الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١٢:٥٧ مساءً

الاستبداد المستنير

محمد لطف الحميدى
الأحد ، ٠٧ اكتوبر ٢٠١٢ الساعة ١١:٤٠ صباحاً
الاستبداد المستنير الوحيد الذي عرفه التاريخ, هو عندما حكم عمر بن عبد العزيز, فعم الخير البلاد و العباد رغم أنه لم يحكم أكثر من ثلاث سنوات.

الاستبداد المستنير هو أن تموت و ما في سجنك سجين واحد, الاستبداد المستنير هو أن تقطع عطايا الأمراء الذين لا يستحقونها, فليس كل من امتلك لقب حاكم يستحق أن يأخذ نصيبا من مال العامة, بل المال يعطى مقابل العمل و ليس مقابل النسب, الاستبداد المستنير هو أن تهتم بكل أزقة و شوارع و مدن و جهات بلدك, حتى ولو لم تملك ميرسيدس مكيفة تقلك هو أن تعين الأكفاء في مناصب الريادة و ليس أن تجعلها حكرا على فئة دون أخرى, الاستبداد المستنير أن تمنع حاشيتك عن التجارة, الاستبداد المستنير أن تنظر دائما للكأس فترى النصف الفارغ, فتتذكر أن بيعة في عنقك فيفارقك النوم, هذا هو الاستبداد المستنير, هو أن تفعل كل هذا و ما من دافع لك إلا خوفك من الله, و حبك لأهلك, دون أن تحتاج لبرلمان و لا هم يحزنون, هذا هو الاستبداد المستنير, أما من يحلمون باستبداد مستنير في عهدنا هذا, و يتحرون الحجج لحبيب القلب و يتذرعون بأن ما أفسده نصف قرن, لا يمكن إصلاحه في أشهر, فأرد حججهم بسؤال: و هل كان عمر سوبرمان ؟

الاستبداد المستنير هو أن تسعى دائما إلى الأحسن, رحم الله سيدي عمر بن عبد العزيز, فهو لم يجعل تهديد الجوار مطية يقمع بها الشعب, بل في عهده ازدهر الفكر, و الأدب. و ازدهار الفكر يأتي من حرية التعبير التي تضمن السلم المجتمعي, و بما أن الازدهار بلغ أوجه فحتى الصدقات لم تعد تجد لها محتاجا, و لما قلت الحاجة قلت الجرائم ففرغت السجون.

الآن , أسأل : ألاّ تحتاج مجتمعاتنا العربية إلى حكام مستبدين مستنيرين؟ قد يقول مجادل : و الديمقراطية؟!

صحيح أن الاستبداد عدو الديمقراطية, و لكن عن أي ديمقراطية نتحدث في ظلّ جهل كبير يعم المجتمعات العربية؟ الديمقراطية بدون نظام تعليمي جيد و بدون شعب متعلم تعد ضرباً من الفوضى و ضرباً من العبث .

و هكذا.. بالقياس إلى الأفكار التي عرضتها حتى الآن أعتقد بأن المجتمعات العربية, في هذه الفترة , تحتاج إلى مستبد مستنير , يقودها بالعقل , ينشر الثقافة , و يبني المؤسسات التعليمية , و يصنع عجلة الديمقراطية . ثمّ بعد ذلك يغادر قصره , و يترك شعبه يحكم نفسه بنفسه .


المستبد المستنير قد يكون ضرورة في مجتمعات
يسيطر عليها الفكر المتخلف او المجتمعات التي للتو خرجت
من بدائتها او بداوتها الحضارية , لأنه بدون وجود حاكم
مستنير يسطيع نقل مجتمع أو دولة من مرحلة سياسية وثقافية
إلى اخرى اكثر حداثة وتقدما , وهذه المجتمعات قد تكون
الديموقراطية فيها ادات هدم وخلخله لا ادات بناء

ونرى أنه حتى اصحاب الفكر في هذه المجتمعات ينظرون نظرة
ايجابية تجاه مثل هذا النوع من الحكام بل يبحثون عنه

أما في المجتمعات التي قطعت مسافة كبيرة في التنوير
والحداثة فهم قد تجاوزوا الحاجة لهذا النوع من الحكام
بإتجاه الحكم الديموقراطي , أي حكم الجماعة بدلا من حكم الفرد