الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٠:٠٤ مساءً

مصرع ابتسامة الصحافة اليمنية

د. أحمد عبيد بن دغر
الخميس ، ٠١ يناير ١٩٧٠ الساعة ٠٣:٠٠ صباحاً
في حادث سير فاجع، فقدت اليمن واحداً من ألمع الصحافيين وأكثرهم التزاماً واحتراماً لأخلاقيات مهنة المصاعب والمتاعب، ولم يكن حميد شحرة الذي رحل في ريعان الشباب واحداً من ألمع الصحافيين في البلاد فحسب بل كان واحداً من ألمع الكتاب الواعدين والمهتمين بقراءة تارخ الحركة الوطنية اليمنية بقدر كبير من الإخلاص ومسؤولية التصدي لما طال هذا التاريخ من تجن واستخفاف. وكتابه الأول (مصرع الابتسامة) عن ثورة 1948م الدستورية مهما كانت الملاحظات عليه يعد واحداً من أنضج المراجعات لفكر الطليعة الثورية التنويرية وجهداً متميزاً يحرض على مناقشة بعض القضايا المسكوت عنها في تاريخ هذه الحركة التي قادت الى التغيير في ظروف غاية في التخلف وغياب أبسط الإمكانات.

بعد ظهور كتابه “مصرع الابتسامة” جاءني حميد حاملا بتواضع شديد نسخة منه عليها إهداء بخط نحيل جميل يشبه صاحبه، ويعكس بكلماته شعوره النبيل، وطلب مني في ذلك اللقاء وهو الأول أن أقرأ الكتاب وأكتب ملاحظاتي عليه، وأن أقول بصراحة كل ما أراه مخالفا من وجهة نظري الخاصة لما ذهب اليه، وبعد أيام اتصل بي هاتفياً يسأل هل قرأت الكتاب، وهل من ملاحظات. كنت قد قرأت الكتاب ودونت كثيراً من الملاحظات التي له والتي عليه، لكنني رجوته أن نلتقي، لأنقل إليه ملاحظاتي شفهياً لعله يفيد منها اذا ما أعاد طبع الكتاب، لكنه لم يأت ربما لانشغاله بأعماله الصحافية وانهماكه في الإعداد لإخراج صحيفة “الناس” التي شكلت مطبوعة متميزة في المضمون والشكل بالاضافة الى موقعه الإخباري على الانترنت (ناس برس).

وكان من بين أهم الملاحظات التي رصدتها أن الكتاب الذي ركز على علاقة الأحرار بالإخوان المسلمين في مصر، فاته إن يتوسع في الحديث عن محاولة النظام البائد الالتصاق بالإخوان المسلمين وإقناعهم بأنه النظام الإسلامي الوحيد في الوطن العربي الذي يسير على مبادئهم، ولذلك فقد أمدوه بالمستشارين والمدرسين. ولو لم تنجح حركة الأحرار في الوقيعة بين النظام والشيخ حسن البنا وجماعته لكان الإخوان قد تبنوا موقف النظام وسارعوا الى الدفاع عنه عربياً، ورسالة الإمام يحيى المثبتة في الكتاب الى الشيخ حسن البنا واحدة من أهم الوثائق، التي تثبت ذلك التعاون.

وبعد فترة قصيرة جاءني حميد ليبشرني بما حققه من جهد صحافي وبما ينوي القيام به من دراسة تاريخية معمقة لمرحلة ما بعد 1948م وأنه يحتاج الى مزيد من المراجع، وأدركت يومئذ انه من قلة نادرة من الباحثين الذين لا يكتبون حتى يجمعوا وثائقهم المؤكدة، وكان لنا بعد ذلك لقاء آخر في منزل المناضل الكبير القاضي عبدالسلام صبرة استغرق جزءاً من حديثنا الطويل عن كتاب (مصرع الابتسامة) وعن ضرورة إخراج طبعة جديدة منه تستوعب بعض الملاحظات التي من شأنها أن تعزز أهمية الكتاب بوصفه واحداً من المراجع المهمة عن حقبة من تاريخ اليمن الحديث تحتاج الى كثير من الدقة ومزيد من الإنصاف.

حقا، لقد فقدت اليمن بغياب حميد شحرة صحافياً متمكناً وكاتباً على درجة عالية من الأخلاق والارتباط بالقيم، فما أكثر الصحافيين والكتاب في الوطن العربي ولكن ما أقل الجادين والصادقين بينهم، وقد أثبت حميد بالتجربة والأفعال وليس بالأماني والأقوال أنه صاحب مبدأ لا يحيد عنه، تجلى ذلك في صحيفة (الناس) التي أنشأها وأدارها باقتدار وبحرص على أن تجمع في تحريرها ألوان الطيف السياسي، مع الالتزام الصارم بالبعد عن الإسفاف والسقوط في درك النميمة وإشعال الحرائق المصطنعة والبحث عن موضوعات سطحية وعابرة بحجة استقطاب القراء حسب زعم الصحافيين الفاشلين الذين احترقت صحفهم بنيران الإثارة في أقصر وقت من الزمان.

أخيرا، لقد ارتبط اسم الكاتب والصحافي حميد شحرة بكتابه الذائع الصيت (مصرع الابتسامة) وعندما وافاه الأجل في حادث سير فاجع ثاني أيام عيد الفطر كان رحيله المفاجئ مصرعا حقيقيا للابتسامة على شفاه زملائه ومحبيه وقرائه وما أكثرهم، وما من شك في أن غياب مثله في بلد يفتقر الى المواهب الجادة في كل مجال يعد خسارة كبيرة وانطفاء لمشروع على درجة عالية من الأهمية الفكرية والوطنية .

* نقلاً عن صحيفة الخليج الإماراتية