الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١١:٤٥ صباحاً

الأمن الاجتماعي ودور الأسرة-2-1

توفيق الكهالي
الخميس ، ١٧ يناير ٢٠١٣ الساعة ٠٢:٤٠ مساءً
إن الأمن الاجتماعي حاجة أساسية تطمح إليها الأفئدة، ومصلحة وطنية حيوية تنشدها الدولة بأجهزتها ومؤسساتها وترصدها بما تضع من خطط وبرامج للتنمية الشاملة، وهو غاية سامية تعمل لتحقيقها منظمات المجتمع المدني كالجمعيات الخيرية التعليمية والاجتماعية، كما أنه ميدان خصب للدراسات الاجتماعية المتخصصة. فالكل يتطلع إلى المجتمع الآمن من الآفات التي تهدد بنيانه بالتصدع وكيانه بالأخطار، كالجهل والفقر والمرض، والمخدرات، والجرائم والانحراف السلوكي.
وفي ظل الأمن الاجتماعي يزدهر التعليم وتتسع مجالاته وينمو الاقتصاد نموا شاملا سليما، ويطمئن الناس على دينهم وأنفسهم وأعراضهم وأموالهم ومستقبل أولادهم، وتتمكن معاني الأخوة وروح التعاون بينهم، فتؤدى الحقوق، ويسود العدل ويختفي الظلم، وتتأسس شبكة من العلاقات الاجتماعية على الثقة والتفاهم والانسجام، فتكون مثمرة منتجة متعاونة على خدمة الدولة والمجتمع.

والأمن الاجتماعي لا يأتي من خارج المجتمع، بل إنما يتحقق على أيدي أبنائه وبجهودهم المتضافرة المتناسقة، فهو مسؤولية الجميع، كل حسب موقعه ونوع وظيفته ومجال تخصصه. ولابد من إدراك معنى الأمن الاجتماعي أولاً، وانتشار الوعي بأهميته ووسائل تحقيقه ثانياً، حتى تتوفر الأرضية الثقافية المحفزة للنفوس من داخلها نحو العمل، وعندئذ يسهل تجنيد الطاقات وتفعيل المؤسسات، وتوزيع الواجبات على مختلف التخصصات في خدمة مهمة واحدة.

ومجتمعنا اليمني-بفضل الله- مجتمع مسلم لله رب العالمين، قيادة وشعباً، وقد أغناه الله سبحانه وتعالى بالقيم والمبادئ والأصول، التي يستمد منها ثقافته الاجتماعية في تحقيق أمنه واستقراره، بل إن مجموعة التكاليف الشرعية من العبادات والمعاملات والأخلاق، كما أن لها وظيفة دينية تعبدية تطوع المسلم لربه سبحانه، فإن لها وظيفة أخرى اجتماعية تعده للقيام برسالته في مجتمعه حيثما كان موقعه فيه، ابتداء من الدائرة الأسرية التي تحيط به مباشرة، إلى الدوائر التي تمتد إليها صلاته وعلاقاته من الأرحام والجيران وسكان الحي والأصدقاء وزملاء العمل.

والكلام هنا على الأسرة وإسهامها في تحقيق الأمن للمجتمع، باعتبارها الدائرة الصغرى التي ينشأ فيها أفراده، والخلية التي يتكون منها نسيجه، والخلايا إذا صلحت صلح النسيج كله، والعكس بالعكس. فالأسرة عندما تكون قائمة على أسس متينة تؤثر تأثيراً فاعلاً في ترسيخ مقومات الأمن الاجتماعي، ومن ثم في استقرار الحياة الاجتماعية وازدهارها، وهي خط الدفاع الأول عن أمن المجتمع، فيها يتوفر الجو العاطفي الذي يكتف الزوجين بالسكن النفسي، والأولاد بالرأفة والرحمة والرعاية الشاملة فلا بد من حماية الأسرة حتى تبقى حصنا حصينا يعتمد عليه المجتمع في الحفاظ على تماسكه في ظل بنيته الإسلامية الأصيلة وتبدأ هذه الحماية من التأسيس بتيسير أسباب الزواج للشباب والفتيات ومساعدتهم على تكوين الأسر في الأوقات المناسبة من أعمارهم، فإن تأخر سن الزواج وارتفاع نسبة العنوسة من الأعباء الاجتماعية الكبرى، التي تتولد منها آفات كثيرة وخطرة، كالجرائم الخلقية وانتهاك الأعراض، ولا ينبغي قصر الاهتمام بمشكلة الزواج على جانبها المادي كالمسكن والعمل، بل لا بد من التكامل بالجانب الفكري الذي هو أهم، حتى يدخل الشاب والفتاة إلى الحياة الزوجية وهما يفقهان أسسها وآدابها، فإن ضعف التأهيل للنجاح والتوافق العائلي يفسر كثيراً من أسباب ارتفاع نسبة الطلاق في الأنكحة الحديثة العهد.. والطلاق إذا وقع في نكاح حديث عهد، غالبا ما تمتد آثاره السلبية إلى الأسر المتصاهرة، فتحدث بينها من العداوة والخصام ما لا تحمد عقباه، وقد يستمر زمناً طويلاً.

لذا فإن الحاجة ماسة إلى جهد أهلي مكثف، يهتم بقضايا الزواج والأسرة والتربية، بتأسيس مراكز ومؤسسات تعنى بتيسير متطلبات الزواج، وتأهيل الشباب والفتيات للنجاح في حياتهم الزوجية، وتساعدهم على حل المشكلات التي تعترضهم، *ويعتبر مشروع ابن باز الخيري في المملكة السعودية لمساعدة الشباب على الزواج، من البرامج الجيدة وقد تأسس في سنة 1420هـ، بهدف إعانة غير القادرين من الشباب على تحمل تبعات الزواج المادية، وإيجاد حلول لظاهرة العنوسة، ويقدم خدماته في صورة قروض وهبات، ويشتمل المشروع على وحدة للإصلاح الأسري، وأخرى للإسهام في التوفيق بين الراغبين في الزواج من الجنسين للحد من ظاهرة العنوسة، كما يشتمل على إدارة لتقديم التوجهات والإرشادات والدراسات التي يحتاجها الشباب المقبلون على الزواج. وتفيد تقاريره أن معدل ما يستقبله من طلبات المساعدة والقرض، يبلغ عشرة طلبات يومياً، ومعدل ما ينجزه المشروع سنوياً تزويج 2500 شاب وفتاة. كما خصص المشروع خطاً هاتفياً للاستشارات الأسرية، يقدّم من خلاله خدمات في هذا المجال بالتعاون مع مجموعة من المختصين في القضايا الأسرية والاجتماعية، وقد آتت هذه الخدمة أكلها الطيب بتراجع العديد من طالبي الاستشارات، عن طلاق كانوا مصممين عليه في البداية.

إن الأسرة تظل دائماً صمام أمان للمجتمعات الإسلامية، من الآفات الخطرة التي فتكت بمجتمعات أخرى تقلص فيها سلطان الأسرة على التربية والتوجيه الاجتماعي إلى حد كبير، بسبب انهيار القيم والمفاهيم التي تقوم روابط الزوجية والقرابة، كالغيرة على الأعراض والحرص على طهارة الأنساب وبر الوالدين وصلة الأرحام، وإدارة الحياة الزوجية بالتكامل بين وظيفتي الرجل والمرأة، بأن يسند لكل منهما من الواجبات ما يناسب فطرته ويلائم خصائصه. وهذه القيم لا يمكن أن تجد سندها إلا فيما أنزله الله سبحانه وتعالى من الشرائع الضابطة للمسار الصحيح الذي يصلح عليه حال الأمم والشعوب.

وإن قيام المؤسسات الاجتماعية في الدول المتقدمة مادياً، وتزايد انتشارها في الكم والنوع، يعود في أهم أسبابه ومقتضياته إلى الانهيار الذي تعرضت له الأسرة مما استتبع فقدانها لوظيفتها في كفالة اليتيم ورعاية الأرملة والمسكين والعاجز لعاهة أو تقدم السن، فظهرت الحاجة إلى قيام مؤسسات تملأ الفراغ الاجتماعي الذي تركه انهيار الأسرة.
والأسرة المسلمة تتعرض اليوم إلى تحديات قوية جداً ليس من السهل مقاومتها أو الإفلات من تأثيرها، من أهمها التحدي الإعلامي الذي يغزو البيوت بسهولة مع سرعة التأثير بما يحمله من وسائل جذابة للمواد التي يعرضها، وكثير منها غريب عن قيمنا وحضارتنا، يهدم الأخلاق ويبعد الدين من التأثير على سلوك الإنسان الشخصي وعلاقاته الاجتماعية. فلا بد من جهود مكثفة في مقاومة هذا الزحف الإعلامي الرهيب بنشر الوعي بمسؤولية الآباء والأمهات حيال البيت ومراقبة ما يحصل فيه بدقة وتيقظ حتى يبقى محافظا على حرمته تتوفر فيه الأجواء المساعدة على التربية السليمة للأبناء والبنات، وتوجيه الاهتمام إلى انتقاء إعلامي يقدم المواد النافعة ويخلو من المنكرات.