله في أيام معدودة ، ويأتي بعده معمر القذافي ولهذا قضية أخرى لقد أنشأ قواة عسكرية تسمى بإسمه وأولاده ، ولأنه يملك ثروة طائلة من ثروات الشعب الليبي شيد القصور والقلاع بخبرات من أفضل الشركات العالمية وجهزها بالسراديب والبوابات الألكترونية والأسوار العالية والعديد من التجهيزات الأمنية فوق وتحت الأرض بغية منع أي قوة من مهاجمته ، وأعد جهاز إعلامي لاينطق ولايفكر ولايهمس إلاً بفكر وقول ورأي وإحساس قائد الثورة ، ولإجل ذلك جعل المذيع والفني والمخرج والمنتج والمدير من الحاشية الأمنية الموالية ، ولكن ماذا حدث تساقط الجميع كأوراق الخريف ولم يبقى منهم إلاَّ مذيعة مخبولة رفعت مسدسها في لحظة هستيريا قائلة ياقاتل يامقتول (هل يتخيل أحدنا مثلاً في استديوهات البي بي سي أن يخرج مذيع بمسدس دون شك لا، لأن سلاح الإعلام الكلمة ... وليست الرصاصة) أما إعلام الطغاة فتحت لسان كل صحفي ومذيع وفي جيبه ومكتبة وبجوار مكرفونه ترسانة من الأسلحة!!!على كل سقط القذافي بتحصيناته وترسانته وسقطت طرابلس وباب العزيزية في لمح البصر ، إين ذهب ملايين المؤيدين الذين كان القذافي يدعوهم إلى الزحف ودعى منهم في آخر خطاباته المسجلة مليونين أوأربعة للزحف إلى طرابلس – وهذا العدد يقارب ثلثي الشعب الليبي - إين ذهبت قوى الكتائب التي دربت على أعلى المواصفات لاندري ، أما المشهدين اليمني والسوري فلازال سفك الدماء مستمر ومحاولة حسم الموقف عسكريا قائم ، ولازالت الحشود المؤيدية للرئيسين صالح والأسد تطوف المدن اليمنية والسورية وهي تشبة إلى حد كبير ما كان يبثه التلفاز الليبي قبل أسابيع ، ولازال الإعلام الرسمي في كلا البلدين يصف قوى التغيير بالإرهابيين والعملاء وو..الخ ،مع وجود فوارق نسبية بين اليمن وسوريا حيث عمل توزان القوة في اليمن على تخيف معدل الخسائر البشرية بين قوى المعارضة نتيجة وجود تعهد قسم مهم من الجيش اليمني بحماية الثورة ، إضافة إلى القوة المسلحة للقبائل المؤيدة للثورة ، ووجود معارضة سياسية أكثر فاعلية من المعارضة السياسية السورية ، كل ذلك خفف من الخسائر البشرية في اليمن إلى حد كبير حتى الآن مقارنة بالشعب السوري الأعزل ، الذي يخسر كل يوم العشرات من أبناءه ، بل وتحول أطفاله إلى إرهابيين كبار!!!

ثانياً/ الحصون المعنوية : ونعني بها الأوهام التي تحاصر الحكام العرب ، فنتيجة طول مدة البقاء في الحكم ونفخ البطانة الشيطانية في آذان هؤلاء ، أخذتهم العزة بالإثم ووصل إليهم نَفَسُ فرعون ، فأحسوا أن الشعوب لايمكن أن تُحكم إلاَّ بهم وبأولادهم وأحفادهم وأحفاد أحفادهم ، لذا برزت فكرة الثوريث للحكم في الجمهوريات العربية ، وكانت التجربة الأولى للرفيق الأسد وحزب البعث التقدمي الذي عدل الدستور ليتوافق مع خصائص بشار وورث بشار الحكم ، فتداعى بقية الحكام العرب وكل منهم بدأ يُلمِّع وريثة ويقدمه للشعب وينشر صوره ويروج له ، معتمداً على نفوذه الحزبي والسياسي وهيمنته على مقدرات الدولة ، ويروجون لذلك بقولهم أبناؤنا هم من أفراد الشعب ويحق لهم الترشيح في الإنتخابات الرئاسية وو...الخ ، وكانت ثاني محاولة قيام الرئيس محمد حسني مبارك وبطانته بإجراء انتخابات لمجلس الشعب استبعدت منها المعارضة التقليدية من خارج الحزب الوطني واسبعدت منها حتى الأصوات المعارضة لتوريث جمال مبارك من داخل الحزب الوطني وأصبح مجلس الشعب موالي بنسبة100%، وعلى الرغم من الطعون التي قدمت للقضاء إلى أن تعديلاً دستورياً قبل الإنتخابات مهد لكبح أي تظلمات تقدم للقضاء ، وبذلك اعتقد حسني مبارك ونجله جمال أن كرسي الرئاسة أصبح قاب قوسين أو أدنى من نجل الرئيس والزعيم السياسي الكبير في الحزب الوطني الحاكم حتى أن الغرور وصل به إلى الإستهتاز بالإولاد بتوع الفيسبوك (شباب ثورة 25 يناير)، ولكن تلك الأحلام الوردية تساقطت وظهر حسني وعائلته خلف شباك السجون ، وعلى الرغم من كل ما سبق لازال بقية الحكام وحولهم بطانة السؤ ينسجون الأحلام الوردية في مخيلاتهم وأنه لاتوجد مشكلة ، ويكررون مقولة حسني مصر مش زي تونس والقذافي ليبيا مش مثل تونس ومصر، والبقية يقولون بلداننا مش مثل تونس ومصر وليبيا ، وكلما سقط حاكم سيقول البقية بلدي ليست مثل بلد فلان وفلان، وسنجد أن آخر حاكم عربي سيقول بلدي ليست مثل البلدان العربية ويعد عشرين دولة ، وهكذا تسيطر على الحكام العربية حالة من الغرور والغفلة وحب السلط والتشبث بالحكم ، تلك الحالة النفسية تبعدهم عن الحقيقة ، يعينهم على ذلك الخيال كوكبة من المحيطين ، وأشدهم خطراً على الحكام أشباه المثقفين لأنهم يوهمون الحاكم بمعرفتهم ببواطن الأمور وعلمهم وخبراتهم التي تصيب دائماَ ولاتخيب ، فيستمرالحاكم في وهمه وخيالاته ، ولايصدق الحقيقة إلاَّ بعد أن تسمع أذنيه هدير جماهيرالشعب المحيطة بقصره كالحالة المصرية والتونسية ، أو رائحة البارود وحرارة القصف كحالة القذافي في باب العزيزية وسط العاصمة الليبية طرابلس .

أخيراً تلك كانت رؤية مؤجزة للحصون التي بناها الحكام العرب حولهم من حجر وبشر أو نسجوها في مخيلاتهم وأحلامهم وساعدهم على ذلك بطانة سؤ من أشباه هامان وكهنته ، ولكنهم يتجاهلون دروس التأريخ قديمه وحديثه والتي تعلمنا أن قوة الشعوب المظلومة لاتقهر، وأن مواجهة الحكام لشعوبهم خاسرة ، ومشهد أسوار وتحصينات باب العزيزية حال اقتحامه دليل على ذلك ، فمهما تحصن الحكام خلف ترسانتهم العسكرية وجيوشهم العائلية ومناصريهم وأموالهم وجبروتهم وظلمهم ، فإن ذلك لن يجدي وستسقط تلك الحصون التي شيدوها من عقود لأنها بنيت من حرام ولأجل باطل فأنَّا لها أن تدوم وستتهاوى في لمح البصر فتلك سنة الله في خلقه ، وما سيحدث أن الحاكم المتشبث بالسلطان ستضاف له القاب جديدة مثل طاغية وسفاح ومجرم حرب وأوصاف أخرى هو في غنى عنها، وأن الدماء التي ستسفك مع عناده سيحاسب عليها في الدنيا والآخرة ، فهل يَعِقل بقية الحكام العرب دروس من سبقوهم ، وهل سيدركون أن القضية محسومة ، أم أن الله تعالى أراد لهم سؤ الخاتمة ، لأن منطق التأريخ يقول أن ثورة محمد البوعزيزي ستصل شرارتها إلى كل قطر عربي جمهوري أو ملكي ، وأن مايحدث هو رسم لحقبة تأريخية جديدة في تاريخ الأمة العربية ، نسأله تعالي أن يحمي أمتنا من كل مكروه وأن يحفظ دماء أبناء شعوبها وأموالهم وأعراضهم ، وأن يزيل عنها الأشرار تجار الحروب قتلت النساء والشيوخ والأطفال ، إنه على ما يشاء قدير.