السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٢:١٦ مساءً

عن الحِراك الجنوبي والإصلاحات والوحدة

جلال غانم
الأحد ، ١٦ ديسمبر ٢٠١٢ الساعة ٠١:٤٠ مساءً
التحولات الديمقراطية في بُلدان العالم الثالث دائما تمر بمنعطفات وعثرات كبيرة لا يُمكن تجاهل حلقات الجهل والفساد وسُلطة الدين والعسكر فيها ومدى تأثيرهم في إحداث اتجاهات السُلطة من أجل خدمة مصالح قوى بعينها خارج نطاقات القانون مصحوبة بعدمية الحُرية والمُساواة والحُكم الرشيد .
اليمن كغيرها من البُلدان مرت بهذه المراحل والمنعطفات والتي لم تستطع أن تخرج من حلقة التفتيت التي تُعانيها خاصة بعد انفجار ربيع اليمن وما أحدثه من فراغ في السُلطة خاصة في الجانب الأمني والاقتصادي .
فهُنالك حلقة مفقودة في قوة السُلطة ومدى تغلغلها في أيادي نافذة اتخذت من الثروة والثورة قوة للتحكم في مصير البلد وتجزئة مُدخلاتة واختصار غليان الشارع في مُبادرة قاصرة قتلت أحلام البعض ومنحت البعض الأخر فُرصة للحُكم الناقص (تحت الحصار) .
في ظل غليان الوضع وعدم اقتناع البعض في النتائج والنقاط التي وصلت إليها الثورة والتي تم تجزئة مساراتها وتفصيلها حسب مقاس كُل جماعة وكُل حزب لم تتحقق أي نتائج مرجوة في الخارطة الوطنية للتقدم بالعملية السياسية إلى الأمام .
تقدم العملية السياسية والتي تعني بالأصح خارطة الإصلاحات السياسية وإصلاح مسار الثورة ومدى تعاطيها مع القضية الجنوبية بكُل أبعادها خارج حسابات القوى النافذة وهذه الأبعاد في النتائج والحُلول المُفترضة هي من شأنها أن تضع تصور وطني للملمة الفراغ القانوني والدستوري وإصلاح المسارات الأمنية وإعادة هيكلة الجيش وغيرها من القضايا المُهمة .
هذه الأولويات عانت من تصلُب قوى الحُكم في إحداث أي تقدم لحُلول آنية مُفترضة وتحولت إلى طُرق لخدمة أشخاص وجماعات نافذة في الحُكم لإعاقة أي تقدم في هذه المُقترحات والافتراضات .
بعد تاريخ 30 نوفمبر هذا العام والذي رأى العالم بأم عينية مليونية الحراك لجنوبي المُنادية بفك الارتباط عن نظام صنعاء نحن للأسف انشغلنا في فضائياتنا في عكس الصورة للرأي العام أن الأمور بخير ومؤتمر الحوار الوطني سوف يضع النقاط على الحُروف وسوف نكون أفضل في مُقابل غليان الشارع الجنوبي بكُل أطيافه دُون استثناء لأنهم أدركوا أن الحُلول التي نضعها قاصرة ولم تعُد تُلبي طُموحهم في الشراكة الوطنية وشراكة دولة الوحدة .
الحُلول المرحلية التي طالب بها أبناء الجنوب من بعد حرب صيف 94 كانت تتمثل في إصلاح مسار الوحدة في حين كانت قوى الشمال تعتبر أن أي من ينتمي للحزب الاشتراكي ولو انتماء تنظيميا يعُتبر شيء من الخطيئة والكُفر لتستمر حالة الكبت في الشارع الوطني كي تتطور مراحل المُطالبات برد الحُقوق والمُسرحين قسريا لتتطور بعدها إلى تأسيس قوى جديدة المُمثلة في الحراك الجنوبي السلمي والذي مثل مرحلة مفصلية في عُمر القضية ليُكرسوا نفس المطالب المشروعة والتي لم تجد أي تجاوب من القوى الحاكمة في صنعاء هذه كانت حُلول آنية تُناسب كُل مرحلة في عُمر القضية الجنوبية .
اليوم لم يعد الاقتراب من عُمر هذه القضية إلا بمُعالجة آنية تنُاسب طبيعة الظروف الحالية والمتمثلة وفق رؤية الشارع الجنوبي في فك الارتباط عن نظام صنعاء كخيار نهائي لا رجعة فيه .

يا تُرى ما هي هذه الحُلول الآنية المُترتبة دون انسلاخ البلد وتشظية سياسيا وتنظيميا ؟

هذا السؤال والذي يدور في عُقول الباحثين والمُثقفين في شمال البلد وجنوبه بحاجة اليوم إلى أن نجد نقطة اتصال مُقنعة لقيادات الجنوب لبدء شراكة جديدة معهم خارج مفهوم السلب والعِرق والقبيلة .

حالة القلق التي تُدار بها البلد سبب فراغ في مفاصل السُلطة في صنعاء مع ازدياد نُضج القضية الجنوبية ودُخولها مراحل جديدة في النضال من أجل أن ترى قضيتهم هدف عادل المُتمثل في عدالة القضية إنسانيا وسياسيا وعلى كُل الأصعدة .

نحن اليوم بحاجة إلى وضع تصور آخر غير فكرة الذهاب لمؤتمر حوار وطني لن تحضره إلا قادة الأحزاب الدينية والقبلية والقوى النافذة والاستفزازية كي يقفزوا على ظهر أي خيار مُمكن للحُلول المُقنعة.

هذا ما تعيه القوى الجنوبية حاليا من جدوى الحوار مع أطراف هذه السُلطة إلا بالتفاوض وفق قوى وثُقل سياسي جديد وضمانات دولية تُمكنهم من انتزاع ما لم يستطيعوا أن ينتزعوه طوال عُقود من الزمن في عُمر قضيتهم العادلة .

ولأننا كيمنيين مُثقفين بمُختلف مشاربنا ننظر إلى الوحدة كمصلحة وكعائد لكُل طرف يمني وكعامل قوة في إحداث نقلة نوعية في التنمية وفي الجانب الاقتصادي الذي يُعاني اليوم من مراحل موت نهائية يهمُنا أن نعي جيدا أن الطريق للحُلول الحقيقية تبدءا في تنظيف نظام الحُكم من كُل القوى التي هي طرف في الأزمة الوطنية قبل البحث عن أي شراكة مُمكنة وقبل الذهاب للحوار الوطني المجهول الهوية .