الرئيسية / كتابات وآراء / عطش الأمومة ( 10 )

عطش الأمومة ( 10 )

عباس القاضي
الثلاثاء , 20 نوفمبر 2012 الساعة 03:40 مساء
الصمت يخيم على المكان ، لا شيء غير الدموع ، والملفت للانتباه أن فاكر كان أكثرهم تأثرا ، لم يستطع أن يكتم مشاعره ،، وهو يتلقى درسا ، كيف يكون الحب .
فقد كان إبراهيم يتكلم ، والشريط يمرأمام فاكر، يرى من خلاله لحظات التودد من زوجته نبيلة ، التي فرط بها استهتارا ، ونكرانا لعواطفها .

مسحوا دموعهم بما فيهم إبراهيم ، إلا فاكر ، فما زال الدموع تسح من عينيه ، وأزيز صدره لم يهدأ .
فاكر ، ما بك ؟ إبراهيم انتهى من كلامه ، قال له الأخ الثاني الأشد ذكاءا ، وأردف أخوه الأكبر : نخشى يا فاكر أن تنهي المشهد بقفلتك المشهورة : أنا أمزح ،،، فضحكوا جميعا بما فيهم إبراهيم ، حتى فاكر نفسه كرع بالضحكة معهم والدموع في عينيه ، قالت له فدوى : هل بكاؤك هذا تأثرا بحكاية إبراهيم ؟ قال لها : حكاية إبراهيم هي الشرارة الأولى التي أشعلت \" يباس \" غابتي العاطفية ،، فقد كان الزواج في مفهومي ، ليس أكثر من حالة فسيولوجية ،، والبركة في هذه الأسرة الكريمة ، التي كان يقتصر اهتمامها بالكتب وشهادات التقدير .

لقد جاءت نبيلة من أسرة متماسكة عاطفيا ، وهذا لم أعرفه سابقا ، ولكني اكتشفته الآن ، وإبراهيم يحدثنا عن نادية ،، فقد كنت غير مهتم بنبيلة ، ولم أرو عطش عاطفتها ، ولم أراع حنينها إلى الأمومة ، عندما رفضتُ الخلفة بدعوى التأجيل لمدة خمس سنوات ،،، كنت أعود إلى البيت متأخرا ، فأجدها بجانب الباب تنتظرني ، أفسر هذه الموقف بأنه لمجرد أن تفتح لي الباب ،، ولم أدرك أنها كانت محتاجة لي ،، أنام بجانبها ،، وأنا أحضن المخدة .

ونظر إليهم وهو يقف ، كأنه سيقوم بأداء البيان رقم واحد ,, قائلا : ما رأيكم أن أتصل بها الآن وتساعدوني بكلمة منكم تؤكدوا لها أنني قد تغيرت ،، بحيث يكون هذا الاتصال بمثابة انقلاب في حياتنا .

رفع الهاتف ،، ضغط على الأرقام ،، بالطرف الآخر تجاوب نبيلة ،، تكلم معها ،،، اعتذارا ، وعبر لها عن شوقه ووجدانه،، ثم ناول الهاتف لأبيه فكلمها ثم لـ جنى ،، وأخيرا فدوى ،،، وعاد إليه هاتفه ليسمع أجمل عبارة في حياته \" على بركة الله \" .

أين العشاء ؟ تساءل الأخ الثاني الأشد ذكاءا ، وأردف : وإلا جئنا لنشاهد مسلسل \" الحب والدموع \" ؟

تبسم إبراهيم ضاحكا من هذه الأسرة الغريبة العجيبة ، التي تشع جمالا وألفة ،،، ثم قال : أشكركم على سعة صدوركم ، فقد أفرغت صدري لأنني وحيد ، لم أجد من يسمعني ،،، أنا الآن أشعر بارتياح بعد هذا البوح ،، ولي رجاء أن يكون هذا العشاء على \" حسابي \" فأنتم ضيوفي لسابقية وجودي هنا ،،، وتعزيز طلبي لبنتكم المصونة جنى .

فردت جنى كفها الأيسر لتغرس فيه أصابع يدها اليمنى عليه ، علامة الاعتراض ، قائلة : أنا من سيدفع الحساب ،، تدري لماذا يا إبراهيم ؟ حتى أظل أذكرك بهذا العشاء طوال حياتنا ،، وضحكوا جميعا ،،، إلا أن فاكر كانت ضحكته أكبر ،،، لفتوا إليه جميعا ،،، قائلين : هيا ، ما الذي حصل لك يا فاكر؟ قال : فرحا بـ نبيلة زوجتي .