الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠١:٠٢ صباحاً

مجلس النواب اليمني من منظور سكاني!!!

د . عبد الملك الضرعي
السبت ، ٠٨ ديسمبر ٢٠١٢ الساعة ١٠:٤٠ صباحاً
تمثل المجالس النيابية في العالم المعاصر إحدى الطرق التي يتم من خلالها اشراك المجتمع في سن القوانين ومراقبة السلطة التنفيذية ، من خلال انتخاب ممثلين لكل مجموعة سكانية حسب ما يتوافق عليه بتحديد الحجم السكاني لكل دائرة انتخابية ، ويفصّل القانون إجراءات العملية الانتخابية ومدة الدورة الانتخابية حيث تحدد في غالبية دول العالم بأربع سنوات ، وفي الجمهورية اليمنية في آخر تعديل دستوري تم زيادة عام على ذلك المعدل ، ومع ذلك تم التمديد لمجلس النواب الحالي عدة مرات ويتوقع في حال التمديد لرئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي لعامين إضافيين كما تناولت بعض وسائل الاعلام أن يمتد ذلك التمديد إلى مجلس النواب.

إن مجلس النواب يقوم على عقد بين أفراد الشعب وممثليه ولا يجوز لهم تمديد ذلك العقد إلا بعد الرجوع لمن انتخبوهم ، أما في الحالة اليمنية فأمر غريب حيث مدد أعضاء مجلس النواب لأنفسهم سنوات إضافية دون الرجوع لمن انتخبوهم ، وذلك يخالف نظام عقود التوكيل المحددة بفترة زمنية من منظور قانوني ولو سئلنا قانونياً: هل يجوز للموكَّل أن يمدد لنفسه دون الرجوع للموكِّل؟؟؟ يقول لك حتماً لا فالعقد شريعة المتعاقدين ، وذلك ينسحب على مجلس النواب اليمني الذي مُدد له عدة مرات دون الرجوع إلى الشعب.

بعيد عن الجوانب القانونية للتمديد لمجلس النواب اليمني أشارت بعض المواقع الإلكترونية إلى اعتماد حكومة الوفاق الوطني حوالي(903) مليون ريال أي بواقع ثلاثة مليون لكل عضو مقابل شراء سيارة ، وإذا كان ما نشر صحيحاً فإننا ذلك الإنفاق غير مبرر لوجود إشكاليات تتعلق بطبيعة التمثيل الفعلي لسكان اليمن بحسب خصائصهم السكانية الحالية ، ويمكن أن نطرح وجهة نظر تتصل بمدى صواب التمثيل من منظور سكاني وذلك من خلال العناصر التالية:

1- صوت ضمن انتخابات مجلس النواب السابقة عدد من السكان توفاهم الله تعالي خلال السنوات الماضية ، وكون معدل الوفيات الخام في الجمهورية اليمنية حسب تعداد2004م يصل إلى (8.99)في الألف سنوياً فإن المعدل التراكمي خلال عشر سنوات سيصل إلى (89.9)في الألف من إجمالي السكان ، وكون تعداد سكان الجمهورية عام 2004م بلغ حوالي(19.7)مليون نسمة بدون المغتربين في الخارج ، فإن إجمالي العدد المتوقع من الوفيات سيبلغ(1.8)مليون نسمة باستثناء الوفيات الناجمة عن الصراعات المسلحة خلال العشر السنوات الماضية ، ولو استبعدنا معدل وفيات الأطفال فمن المحتمل أن يصل معدل وفيات الراشدين إلى ما يقرب من مليون ونصف ، وكون المسجلين في جداول قيد الناخبين وصل إلى حوالي(47%) من السكان حسب بيانات الانتخابات الرئاسية لعام2006م ، فإن احتمالات الوفيات من المسجلين في جداول قيد الناخبين قد تصل إلى ما يقرب من(750)ألف فرد ، وهؤلاء رحمهم الله جميعاً لم يعد مجلس النواب الحالي يمثل شيء بالنسبة لهم.

2- الأفواج العمرية من الأطفال الواقعين تحت السن القانونية(18)سنة عند إجراء الانتخابات السابقة لمجلس النواب ووصلوا الآن إلى السن القانونية ، وهؤلاء كانوا يمثلون حوالي(25%) من السكان أي ما يقرب من(4.9)مليون نسمة ، هؤلاء أصبح عمر الفوج الأول منهم(27)سنة والأخير(18)سنة ، أي أن ضمنهم الشباب من حملة الشهادات الجامعية وحتى المرحلة الثانوية ، هذه الفئات الشابة أيضاً لا علاقة لها بالتفويض الممنوح من آبائهم لأعضاء مجلس النواب الحالي ، فلهذه الفئة الشابة طموحاتها ورؤاها المستقبلية التي تود أن تراها فيمن يشرع لحاضرهم ومستقبلهم ، هذه الفئة هي التي قدمت غالبية شهداء وجرحى ثورة الشباب الشعبية السلمية بغية إحداث التغيير المنشود ، هذه الفئة اليوم تعاني من النصيب الأوفر من البطالة والتهميش السياسي ، إن بناء مستقبل اليمن مرهونٌ بمدى مشاركة هؤلاء في عملية التنمية بأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، ويشكل صعود هؤلاء إلى المجلس النيابي وبصورة عاجلة البداية الطبيعية لرسم مستقبل اليمن ، فمن سنة الله تعالى تعاقب الاجيال في بناء الأوطان ، فدورة الحياة تقتضي أن نرى وجوهاً شابة تملك من المعارف والمهارات والاتجاهات ما يمكنها من أحداث التحولات التنموية الشاملة والمستدامة .

أخيراً ما سبق لا يمثل رأياً يهدف إلى النيل من مجلس النواب الحالي الذي يحمل في عضويته قامات وطنية مشهود لها بالنزاهة والكفاءة ، ولكننا نعتقد أن طول فترة وجود هؤلاء في مجلس النواب يفقد المجلس زخمه وشبابه ولا يعكس حقيقة الفئات الناخبة بحجمها السكاني الراهن ، ونعتقد أن لهؤلاء أدواراً وطنية أخرى تتناسب مع خبراتهم السياسية والاجتماعية يمكن أن يمارسوها فالوطن بحاجة لكل أبنائه بكل مكوناتهم وفئاتهم العمرية لصناعة المستقبل ، أما أن تبقى مؤسستنا الوطنية التشريعية والتنفيذية على هذا القدر من الركود فذلك لن يمكّن اليمنيين من إحداث التغيير الإيجابي الذي يهدف إلى إعادة صياغة الحاضر والمستقبل برؤية تحاكي العصر الراهن ، وتعكس طموحات الأجيال الجديدة من رجال ونساء هذا الوطن .