الجمعة ، ٠١ نوفمبر ٢٠٢٤ الساعة ٠٦:٤٦ صباحاً

مصر : المحنة والاختبار

عباس الضالعي
الخميس ، ٢٠ ديسمبر ٢٠١٢ الساعة ٠١:٤٠ مساءً
ثورات الربيع العربي التي اندلعت شراراتها من تونس في ربيع 2011م ووصلت شراراتها إلى مصر وليبيا واليمن وسوريا والبحرين وخلعت بن علي ومبارك وصالح وقتل القذافي وعلى الطريق بشار نجحت الثورة في شعوب هذه الدول وتعثرت في دولة واحدة هي البحرين لأسباب تتعلق بمصالح الغرب في آبار النفط.

الغرب تفاجئ بثورات الربيع العربي مثله مثل الحكام التي اندلعت في وجوههم ثورة مع فارق بسيط بين مواقف الغرب ومواقف الحكام الطغاة ، فالغرب خدع هذه الثورات بإعلانه تأييدها واحتوائها جزئيا والحكام بعضهم هرب بملابسه الداخلية مثل بن علي وبعضهم حاول مقاومة الثورة فتغلبت عليه وخرجوا مهزومين بعضهم الى السجن مثل مبارك وبعضهم الى القبر مثل المقتول القذافي وآخر الى الإقامة الجبرية الطوعية لحماية شخصه من يد الثورة التي قد تطاله كحالة مخلوع اليمن صالح والحالة المتبقية هي حالة بشار الأسد المدعوم دوليا لقتل الشعب السوري وإضعاف سوريا .

طغاة وحكام دول الربيع العربي جميعهم كان في حضانة الغرب وأمريكا مدعومين بشعارات جوفاء اثبتت الثورات زيفها ، وجميع هؤلاء الحكام عملاء من الدرجة الأولى ولا يمتلكون سلطة القرار وهم عبارة عن مفوض سامي او حاكم عسكري على شعوبهم ، وفضحت الثورة امرهم وعلاقتهم السيئة بشعوبهم كقادة ورقيين لا يمتلكون سلطة للقرار .

الدعم والتأييد الغربي لثورات الربيع العربي ، من هنا كانت الخديعة التي صاغها الغرب وأمريكا وقدمت كطعم مسموم لدول الربيع العربي التي تخلت سريعا عن عملائها من الطواغيت المخدوعين بهيبة الغرب وسيطرته وتفوقه وحزموا أمتعتهم في الحكم مبكرا وبأوجه مختلفة ونهاية واحدة ، الدعم والتأييد هو الخديعة التي تقبلتها القوى الثورية بتفاؤل وتعاملوا معها بنوايا ساذجة وطيبة مفرطة وكانت أكثر تقبلا عند التيارات الإسلامية التي كان لها الدور الريادي في التمهيد للثورة و تهيئة الأجواء أمام كل التيارات من خلال الشحن الجماهيري المتواصل خلال العقدين الأخيرين ، والإسلاميين وفي طليعتهم حركة الإخوان المسلمين كانوا القوة الضاربة شعبيا وإعلاميا لمواجهة الطغيان والديكتاتورية وصبروا وتحملوا كل أنواع التنكيل والتعذيب والتشرد وقاوموا آلة الحكام البوليسية والقبضة الأمنية والرقابية حتى استطاعوا اختراق جدار العزلة الذي كان قائما بينهم وبين التيارات القومية واليسارية والليبرالية ومنظمات المجتمع المدني التي تنشط تحت يافطات غير إسلامية او ذات طابع عدائي نسبي للإسلاميين .

مع هذا الاختراق وكسر حواجز الفرقة الذي توج بتوحيد الخطاب المعارض نسبيا في وجه الحكام الطواغيت وهذا التوحيد جاء تحت ضغط المعاناة كقاسم مشترك بين التيارات الإسلامية والتيارات الأخرى ، ناضلوا جميعا بواسطة تكتلات سياسية مختلفة وتوحدت كلمتهم ورؤاهم نسبيا في البرلمانات والنقابات وغيرها من النوافذ المتاحة والممنوحة من الحاكم الكهنوت ، و كان لهذه المعارضة في كل دولة انها تصدرت المشهد السياسي والجماهيري بقوة وكانت الهاجس الذي اقلق هؤلاء الحكام ما دفع بهم – الحكام – الى توفير قوانين مفصلة وقضاء مزيف بهدف عرقلة حركة المعارضة التي تتعاظم قوتها يوما بعد آخر حتى جاءت ساعة الصفر حين أضرم النار محمد بوعزيزي بجسده الذي احترق وكانت الشرارة التي لم تخطر على بال هؤلاء الطواغيت وبال المعارضة ، لكن النار التي أحرقت جسم التونسي بوعزيزي أشعلت النار التي كانت تحت الرماد وتطايرت الى أكثر من دولة .

مصر هي الدولة الثانية وكانت على موعد مع حتمية الثورة وكان لها أن اندلعت في مشهد لن يتكرر من حيث سلميتها وعددها وتفاعل كل القوى والتيارات تحت لوائها وكان الكل يدا واحدة وهدف واحد وشعار واحد ، تحقق الهدف وانتصرت الثورة والإرادة وصنع المصريين بثورتهم التي أبهرت العالم واقعا جديدا ومستقبلا يؤهلهم لتصدر المشهد العربي والإسلامي من جديد ، انتصرت مصر تحيا مصر .

مصر ضحية الخديعة الكبرى
في مصر اندلعت أضخم ثورة واقتلعت مبارك الذي كان من المستحيل اقتلاعه وكان هذا بفضل المعارضة التي وحدت صفوفها ، وكان للإخوان المسلمين في مصر اليد الطولى في حشد الجماهير ودعم الجبهة الثورية نظرا لما تتمتع به من بنية تنظيمية قوية وشعبية جماهيرية على كل الأرض المصرية
أثناء الثورة تباينت مواقف الغرب وأمريكا وكانوا يرسلون رسائل وإشارات بعضها ايجابية وبعضها سلبية لكنهم لن يكرروا الغلطة التي ارتكبنها معظم الدول الغربية مع الثورة التونسية الذي كانت مفاجئة لهم ، وكانت مواقفهم يسودها الانتظار وتعاملوا مع الأطراف الثورية والحاكم بمستوى من الحذر ولم ينحازوا في البداية مع أي طرف ، حتى بان الخيط الأبيض من الأسود وهو انتصار الثورة وبالطبع الغلبة فيها للإسلاميين وهذا قاسم مشترك لكل ثورات الربيع العربي ، هنا بدأ الغرب يرسل رسائل المكر والخداع للإسلاميين باعتبارهم الحكام الجدد سواء في الحكومات الانتقالية او الحكومات التي جاءت بعد الانتخابات
فوز محمد مرسي مثل هاجس سيئ للقوى الغربية ومصر التي لها وضع خاص بسبب مكانتها في المنطقة ولها أهمية إستراتيجية بالنسبة للغرب والمتمثلة بأمن إسرائيل ، مصر على مدى أكثر من ثلاثة عقود مضت وهي الأمين على امن اسرائيل وهذا هو الدور الذي على ضوءه تقاس علاقة مصر بالقوى الكبرى ، والتغيير الذي تحقق في مصر وبرز الإسلاميين كقوة رئيسية لا يمكن تجاهلها وهذا ما أظهره الغرب في مواقفه تجاه صعود الإسلاميين في مصر وكأن الأمر لا يمثل فارق كبير بالنسبة له ، هنا انخدع الإسلاميين قليلا وتعاملوا مع الغرب بحسن نية مفرطة دون ان يدركوا استراتيجية الغرب وموقفها من الإسلام كدين والإسلاميين كتيارات تسعى للحكم وفق الشريعة الإسلامية وهذا يعني للغرب دولة الإسلام التي كانت أيام الخلافة في العهود الماضية.

الغرب يفهم استراتيجية الإسلاميين السياسية ويفهم جيدا كيف يفكرون ويفهم أن فوز الإسلاميين الآن او بعد حين يعني بداية زوال إسرائيل وتحرير الأمة كلها من التبعية الاستعمارية الاقتصادية والثقافية والإعلامية وهذا يعني تغيير قواعد اللعبة وتفكيك منظومة السيطرة والاحتكار وبداية العد التنازلي لاستعادة فلسطين كل فلسطين.

حاول الغرب من خلال القوى التي تدين له بالولاء عرقلة فوز محمد مرسي أثناء فرز نتائج الانتخابات ولم تتهيأ لهم الظروف الموضوعية وتقبلوا فوزه بمرارة ، وأعلنوا مباركتهم له وكأن الأمر طبيعي لكن ما لم يكون طبيعيا هو فوز الإسلاميين بالحكم وخاصة في مصر التي تعتبر منبع الحركة الإسلامية وما يقلقهم أكثر هو وجود اسرائيل على حدود هذه الدولة التي يحكمها الإسلاميين.

اشتغلت دوائر صنع القرار الغربي / الإسرائيلي بقوة للعمل على إجهاض حكم الإسلاميين عملوا بصمت وهذا كان ما لا يدركه الإسلاميين الذين ركنوا الى التصريحات التي صدرت من هنا وهناك والزيارات المتبادلة ، ولم يدركوا القوى الثعلبية التي تركها مبارك والتي ترعرعت على موائد العمالة وتسللوا بواسطتها للتخطيط لإرباك مرسي والحكم الجديد في مصر ، احد الدوائر التنفيذية للمؤامرة تمثلت في جبهة القضاء الذي يتخندق وراء بعض الصلاحيات والاستقلالية واستغل بعض الثغرات ونسيت الطبقة الجديدة في الحكم المرتكزات التي كان يجب تقليمها أولا قبل أي شيء .

صدرت بعض الاستفزازات للرئاسة والعهد الجديد كانت البداية مع إلغاء مجلس الشعب المنتخب دون مراعاة لمشاعر الناخبين ونزاهة الانتخابات وكان القانون الانتخابي ذريعة لإلغاء المجلس وهو سابقة في الدول الديمقراطية مع ان المؤامرة كانت واضحة ولو كان هناك نزاهة للقضاء وحيادية كان بإمكانه إلغاء القانون قبل تطبيقه او إلغاءه فقط دون الغاء البرلمان وتحدي إرادة الناخبين .

اخذ القضاة على عاتقهم مسئولية التكفل بإجهاض حكم الإسلاميين وكان الاتجاه هو إلغاء مجلس الشورى و اللجنة التأسيسية وإلغاء شرعية مرسي من خلال الغاء الانتخابات ، كان هذا هو الاتجاه العام للقضاء المصري وكان الإعلان الدستوري الأخير في 22 نوفمبر الماضي بمثابة الذريعة التي أسندت المؤامرة ووفرت لها الأسباب الموضوعية والقانونية وجاءت بعد أيام من قدرة مصر محمد مرسي على وقف الحرب العدوانية الصهيونية على غزة الذي كان للموقف المصري دور حال دون استمرار العدوان ، وكان الموقف المصري مغاير للدور الذي كانت عليه خلال العقود الثلاثة الأخيرة وقيامها بإقفال المعابر وتجويع الفلسطينيين في غزة أكثر من تجويع الصهاينة لهم ، في هذه الحرب فتحت المعابر وفتحت الأجواء للتحليق من اجل غزة وشهدت غزة زيارات تضامن عربية وإسلامية رسمية وشعبية طوال أيام الحرب وكانت القاهرة عبارة عن غرفة عمليات من اجل غزة وبسبب الموقف المصري الذي يعد أول موقف من هذا النوع الفلسطينيين سببا للنصر وهزيمة الصهاينة
العقاب السريع لمرسي مصر.

الهزيمة التي لاقتها إسرائيل في حربها على غزة لم تتوقعها هي وكذلك القوى الداعمة لإسرائيل ومن ضمنها الدول العربية التي تدين بالولاء للغرب ، والنصر العسكري والسياسي للفلسطينيين في غزة والموقف المصري الجديد والقوي والمغاير أيضا سجل إزعاجا للقوى الغربية والعربية التآمرية وسحب البساط من تحت أقدامهم واستحوذت مصر مرسي بمفردها كلاعب جديد وقوي وكان هذا الموقف سببا لهزيمة إسرائيل ، وهذا الأمر دفع بقوى التآمر للسعي لخلع مرسي بأي ثمن وبأي حجة ، وكان للرئيس مرسي ان منح هذه القوى الذريعة والحجة سريعا من خلال الإعلان الدستوري وتحصين قراراته من المحكمة الدستورية الذي كان يدرك أنها بؤرة المؤامرة لكن ما غاب عن بال الرئيس ومستشاريه هو تحصين الجبهة الداخلية قبل تحصين القرارات ، و إصدار الإعلان بالشكل الذي خرج به كانت الثغرة واضحة وهو ما استفز الجماهير والقوى السياسية مع أن القضاء المصري لم يكون على هذا المستوى من الحرص أيام مبارك وأيام المجلس العسكري ، وتعيينات القضاة كانت سياسية ولا تعتمد على المهنية او الحيادية كشرط للتعيين ، بينما تخضع التعيينات لمستوى ودرجة القابلية والرضى من الحاكم وهذا ما يدل على أنها سياسية.

أدوات المؤامرة "محلية "
الوضع الذي تفجر أخيرا في مصر وخاصة في وجه الإسلاميين وتحديدا الإخوان المسلمين هو تنفيذا لحلقات المؤامرة نتيجة الفزع الغربي والعربي الخليجي من حكم الإسلاميين وهذه المؤامرة يتم تنفيذها عبر حلقات ودوائر أدواتها المباشرة بعض القوى السياسية والأشخاص التي يرتبط الكثير منها بالدوائر الاستخبارية الاجنبية والاستخبارات المصرية ايام مبارك وبعض دوائر الاستخبارات العربية وخاصة الخليجية ، رغم ان هذه القوى والشخصيات كانت الى قبل فترة بسيطة عبارة عن قوى مبعثرة تعاني من التآكل والتصدع وتتخبط دون استراتيجية سياسية أو تنظيمية ، وكان للإخوان المسلمين رغم الحظر الذي كان قائما على جماعتهم دورا أساسيا في انتشال هذه القوى وتشجيعها وبث الروح الايجابية في مكوناتها وهذه احد أركان الفخ الذي وقع فيه الإخوان المسلمين ولم يدركوا ان اللاعبين الأساسيين داخل هذه القوى يرتبط أغلبيتهم بدوائر استخبارية تم تجنيدهم على أساس الحرب على الإسلام أولا والإسلاميين وهذا هو المغزى أو الهدف العام للمؤامرة
والمؤامرة التي كانت تهدد مرسي وزوال حكم الإسلاميين في مصر تنفذ عبر احزاب ومنظمات و شخصيات تدعي أنها مدنية ووطنية وبدعم وتمويل خليجي ، والأحداث الأخيرة أظهرت حقيقتهم وان المدنية والديمقراطية مجرد شعارات غير قابلة للتطبيق و وظهروا وكأنهم بعيدين كل البعد عن الحس الوطني والالتزام الديمقراطي الذي هو احد أركان المدنية ، ويأتي في مقدمة هذه الشخصيات محمد البرادعي وعمرو موسى والسيد البدوي وحمدين صباحي وبعض النشطاء السياسيين والإعلاميين في بعض القوى المحسوبة على الثورة ، هؤلاء هم الذين يقودون العمل في الواجهة ويستندون الى المستشار الفاشل احمد الزند الذي اشرف على تزوير الانتخابات الأخيرة أيام مبارك وكانت نسبة التزوير فيها 90% وبمعرفة كل القضاة الحاليين الذين يدعون النزاهة والاستقلالية والحياد المهني ، وهو ما لم يسمعه المصريين منهم خلال فترة حكم مبارك كلها ، ومن اجل تقريب الحقيقة أكثر وتوضيح الصورة أن القضاة الذي يتم تعيينهم كرؤساء محاكم ونيابات وهيئات قضائية أخرى هو أن من كان يشرف على تعيينهم هو حبيب العادلي و جهاز المخابرات التابع للداخلية.

فريق جبهة الإنقاذ المكون من البرادعي وصباحي وموسى والبدوي هو النسخة الكربونية لفلول مبارك مع استثناء البرادعي الذي يرتبط بدور سياسي أكثر قذارة وهؤلاء هم الرموز التي صنعها مبارك والمعروف عنهم سكوتهم على كل مخالفات مبارك ولهم ارتباطات قوية بإجهاض الدور المصري الذي تقوقع وانفصل عن امتداداته الطبيعية والاستراتيجية واكتفى بحراسة اسرائيل والحفاظ على حدودها كمهمة إستراتيجية لقيادة مصر تضاف الى مهمتها الأخرى وهو مكافحة المد الإسلامي بكل الوسائل.

اليوم مصر تتوغل فيها العمالة أكثر من أي وقت مضى وفريق تجنيد العملاء يسعى إلى استقطاب الفريق الذي كان يعمل مع مبارك والمسمى الفلول لأنه الأكثر تفاعلا وهو المستفيد من إعادة النظام السابق كإسلوب مثالي للحكم وبدون مبارك المريض ، التيار القومي الذي احد إفرازاته النتنة هو حمدين صباحي وبعض القيادات التي تختبئ وراء قومية عبد الناصر والقومية العربية وعمليا لا توجد بينهم أي روابط مع القومية وعبد الناصر ولا يمكن لمن يدعي القومية العربية او الانتماء الناصري ان يعتمد على دعم إيران وهذه من الفوارق العجيبة والغريبة وموضوع دعم ايران لهذه التيارات موضع شك وريبة ، والقوميين في مصر أصبحوا احد البؤر المشبوهة بالعمالة والتآمر وهؤلاء القومجيين لم يسجلوا مواقف واضحة تتناسب مع القضايا التي تستهدف العرب ، بل أصبح القومجيين عبارة عن أدوات سهلة للتآمر على الوطن العربي وان القومية التي يستظلون تحت شعاراتها هي وسيلة للارتزاق أكثر منها للعمل السياسي وان القيادات القومية والعناصر الفاعلة تتقبل المساهمة والمشاركة مع الغير لاستهداف أوطانها