الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٨:٣٠ صباحاً

سبتمبــــــــــــــــــــريات

عبده نعمان السفياني
الجمعة ، ٢٨ سبتمبر ٢٠١٢ الساعة ٠٩:٤٠ صباحاً
(1)

لا أتذكر أيتها الخمسينية سوى مقطع فيديو بالأبيض والأسود يُخلّد لحظة سقوط قصر الإمام ، لا أتذكر منكِ سوى النار الملتهبة التي كنتُ أشارك في إضرامها ليلة ذكراكِ السنوية في كل عام ، لم أكن أعلم لماذا توقد كل تلك النيران على أسطح المنازل في قريتي ، غير أني كنت أسمع آبائي يرددون : إنه عيد النصر ، وهذا كان كافيا لاستثارة مشاعري واستنهاض هممي ، كما كان سببا لسعادتي الرحيبة .

لا أتذكر منكِ أيتها الخمسينية سوى اسمك الممزوج بسبتمبر وشيٍءٍ من الوتريات التي كان يشدو بها المذياع وكان حينئذٍ يشاركني الفرحة .

لم أعد أتذكر عبر موجات ذلك المذياع عشية الذكرى السنوية لكِ سوى القليل ، كوضع أحجار أساس لمئات المشاريع الحيوية وافتتاح مئات أخرى في كافة أرجاء الوطن ، وكم كنتُ مشتاق لزيارة تلك المشاريع التي رسمها الخيال بأبهى صورة ، وشاءت الأقدار يوما أن أتجاوز حدود قريتي كما شاءت الصدفة أن يطأ قدمي أحد الأحجار وقد نبهني صديقي أن ذلك الحجر هو ما يسمى حجر الأساس حينها تعرفت عن كثب عن أحجار الأساس التي رددها المذياع مرارا ، كما أخبرني صديقي أن تلك الأحجار سيرددها المذياع لسنوات أخرى كما هو حال المشاريع والمباني القديمة والتي يتكرر ذكرها كل عام إلى أن يتم وضع أحجار أساس لها لغرض ترميمها ، وبهذا الأسلوب كانت تسير مجريات اللعبة كل عام .

لا أتذكر سوى سطور مكتوبة عن الإمام وأساليب التجهيل والتضليل والابتزاز والقهر التي انتهجها داخل المملكة ، غير أني لم أدرك الفرق بين تلك الأساليب وما يحدث وإن كان الواقع أشد وأنكأ ، فلا فرق بين إمام حكم 14 عام ورئيس تسلط 33 سنة إلا بالتقوى ، وأدوات التنكيل والعبودية .
عيناي تفيضان بالدموع حيث تبلغين سن الخمسين ولا تزالين تحلمين ببلوغ منتصف السبيل ، وقدماكِ مثقلتان بالأشواك .
استيقظ اليوم لأرى الواقع كما أحاول أن أستثير ذاكرتي الموهومة ، ولكن شتان بين الحقيقة والخيال.

واليوم بعد سنوات من الاغتصاب أشعر أني أحتفي فعلا بالذكرى الأولى للإياب بعد الذهاب ، للعودة بعد الغياب ، وللتحرر بعد الاغتصاب ، وبدون أحجار أو مقصات ، كما اشعر أنني أقف على المنصة أحيي منها الشعب
------

(2)

تنمو أوراقكِ ثانية ً ، يمتدُّ الظل المضمخ بشذى الأزهار ، العابق بعطرها الأخاذ ، المبلل بالسكينة والغبطة ، المحلق في سماء المحبة ، تلك الأزهار المبتسمة تخاطبنا بصمت صاخب وتحملق صوب أعيننا بشيء من الشفقة الممزوجة بالأمل ، عبراتها تتساقط على خديها الملتهب ، تناجينا قائلة : إنها الذكرى الذهبية الأولى بعد عقود من النسيان والغياب حيث كان يعبث الظالم وأهله بالوطن كما يشاؤون .

لقد كدتُ أموت وتساقطتْ أوراقي وجفت جذوري ولقد بلغت السنة الخمسين ، ولكني لم أكد أعجز بعد بل ما زلت بكرا قادرةً على العطاء إذ لن أنساكم أبدا ، لن أنسى صمودكم وتضحياتكم ، فكم أحببتكم وأنتم تتقاطرون من كل مكان كالسيول المشتاقة للعناق الحميم في مصبها ، المتلهفة لذرات الوادي الظمأى ! ، كم اشتقت للوفاء وقد تعهدتموني الماء والرعاية والحماية ! ، ولا أود أن تتركوني أتدبر أمري بعد الآن
-----