الحوار المنتظر هو الفرصة الأخيرة لولوج اليمن إلى مستقبل جديد ، يمكن أن يتحقق هذا ويمكن أن يكتب لليمن مستقبل جديد ، كل شيء ممكن إذا توفرت النوايا الحسنة وغادر الجميع ( المتحاورون) عقدة الماضي والتراكمات العدائية التي تولدت خلال العقدين الأخيرين ، صحيح ان جزء كبير من هذه التراكمات مؤلم وسيء لكن يمكن التنازل عن هذه الجراحات والآلام لأجل إتاحة الفرصة لصياغة مستقبل جديد لليمن
اللجنة الفنية للحوار نشرت أخيرا مشروع مصفوفة المحاور الرئيسية للحوار ، وحددت مبدئيا 13 قضية رئيسية تضم 70 بندا فرعيا ، أهمها القضية الجنوبية وقضية صعده وبناء الدولة والحكم الرشيد والمصالحة وبناء مؤسستي الجيش والأمن على أسس وطنية وغيرها من القضايا.
هناك ربما غموض متعمد تجاه بعض القضايا وربما أنها موجودة ضمن عموميات بعض القضايا التي وردت في نص المشروع ، فقضية المرأة والطفولة والشباب لم تذكر صراحة في نص المشروع وكذلك قضية استقلالية القضاء والقضاء ورفع مستوى المعيشة وقضايا أخرى لم تكون على درجة من الوضوح مع أنها موجودة ضمن قضايا عامة.
الحوار هو الفرصة الأخيرة لليمنيين لبناء أسس سليمة لمستقبل الدولة اليمنية وهذا حسب الأجندة التي وردت في المبادرة الخليجية ، ورغم أننا شارفنا على موعد انعقاد مؤتمر الحوار الوطني إلا أن المؤشرات الواقعية والعملية والفنية لا تؤكد أن المؤتمر سينعقد خلال الموعد الذي حدد سابقا بمنتصف شهر نوفمبر الحالي
فمساعي التوافق للأطراف المحلية المحلية والإقليمية لم تصل إلى صيغة نهائية للمشاركة في مؤتمر الحوار ، وعلى الصعيد المحلي لا زالت الأطراف المعنية بالحوار لم تحدد مواقفها النهائية من الحوار ولم تحدد طبيعة مشاركتها وكذلك الأطراف الإقليمية والدولية لم تنهي مهمتها في إقناع معارضة الخارج بالمشاركة ولم تتوصل معارضة الخارج الى صيغة نهائية لطبيعة المشاركة من عدمه فالمواقف كلها لا زالت تدور في حلقة مفرغة بسبب تلكؤ بعض الأطراف ومحاولتها لإبتزاز أطراف أخرى.
العراقيل لا زالت قائمة أمام انعقاد مؤتمر الحوار الوطني ولا زالت مساعي العرقلة قائمة وتحاول إلى تسجيل موقف عملي يوقف عملية الحوار ، وبعض هذه العراقيل يتسبب في أحداثها انتظار قرارات رئاسية كان قد اشترطتها أطراف المعارضة الرئيسية والقوى الثورية وهي قرارات تؤهل المتحاورين لفرص النجاح.
من هذه القرارات التي يتوجب على الرئيس هادي اتخاذها قرارات خاصة بإقالة عدد من القيادات العسكرية والأمنية وخاصة القيادات التي ساهمت بإرتكاب جرائم خلال عام 2011 وما بعدها والمعنيين بهذه القرارات هم أبناء وأقارب الرئيس السابق وخاصة ابنه احمد من الحرس الجمهوري وابن أخيه يحي من الأمن المركزي وقيادات أخرى في الحرس والقوات المسلحة والأمن وبعض المؤسسات و الهيئات الدبلوماسية بغرض الحضور إلى مؤتمر الحوار بدرجة متساوية دون أن يكون لطرف وسائل ضغط على الأطراف الأخرى .
لنجاح مؤتمر الحوار يجب تجريد الأطراف المتحاورة من كل وسائل الضغط والقوة ولا يجب أن يكون هناك أي تفوق سياسي أو عسكري لأي طرف وهنا ينتظر من الرئيس هادي حسم هذه المشكلة ، إضافة إلى تهيئة الأجواء والنفوس وخفض الاحتقان يجب إزالة بعض عناصر التوتر المتمثلة في وجود شخصيات تعمل ضمن قوام الحكومة أو في قيادة الجيش وهذه الشخصيات محملة بأثقال الجريمة والتواطؤ في نهب الثروة والمساهمة بصورة مباشرة أو غير مباشرة للاستيلاء أو التسهيل لنهب المال العام
كما أن الانفلات الأمني التي تعاني منه معظم محافظات الجمهورية يتطلب وضع حد لهذا الانفلات الذي تقف ورائه بعض الأطراف المتضررة من عملية التغيير وستتضرر أكثر في حالة دخولها مؤتمر الحوار لأنها تتوقع أن النتائج والقرارات التي سيخرج بها المؤتمر لن تكون في صالحها ، وصالحها ومصالحها تتمثل في عرقلة الحوار ومساندة الانفلات وتعميم الفوضى وهذه كلها عراقيل مصطنعة تهدد مستقبل التسوية السياسية برمتها .
الأحداث الأخيرة التي شهدتها بعض المحافظات تنبئ عن وجود مؤشر خطير لتدمير ما وصلت إليه البلاد من نجاح ملحوظ على مسارات كثيرة ، تفجيرات أنابيب النفط والغاز في مأرب وشبوة والاعتداء على أبراج الكهرباء في مأرب وتحرك فجائي للقاعدة للتمركز في أبين من جديد وإعادة طارق الفضلي إلى واجهة الأزمة في الجنوب من جديد ومحاولات التسلح المتكررة والاغتيالات المتوالية لضباط في الأمن السياسي وظهور القاعدة في سنحان وتهييج الحوثيين للشارع وتأليبه ضد الحكومة والرئيس ورعاة المبادرة وغيرها من الأحداث كلها مؤشرات للتمترس ضد انعقاد مؤتمر الحوار.
ورغم المساعي التي تبذلها كل الأطراف للوصول باليمن إلى هذه اللحظة التاريخية إلى أن بوادر التشاؤم تتغلب أحيانا من خلال الأفعال العملية على الأرض ، مثلا القاعدة تهدأ فترة من الوقت وفجأة نرى ونسمع إعادة إنتاج نشاطها وحركتها بصورة تثير الشكوك حول دورها ومن يقف ورائها ، فالقاعدة تحركت فجأة حين اقترب موعد مؤتمر الحوار وأعاد إنتاج طارق الفضلي من جديد ويتم استنساخه في أكثر من مكان وبأكثر من صورة ، وأخيرا ظهرت القاعدة ولأول مرة في سنحان وهذا أمر يدعوا للإعجاب والحيرة معا عن كيفية تحرك القاعدة بصورة مريبة تتوافق مع سياسة بعض أطراف العملية السياسية القديمة الجديدة لتخفف عنها الضغط وتحول بعض مسارات السياسة والأمن إلى اتجاه آخر.
إجراء تغييرات سياسية وعسكرية وأمنية ومحلية ضرورة يتطلبها تهيئة أجواء الحوار الناجح ، فالانفلات الأمني في محافظات كثيرة يفرض على الرئيس والحكومة إجراء تغييرات لعدد من المحافظين ومدراء امن المحافظات ومدراء المديريات ومدراء امن المديريات وإعادة تحريك وتموضع بعض وحدات القوات المسلحة والأمن على أساس الحاجة الأمنية وخاصة ضرورة إعادة تحريك كثير من معسكرات الحرس الجمهوري التي تتواجد لأغراض سياسية لخدمة طرف على حساب الطرف الوطني .
المبعوث الأممي جمال بن عمر في تصريحه الأخير للشرق الأوسط اللندنية تفاءل وتشاءم في آن واحد معا ، تفاءل للمستوى الذي حققه اليمن على صعيد تنفيذ بعض بنود المبادرة الخليجية والمتعلق بمسارات التسوية وانتقال السلطة والتحسن الملحوظ على مستوى الأمن والاستقرار الجزئي وتشاءم فيما يتعلق بالعراقيل الماثلة والمخاطر التي تقف أمام استكمال تنفيذ المبادرة الخليجية ووصل تشاؤمه إلى الحد إذا لم يتفق اليمنيين للدخول إلى المرحلة التالية المتمثلة في الحوار فإن الأوضاع ستعود باليمن إلى نقطة الصفر ، ونقطة الصفر نعرفها ونفهمها وهي التي يسعى لإستحضارها طرف الرئيس السابق بمساعدة الحوثي والقاعدة
في الأخير الرئيس السابق ومن إليه من الحوثيين والقاعدة وكل من يسلكون سلوكيات العداء والتخريب يجب أن يفهموا ويدركوا أن اليمن للجميع وهم شركاء في صناعة الخير والشر وسيجنون ثمار هذا الخير والشر ، وعليهم أن يغيروا من التفكير العدواني والانتقامي ويحولون مسارات عملهم وأنشطتهم لتعمل من خلال الأسلوب الديمقراطي الذي يمثل الحل الناضج لكل من ينتهج أساليب التوتر والعنف ، وقد يصلون إلى ما يسعون إليه بتكلفة اقل ثمنا ، عليهم أن يسعوا لكسب رضاء الشارع بالإعمال الايجابية وهذا الإرضاء سينعكس ايجابيا على مستقبلهم ، سياسة فرض الأمر الواقع بقوة السلاح والفوضى لن تنتج إلا حلولا تدميرية تدمر أصحابها أولا .
اليمن واليمنيين أمام فرصة تاريخية لصياغة مستقبل جديد وإعادة بناء الدولة على أسس سليمة هذا هي الغاية التي يفترض أن يسعى الكل إليها بنوايا واضحة وسليمة، ويجب أن نفهم جميعنا أن مستقبل اليمن يتوقف عند حدود مستوى فهمنا لواقعنا وتوفير النوايا والأعمال للوصول به إلى مستويات آمنة ومقبولة وان الاعتماد على حلول الخارج ما هي إلا تكملة لما نقدمه من أعمال ايجابية ولن يكون هناك حلا سحريا من الخارج على الإطلاق ، وهنا يجب أن يكون للحكمة اليمانية الدور البارز ... دمتم ودام اليمن شامخا
*نقلا عن صحيفة ايلاف