بعد ساعات معدودة يغادرنا عام 2012م ويهل عام جديد ، 365 يوم انقضت وكانت من الماضي ، هكذا يجب أن يقرأ الزمن الذي فات ، أما بالنسبة لليمن واليمنيين فماضينا نستحضره ليكون رفيقا لنا دون رضانا ودون رغبة منا لهذا الاستحضار وإنما بدواعي التراكمات الثقيلة لسنوات ماضية ، عام 2012م هو العام المتميز بكل أحداثه السياسية والأمنية والاقتصادية وحتى الاجتماعية ، وهو العام الذي جاء بمؤشرات التغيير من أول فصل ، في 21فبراير من العام الذي نودعه بعد ساعات كنا مع أول وجه في رئاسة الدولة وغياب وجه كان يأسنا حاضرا في كل عام ماضي وعام آت ، أول غيث ثورة الشباب الشعبية الذي تجلى بصورة وشخصية المشير عبد ربه منصور هادي الذي توجه اليمنيين حاكما عليهم كواحدة من مخرجات التغيير القيصرية من خلال صناديق الانتخابات وان كانت بلون واحد لكنها مثلت خطوة استباقي فرضتها ثورة التغيير الذي عملت على وقف سياسية التوريث التي كانت محور العمل العام وكانت بالنسبة للحاكم الذي انقضى أمره "غاية" ومن اجل بلوغ هذه الغاية أختصر اليمن ومقدراته من اجل هذه الغاية التي صارت لمن كانوا يسعون للوصول إليها كسراب يحسبه الضمآن ماء ، سنة الله الكونية التي كانت سببا للمؤتى وكانت سببا أيضا للانتزاع ( تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير انك على كل شيء قدير... صدق الله العظيم ) كان لرئيسنا السابق الملك والعزة (بمشيئة الله وحده) وبذات المشيئة انتزع منه الملك والعزة ، والطبيعي ان كل شيء لا بد له من المرور عبر ما يسمى بدورة النشوء والتطور وتماشيا مع هذه القاعدة فإن الذل أمر حتمي للرئيس السابق وهو آخر حلقات تلك الدورة ونتيجة طبيعية للتوازن فالذل ضرورة حياتية مقابل الملك وضريبة للعزة التي كانت وبعثرت مع الأيام .
قراءة الوضع الذي كان وصار من خبر كان ليس من باب التشفي وإنما من باب العبرة لنأخذها بالاعتبار دروسا للفائدة ، ونذكر من أتو (بمشيئة الله ) أن كل شيء زائل وان الثابت هو اليمن ، وهذا هو محور الموضوع
اليمن خلال عام 2012م جاء ومعه رئيسا جديدا وحكومة جديدة ، الأول توافقي تعمد بالصندوق والثاني توافق وتراضي وكلاهما خيرٌ لليمن وان كان هذا الخير(التغيير ) يسير ببطء نسبي وغير مقدر من البعض بالضرورات المحيطة بمفردات وتفاصيل معركة التغيير التي يرتب لنقل اليمن من خلالها إلى واقع أفضل من ماضيها السيئ في العقود الماضية
عام 2012م كان أكثر الأعوام صعوبة وتعقيدا على كل مجالات الحياة بسبب مؤثرات وصدمة (الانتزاع) وهو مثل الذي يسلخ الشاة من جلدها وهي حية ، هذا هو التشبيه الأقرب لواقعنا السياسي الذي نسعى لتغييره والذي تعترضه الكثير من العوائق بهدف مقاومته وعرقلته وان تعددت مسمياته ،
العام الفائت كان الأمن والاستقرار هو عنوانه الأصعب باعتباره أكثر الملفات التي يراهن عليها ولشدة اثر هذا الملف على الحياة وباقي ملفات الحياة المعقدة ، والملف الأمني خلال العام المنصرم ناجحا بدرجة ممتازة مع ان صور الانفلات التي صاحبة أيامه خلال العام كانت بارزة ، وهنا تستدعينا الأمانة بضرورة التقييم الايجابي لهذا الملف من خلال وضع المعطيات التي ساهمت وكانت سببا للانفلات الأمني ومقارنتها بالمؤشرات الايجابية التي طالت هذا الملف وبقراءة حيادية سنتوصل الى ما ذكرته سابقا كنتيجة نهائية وهو النجاح بدرجة ممتاز ، حين استلم الرئيس عبد ربه منصور هادي السلطة في 21فبراير2012م ومن قبله حكومة الوفاق وكل أجهزة الأمن خاضعة لسيطرة الرئيس السابق ما عدا بعض التغييرات التي أجرتها الحكومة بواسطة قرارات من رئيس الوزراء الأستاذ محمد سالم باسندوة أو بقرارات من وزير الداخلية اللواء عبد القادر قحطان والرجلان محسوبان على القوى التي أيدت الثورة ، وقد رأينا أن قراراتهما كانت تلاقي كل أنواع المقاومة وعدم الامتثال بسبب السيطرة المحكمة من عائلة ورجال الرئيس الذي انتزع ملكه ،
الرئيس هادي والحكومة تسلما اليمن مجزءا ولم يستلموه كاملا وكل ما استلموه هو أنصاف بعض المحافظات ومنها نصف العاصمة وبعض المحافظات كان قد تغير اسمها وسلطانها مثل محافظة أبين التي أعلنت إمارة مستقلة وإمارة احتياط للرئيس المنزوع ومخلفاته من القاعدة وأنصار الشر ، إضافة إلى خروج خمس محافظات عن سلطة الدولة وكان للقاعدة المزعومة والممولة من الداخل كانت على وشك ان تبسط سلطانها على هذه المحافظات ، إضافة إلى خضوع أجزاء واسعة من المناطق العسكرية لسلطة الرئيس السابق وهذا الجزء كان يعمل بوتيرة عالية لتهديد امن اليمن مثل الذي كان عليه الحال في المنطقة الجنوبية التي كانت تجهز تنظيم صالح (عفوا القاعدة) بالمال والسلاح ونتج عن هذا عدد من الهزائم التي لحقت بالألوية المرابطة هناك .
الرئيس هادي استلم اليمن بدون كهرباء وماء و بدون مشتقات نفطية ، وما استلمه من اليمن عبارة عن متاريس وخنادق للاحتراب ، كل شيء كان أما مصادرا أو محتلا ومدمرا
القاعدة هي إحدى بشائر الشر التي بشر بها المنزوع بداية الثورة وهدد من كلية الشرطة بصنعاء ان القاعدة هي البديل وهو الصادق في هذا الأمر فهي المنجز الحيوي الذي ينطق بهواه يوميا
الرئيس وحكومته استلموا البلاد كخرابه كل شيئ مدمر وكل شيء تعرض للنهب والسرق وأنا اعتبر الرئيس هادي والأستاذ باسندوة من أشجع المسئولين وأكثرهم مغامرة بغض النظر عن الدعم المحلي والإقليمي والدولي الذي يلاقيانه لمساندة مهماتهما .
كان الرئيس السابق راهن خلال أيام الخلخلة على ملف الأمن وهو يدرك بخبرته ماذا يعني الأمن ، فتحول الرئيس السابق من القول (حسب كل المؤشرات) وبسبب الانتزاع الإجباري وهوس الكرسي الى الفعل وأصبح يدعم كل انواع وأشكال الانفلات ويغذيها بالخطط والأموال وكان للكهرباء والنفط والغاز والطرقات النصيب الأوفر من دوافع الزعيم المنزلي وكانت الاغتيالات السياسية التي طالت عشرات العناصر في جهاز الأمن السياسي خاصة والداخلية والقوات المسلحة ولا زالت تمارس بشكل مستمر إضافة الى الاختطافات المحلية واختطاف الأجانب والدبلوماسيين ، وكان الانفلات بارز وملفت ، وهذا هو الجانب السلبي لقراءة الملف الأمني
وفي الجانب الايجابي من هذا الملف وهو المهم حيث تم إحداث تغييرات جذرية كانت أشبه بالمستحيل لولا شجاعة الرئيس هادي ورئيس حكومة الوفاق لما تحققت هذه التغييرات فخلال العام 2012م تم استئصال يد العائلة من جهاز الأمن القومي المتمثلة بعمار محمد صالح الذي كان يقبض بقوة على كل مفاصل الجهاز وهو الذي كان يسير ويدبر إجهاض الأمن والاستقرار ، وهذه خطوة كانت جبارة وتم استبعاد مخلفات العائلة من أجهزة وزارة الداخلية من شرطة النجدة والأمن المركزي وقطاعات الوزارة وفروعها بالمحافظات والمديريات حتى وصلنا في نهاية المطاف ونهاية العام الى خلو الأجهزة الأمنية وباقي الأجهزة المرتبطة بالأمن كالقادة العسكريين والمحافظين ومدراء المديريات وغيرها ، خالية من عناصر ومخلفات الحكم العائلي ولا وجود لمقولة و قيران والعوبلي ولا القوسي ولا عمار ولا يحي ولا ..ولا .. والقائمة طويلة ، وعلى نفس المسار تم إزاحة كل عناصر التوتر وبؤر الشر والتمرد كالمحافظين ومدراء مديريات ووكلاء ورؤساء أقسام شرطة ووصلنا في النهاية الى حتمية فرض سياسة التغيير وتحويلها الى واقع اكبر وهو استعادة الدولة واستعادة اليمن
خلال عام 2012م تحقق للأمن في اليمن أعمال نوعية مثل الكشف والقبض عن كميات الأسلحة المهربة عن طريق الموانئ البحرية والبرية في أكثر من محافظة او في المياه الإقليمية وكذلك القبض على عدد من شحنات المخدرات المهربة اضافة الى المعدات التجسسية ومعدات الاغتيالات ، كل هذه العمليات اعتبرها أعمال نوعية لم نشهد مثلها في السابق ، ورغم الأعمال المضادة لمقاومة بسط الأمن في الطرقات والمدن الا ان الحكومة تبذل جهودا واسعة وما تحقق على المستوى يعتبر انجازا كبيرا بمقارنته بمساعي العرقلة المدعومة بميزانية اكبر من ميزانية بسط الأمن
ما تحقق على مستوى الأمن ممتاز لأنه تم استرجاع واستعادة هذه الأجهزة التي كانت مختطفة وأعيدت لليمن بعد سنوات من الاختطاف ، ومع هذا فإن الحالة الأمنية الراهنة ليست هي الحالة المطلوبة مع أن الواعيين يدركون حجم العراقيل التي تهدف لهدم جدار الأمن العام في المجتمع والدولة وبرأيي أنها مساعي الاحتضار الأخير لمخططات الشر المدروسة والممولة
غاب عنا 2012م وقد تحقق لليمن استعادة القوات الجوية والدفاع الجوي والمنطقة الجنوبية والشرقية والوسطى من سيطرة العائلة واستعاد اليمن سيطرته كليا على وزارة الدفاع واستعاد بالاستبعاد السيطرة على الأسلحة الاستراتيجية التي كانت تخضع لفرد غير مؤهل وخارج الشرعية واستعاد اليمن القوات الخاصة التي تم تحريرها أيضا، واستعاد دائرة التوجيه المعنوي ، واستعاد اليمن وزارة النفط والخطوط الجوية اليمنية والمؤسسة الاقتصادية اليمنية وشركة التبغ والكبريت إضافة الى المرافق الأخرى التي تحررت من سيطرة العائلة كالمالية والإعلام والموانئ والمطارات والمنافذ واستعاد اليمن موانئ عدن ، خلال عام استعاد اليمن وسائل الإعلام والمال والقضاء
واستعاد اليمن المؤسسة القضائية التي كانت تخضع لسلطة الرئيس المخلوع والقضاء هو أهم أركان الدولة وهيبتها ، واستطاع اليمن تحرير كثير من المؤسسات والمرافق الحكومية وكان قرار إعادة الهيكلة الخاصة بالقوات المسلحة من اقوي القرارات خلال عام 2012م وننتظر اقوي من تلك القرارات التي تطال عملية عرقلة التغيير إضافة الى قرارات تستعيد وزارة الأوقاف ومرافقها ووزارة الخارجية و التعليم العالي والصحة وبعض سفارات اليمن وقنصلياتها في الخارج ، وقرار خاص وضروري لإستعادة الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد التي يقع على عاتقها برنامج من أهم برامج استعادة الدولة وهو الوقوف على ملفات الفاسدين وممارساتهم التي لا زالت مستمرة ، لكن اليأس موجود ومهيمن على أي بوادر ايجابية في هذا الجزء لسيطرة الفساد واستحكام الفاسدين على الهيئة التي تحولت الى ملاذ امن للاستغلال الشخصي وتحقيق المنافع الشخصية للكثير من الرموز الفاسدة فيها ، كل هذا يجب ان تتم استعادته ، واستعادته يتطلب من فخامة الرئيس قرارا بتحرير القصر الرئاسي من الهيمنة وان تكون الهيمنة للرئيس دون غيره
وبمناسبة العام الجديد أسجل أمنياتي هنا وأملي من فخامة الرئيس ورئيس الحكومة والأجهزة العدلية والقضائية ان يعملوا جميعا لاستعادة أموال اليمن المنهوبة والمهربة في الخارج ، وإلغاء الحصانة التي تتعارض مع كل شرائع وقوانين الأرض والسماء إضافة الى تحرير القرار السياسي من التداخل والازدواجية بنقل مقيل المخلوع الى دولة أخرى حتى ولو الى حين لان مقيله أصبح وكرا من أوكار التربص باليمن ومستقبله وبفخامة الأخ الرئيس شخصيا ، كما أتمنى من الأخ الرئيس هادي أن ينهي ازدواجية القرار في حزب المؤتمر وإعادته من الاختطاف وان لم يستطيع فالحل آخر قرار
كل ما تحقق ليس هو المنشود ولكنه جزء من ذلك والمنشود في المرحلة القادمة هو تطهير المرافق الأمنية والعسكرية ودواوين الوزارات ومكاتبها من العابثين والناظرين للوراء وكل من له صلة او علاقة بماضي اليمن المرهق ، والدليل على ان بعض الأجهزة لا زالت موبوءة بعقلية الماضي هو ما حدث خلال الأيام الماضية للشباب في مسيرة الحياة الثانية من اعتداءات نفذت خلافا للتوجيهات وهو دليل يستحق التوقف عنده بالتطهير ، ومطلوب أيضا قرارات تهيئ المناخ أمام مؤتمر الحوار الوطني
اليمن يسير نحو استعادة الدولة وهذا ما نصت عليه قرارات الاخ الرئيس عبد ربه منصور هادي وقرارات رئيس الوزراء الأستاذ محمد سالم باسندوة وقراراتهما شهادة على نضالهما الماثل يوميا ونطالبهم بمزيد من القرارات ..كل عام وانتم واليمن بألف خير .. ودمتم