الخميس ، ٠٢ مايو ٢٠٢٤ الساعة ٠٩:٥٩ مساءً

شركات الاتصالات اليمنية: كل شيء رخيص!!

عبدالواسع السقاف
الخميس ، ٠١ نوفمبر ٢٠١٢ الساعة ٠٥:٤٠ مساءً
الاتصالات كلمة تحمل في اليمن معاني كثيرة منها التعريفة الرخيصة والمنافسة الرخيصة والمعاملة الرخيصة والمعاكسة الرخيصة وكلها تجتمع في كلمة رخيصة على تعدد معانيها من الإيجابي (رخص السعر) إلى السلبي (الدناءة)!! فبالرغم من أن قطاع الاتصالات في اليمن شهد نقلة نوعية في العشر سنوات الأخيرة مما أسفر عن تخفيض الأسعار وخلق باقات اتصالات تناسب كل المستويات الاجتماعية من فقيرة إلى غنية، إلا انه أيضاً تسبب في منافسة شرسة اقل ما يمكن وصفها أنها حرب أسعار ورخص في المبادئ التسويقية، فلم يعد هناك أي احترام لآلية عمل الأسواق التنافسية ولا لفكر المستهلك أو المستخدم، لدرجة وصلنا معها أن يقوم الفرد بشراء خط اتصال بمبلغ لا يكاد يعادل قيمة كوب شاي ليعاكس ويؤذي الناس في بيوتهم ليل نهار دون أن تقوم شركة الاتصالات بأي مجهود يذكر حتى في تنوير وتفقيه الناس بسوء هذه الأخلاق وأهمية أن لا تُستخدم الأرقام في مثل هكذا أمور، وكأن الشيء لا يعنيها بالمرة.

ومن ناحية أخرى لم يعد هم تلك الشركات سوى بيع الأرقام وزيادة حجم المبيعات والعملاء دون الانتقائية، ووصل ببعضها الحال إلى أن خصصت موظفي مبيعات أكثر من موظفي التحصيل، بحيث تقعد أحيانا حوالي نصف ساعة تنتظر دورك لتسدد الفاتورة وكأنك تبحث عن قرض أو معونة لا أن تقوم بتسديد الفاتورة، بينما يقوم المشتري لرقم جديد بإكمال معاملته في دقائق! أصبح معيار النجاح لتلك الشركات الكم وليس الكيف ولا أهمية لما يقوله العميل عنها للأسف. زُرت أوروبا قبل شهرين ووجدت أن شركات الاتصالات العملاقة مثل فودافون وغيرها تبيع الشرائح بأسعار خيالية وتشترط عقوداً وضمانات وبطاقات ائتمان وليس من السهولة الحصول على رقم كما هو عندنا، وعندما استفسرت لماذا كل هذا التحفظ، قيل لي أن رقم الهاتف هناك يُعد من الأشياء الهامة في المعاملات التجارية والحياتية مثله مثل البطاقة الشخصية ورقم الضمان الاجتماعي!!! أما عندنا فرقم الهاتف مجرد رقم لا معنى له تَحصل عليه بكل يسر لتقوم من خلاله بكل أعمال السخافة والنصب ولا رقيب!! الطامة الكبرى أن تقوم شركات الاتصالات كافة في اليمن بتسريب أرقام عملائها ليتم شرائها كاملة من محرك البحث جوجل أو غيره وكشف المستور وأرقام كافة الشركات والمواطنين اليمنيين وبثمن بخس دولارات معدودة!!!؟

أما عن التغطية فحدث ولا حرج، أحيانا تضطر لخسارة صفقة أو عمل أو موعد مهم نتيجة لان الشبكة مشغولة والسرفر تحمل أكثر من طاقته أو أن الكهرباء مقطوعة والخطوط تتداخل مع بعضها وهلم جرا! الشركات لا تكلف نفسها عناء تقوية الإرسال وكلما اتجهت إلى شركة ظناً منك أن تغطيتها قوية تفاجأ بالعكس إلى أن تفقد الثقة في كل الشركات! وموظفي شركات الاتصالات يتعاملون معك وكأنك شحاذ لديهم، وعندما تتصل أو تستفسر تظن بأن أبوك هو الذي يحدثك حال استيقاظه من النوم بكل برود وتكشير!! ومن طرائف شركات الاتصالات في اليمن أن تشتري السيدة أو الشابة رقم مميز لتقوم باستقبال (مكالمات آخر الليل) يوم شرائها للرقم، وتكتشف فيما بعد أن المعاكس هو موظف خدمة العملاء في تلك الشركة!!

أما عن الدور الايجابي الذي تقوم به هذه الشركات فهو تقريب البعيد وتسهيل التواصل خاصة بين المحبين والعشاق، فهناك باقات آخر الليل وباقات المجان وغيرها مما يساهم في نشر ثقافة المحمول في هذا المجتمع لدرجة أصبح يستخدم بين الكبار والصغار والفتيات والشبان أثناء القيادة والسير وفي غُرف التدريس وقاعات الجامعات والمطابخ وغرف العمليات والكل سعيد ويبتسم وعادت اليمن السعيد! ومن ناحية أخرى أدى هذا التوجه إلى دخول موجة الهواتف المحمولة من الوكالة "الجيد" إلى الصيني "الرديء" ومن التلفون العاقل إلى التلفون "الدوشان"، لدرجة أفقد الكثير من الناس القدرة على السمع الجيد وسبب أمراضاً سيكون لها أثرها البالغ على صحة المستهلك في المدى القريب، ناهيك عن النفايات الصلبة التي بدورها تؤثر على البيئة، خاصة وأننا لا نمتلك مصانع ومعامل للتخلص من تلك النفايات "البطاريات مثلاً" التي يتوجس منها العالم بأسره!!

وهكذا نحن العرب عندما ندخل أي مجال سواء تقني أو تكنولوجي، فإننا ندخل بهمة عالية وبدون تفكير وتخطيط، لدرجة نفقد معها السيطرة على أنفسنا ونتسبب بدلاً من التطوير إلى التدمير، وسيكون لنا لقاء قريب مع تكنولوجيا الحاسوب في اليمن وآثارها الجانبية!

• معلومة اقتصادية لا يعرفها كثيرٌ من الناس وهي أن شركات الاتصالات والتأمين والبنوك لا تخسر أبداً، وأرباحها تتجاوز 100%! فيكفي مثلا لشركة اتصالات لديها مليون عميل لتكسب مليار ريال شهريا مقابل الاشتراك الشهري وهو ألف ريال يمني، ناهيك عن قيمة الفاتورة التي قد تتراوح بين ألف ومائة ألف لكبار التجار والعملاء! اللهم لا حسد هناك شركات وصل عدد عملائها إلى المليونين أو أكثر!؟!

*عضو المجلس العالمي للصحافة – منسق اليمن