الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠١:٠٤ مساءً

عذرا رذيلة القاضي

وليد تاج الدين
الاثنين ، ٠٧ يناير ٢٠١٣ الساعة ١١:٤٠ صباحاً
هل يستحي القاضي أبو عمامة أو حتى أبو كرفته من شيخ طاعن في السن أو امرأة عاجزة تجر أذيال خيبتها خلفها بين قاعات ومحاكم القضاء، هل يخجل القضاة من أن يكشفوا للناس حقيقة عجزهم عن الحكم بالعدل وعجزهم عن تنفيذ ما يحكمون به.
أنا استغرب كيف يستطيع القاضي أن يصعد على طاولة الحكم وهو يدرك انه سيصدر حكما لن يستطيع تنفيذه خاصة إن كان انتصارا للضعفاء على رقاب المتغطرسين، أتساءل هل يخجل القاضي وهو يركب سيارته الجديدة التي صرفت له من مال الضعفاء الذين عجز عن الانتصار لحقوقهم وهم بين الحر والبرد ذهابا وإيابا من وإلى المحكمة في وقت لا يمتلك فيه بعضهم أجرة الباص لليوم التالي الذي يمتد لشهور وسنوات وأحيانا تسبق رحمة الله بقبض الروح قبل أن تظهر رحمة القاضي ومحكمته فيموت الشخص في رحلة المحكمة فتصبح حياته جزء في رحلة محكمة وليس العكس.

هل يستحي القاضي أو يشعر بتأنيب الضمير عندما يذهب نهاية كل شهر لاستلام عدد من الرزم أبو ألف والتي تعادل مرتب عشرات العمال والموظفين الغلابا الذين يلهثون وراء كلمة فاصلة وحكم عادل ينهي الخصومة ويعيد ماء الوجه، وهل يسأل نفسه الحقيرة إلى الله والى خلقه هل أدت هذه النفس ما عليها أمام الله إن لم يكن أمام العرشاني أو الفلتاني ومقابل ما يستلم من مرتب من مال الأمة.

هل يهنأ سيدنا القاضي بالعيش وهو يعلم ويفهم وهو سيد العارفين أن عامل النظافة الذي يتقاضى ذاك الراتب الهين يستحق المرتب ويأكله حلالا لأنه يؤدي الغرض والمهمة التي لأجلها يعمل، بينما سيدنا لا يؤدي الدور الذي لأجله يأخذ المرتب العالي، ماذا لو كتب الناس المتقاضين عنده لسنوات على أوراق التقاضي عبارة "رذيلة القاضي" بدلا من "فضيلة القاضي"!! هل سينزعج سيدنا رغم أنها الحقيقة لأن الفضيلة بعيدة عن عجز القضاة اليوم وجشعهم وإحباطهم.

لقد اعتقد الناس خطأ أن تحسين معيشة القضاة سيزيد من كفاءتهم وإنتاجيتهم ويقضي على فساد جهاز القضاء, لكن ذلك كان سببا في زيادة الطين بله فالقاضي الذي كان بالكاد يحصل على كعدة سمن أو قنينة عسل ليشعر بأهميته أصبح اليوم يبحث عن الصفقات والشيكات والنسبة المئوية من حقوق الناس، ورشوة الخمسة الألف التي كانت تحفزه زمان وتشغله كالطاحون القديم لا تمثل له اليوم أضعافها سوى تفرطه أمام ما يتقاضاه من مرتب وما يلتهمه من ضربات الحظ، وا أسفاه لقد أفسدناهم وأفسدنا نفوسهم وصار لا بد من محاكم تحاكمهم وتقيم أدائهم فيما يشبه الغربلة، لقد نسينا أن سيدنا عمر كان يحكم وثوبه ممزق لأن العدالة لا تشترى أو تطلب بالمال يا قضاتنا إلا في زمانكم، ولا نقول إلا رحم الله مولانا الإمام وقضاءه العادل.

ولكي نكون منصفين فنحن نفهم أن هناك قاضي في الجنة وقاضيان في النار لكن النار يبدو ستلتهم نسبه أعلى من الثلثين، فهناك قضاة نزيهين وشرفاء لكن قبولهم بهذا الحال المزري للقضاء يجعلهم مشاركين في ظلم الناس وخيانة الأمانة التي أبت الجبال أن تحملها، نريد منهم جهاز عادل أو إغلاقه وتوفير ميزانيته للجائعين وهناك عقال حارات وشيوخ سيقومون بالواجب.