الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٩:٥٢ مساءً

الامن النفسي

توفيق الكهالي
الأحد ، ١٨ نوفمبر ٢٠١٢ الساعة ٠٢:٤٠ صباحاً
إن المسلم الذي يدرك حقيقة سبب وجوده ، وأهمية رسالته في هذه الدنيا ، وعظم الأمانة التي يحملها يعي تماماً أهمية حفاظه على نفسه التي يبين جنبيه ، وأنها تحتوي ذلك القلب الذي هو محل النية ، وموطن التقوى ، ومنطلق الإخلاص ومتى أدرك ذلك كله فإنه يعطى دائماً لأن تكون نفساً طاهرة نقية تقية خالية من كل نجس وشائبة ، طاهرة من كل درن وكدر ، متعلقة ليلاً نهاراً بخالقها وفاطرها ومبدع جسدها سبحانه وتعالى .

إلا أن ذلك الأمن لا يحصل لتلك النفس إلا بإخلاص لله تعالى بمداومة العمل ، واستمرارية في المتابعة ، وهذا يجعلنا نورد بعضاً من العبادات التي تحقق الأمن الروحي للنفس المسلمة ، والتي يكفل فعلها أيضاً الأجر الجزيل إضافة إلى الطمأنينة والاستقرار .

ا-الصلاة :-
أول ما أوجبه الله تعالى من العبادات ، وأول ما يحاسب عليه العبد ، وهي آخر قضية وصى بها رسول الله أمته عند موته فقال :-" الصلاة وما ملكت أيمانكم " رواه أحمد
وهي من شروط الهداية والتقوى والذي يفلح صاحبهما ف الدنيا والآخرة فقال :- الم {1} ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين {2} الذين يُؤمنُون بِالْغيبِ ويقيمون الصلاة ومما رزقنهم ينفقون َ{3} (البقرة 1-3) والمحافظين على الصلاة هم في أمنٍ من الأخلاق الذميمة والصفات السيئة فقال تعالى :- إنَّ الإنسان خُلقَ هَلُوعاً {19} إذا مسهُ الشرُّ جزُوعاً{20} وإذا مسَّهُ الخير منوعاً {21} إلاَّ المُصَلين {22} الذين هم على صلاتِهِمْ دائمُونَ{23}(المعارج 19-23

وهم أيضاًً في أمن الله وتحت ظله يوم لا ظل إلا ظله قال عليه الصلاة والسلام " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ....... ذكر منهم " رجل قلبه معلق بالمساجد إذا خرج منه حتى يعود إليه " متفق عليه

وقد توعد عز وجل من ضيعها بالعذاب الشديد المصاحب بطبيعة الحال للخوف والهلع { فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا} مريم 59 ( وغي وادي في جهنم بعيداً عنه


ب-الدعاء :-
وهو عبادة عظيمة غفل عنها الكثير ، وتهاون في أمرها وهو حبل موصول ، وعروة وثقى مع الله عز وجل ، منها هوr يعلن أن لا هلاك مع الدعاء وهذا يقتضي الأمن الحقيقي للنفس ، بالمداومة عليه ومتابعته فيقول " لن يهلك مع الدعاء أحد "رواه ابن حيان،

وفي حديث آخر يبين r أن الدعاء يرد البلاء ويدفعه فقال : -
"لا يغنى حذر من قدر ، والدعاء ينفع مما قد نزل ومما لم ينزل ، وأن البلاء ينزل فيتلقاه الدعاء فيتعالجان إلى يوم القيامة " رواه الحاكم

والدعاء أيضاً لله تعالى هو إنباء بمعية خاصة منه تعالى لك وهذا يحقق لك الأمن بإذنه تعالى لأنك تنعم بهذه المعية الشريفة قال عليه الصلاة والسلام: " أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه إذا دعاني " رواه مسلم


ج-التوبة : -
وهي من أعظم نعم الله تعالى متى ما لحق ببابها العبد المذنب ، وجعلها فجراُ جديداً تبدأ معه رحلة العودة بقلب منكسر ودمع منسكب ." نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم " الحجر (49) " والتائب من الذنب كمن لا ذنب له " رواه ابن ماجه والطبراني

والتوبة فرصة عظيمة لمن صدق مع الله عز وجل ، وجاهد نفسك في تركك للمنكرات والآثام والمعاصي وفي فعل الطاعات والعبادات والأوامر الإلهية ، واعلم بأن التائب من الذنوب والخطايا يرسم لنفسه طريقاً أمناً إلى جنات الخلود .
قال حاتم الأصم : من خلا قلبه من ذكر أربعة أخطار فهو مغتر لا يأمن الشقاء .

الأول : - خطر يوم الميثاق حين قال : هؤلاء في الجنة ولا أبالي ، وهؤلاء في النار ولا أبالي فلا يعلم أي الفريقين كان .

الثاني :- حين خُلق في ظلمات ثلاث فنادي الملك بالشقاوة والسعادة ولا يدري أمن الأشقياء هو أم من السعداء .

الثالث :- ذكر هو المطلع ، فلا يدري أيبشر برضا الله أم بسخطه ؟

الرابع :- يوم يصدر الناس أشتاتاً فلا يدري أي الطريقين يُسلك به ؟


رابعاً :- التوكل على الله .
وهي عبادة غفل منها كثير من الناس لاتكالهم على أنفسهم ، واعتقادهم أن إنجاز أمورهم وقضاياهم عن طريقهم هم وما علموا أنه التوكل أنه كفاية الرب للعبد ، وصدق اعتماد القلب على الله عز وجل فهو جل وعلا النافع الضار والأمر كله إليه قال الله تعالى وهو يوضع علاقة التوكل بالأمن النفسي
{ الَّذِين قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جمعُوا لكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ " فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ من اللهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يمسسهمْ سُوءٌ واتبعوا رِضْواَنَ اللهِ واللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ،إِنَّمَا ذَلِكُم الشيطانُ يخوّفُ أَوْلياءه ُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤمِنِينَ } (آل عمران 173-175

وقد قال بن عباس رضي الله عنهما في بيان أهمية التوكل في تحقيق الأمن النفسي :- حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم عليه السلام حسن ألقي في الغار ، وقالها محمدr حين قالوا {إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل } أخرجه البخاري .


خامساً :- ذكر الله تبارك وتعالى :
وهو صلة العبد بربه تعالى ومما يكسب النفس المسلمة ثباتاُ وأمناً واطمئناناً .
قال الله تعالى :- { الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب } (الرعد 28)
وصيغ الأذكار كثيرة جداً خاصة تلك التي تبعث الراحة للنفس عند قولها ، وتضمن بإذن الله تعالى الأمان النفسي للمسلم الذاكر العابد ومن تلك أذكار الصباح والمساء ، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

ولعلي هنا أذكر دليلين من السنة تثبت فضل الذكر في تحقيق الأمن للنفس المسلمة . قالr " ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة " بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات فلا يضره شيء" (أخرجه الحاكم

وقال صلى الله عليه وسلم في موضوع آخر لأسماء بنت عميس رضي الله عنها :-
" ألا أُعْلِمُكِ كلمات تقوليهن عند الكرب - أو في الكرب – "الله الله ربي ولا أشرك به شيئاً " (أخرجه أبو داود في سننه
وهناك الكثير من العبادات والطاعات التي تضمن الأمن النفسي للعبد المسلم في الدارين وكذلك الطمأنينة والاستقرار وهي بإذن الله تعالى طريق لجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين .

لذا عليك أخي المؤمن أن تبدأ بالرجوع وتعلنها توبة صادقة من قلبك وتتقرب إلى ربك بذكره في كل حين والدعاء له عند كل أمر وتحرص على صلاتك وصومك وحجك وأداء مناسكك وتراعي جميع الحقوق وتقوم بما يوكل إليك من واجبات فإن ذلك كله يزرع الأمن النفسي والروحي والذي يبحث عنه الكثيرون من البشر ولكنهم جهلوا طريقه .

واختم هذا النوع بذكر النتائج التي تعود على المسلم إذا حقق هذا الأمن وهي :-
1. حصول التوبة لله تعالى والذي يصاحبها الهداية والتوفيق .

2. معرفة المسلم فضل هذا الطريق الصواب وهو طريق
" إياك نعبد وإياك نستعين " .

3. أن المسلم يعرف أيضاً فيه الأمن النفسي وأنه هو أساس كل أمن .

4. أن الأمن هو بالقرب من الله تعالى بفعل الطاعات وترك المنكرات .

5. أنه ينشأ من نفسه قدرة صالحة في مجتمعه وبين إخوانه وبين أفراد المجتمع .

والله الموفق