الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:١٢ صباحاً

يوميات مخلل سياسي!!!

د . عبد الملك الضرعي
الخميس ، ٠١ يناير ١٩٧٠ الساعة ٠٣:٠٠ صباحاً
مع اشتداد المعركة السياسية يقوم كل فريق بحشد قواه الاقتصادية والاجتماعية والإعلامية في مواجهة الآخر ، ومن أدوات الحشد تلك تأتي مجموعة المحللين السياسيين ، أولئك بعضهم مستفيد ، وبعضهم تعيس يخدم ولا يأخذ يتم استيرادهم لقضاء الحوائج وبصورة طارئة ، ويكفيه الظهور على شاشات التلفاز لساعات لم يكن يحلم بها قبل ذلك.

الأصل في المحلل السياسي أن يكون سياسياً مثقفاً دارساً للتأريخ صاحب لغة سليمة وعقل رشيد ، موضوعياً في الطرح ، يتنبأ بالحدث فيصدق في الغالب توقعه ليس كشفاً للمستور ، بل نتاج تحليله لمقدمات سياسية معينة يبنى عليها نتائج موضوعيه ، وصواب التوقعات يرجع في الغالب على مستوى ثقافة وحدس وخيال وعلاقات المحلل السياسي ، والمحللين السياسيين أعدادهم محدودة جداً، وفي الغالب تستقطبهم المؤسسات السياسية الديمقراطية والهيئات الأكاديمية المتخصصة.

وبالنسبة للحالة اليمنية ومن خلال المتابعة لمختلف وسائل الإعلام ، وبالذات المرئية منها ، سنجد نموذج المحلل السياسي في حكم النادر جداً ، وقد نشاهده لمرة واحدة فقط ، لأن طرحه الموضوعي ربما لا يتوافق مع مطالب الطباخ السياسي ، أما النوع الآخر من المحللين السياسيين فهم كثر ونراهم في شاشات التلفاز لساعات طوال ولأيام متتابعة!!!هؤلاء من نطلق عليهم (المخللين) (طبعاً المخلل كما يعرفه الجميع عبارة عن خضروات يتم تخميرها بطريقة معينة لأيام وفي وعاء خاص حتى يتغير لونها وطعمها) ، ويمكن إسقاط هذه الحالة على هؤلاء فهم في الغالب لا يأتون بجديد، بل يقرؤون ويسمعون ما يطلب منهم ، ويستمرون في الحفظ والتذكر حتى تختمر المعلومات لديهم فيحضرون إلى وسائل الإعلام بمواقف ومعلومات مسبقة تتوافق مع الرؤية السياسية لأصحاب المؤسسة الإعلامية ، هذه الظاهرة طبعاً قد نجدها لدى بعض مديري الوسائل الإعلامية الشمولية سواء في السلطة أو المعارضة.

وفي جولة سريعة مع يوميات مخلل سياسي في وسائل الإعلام المرئية على سبيل المثال سترى العجب ، فإن كان من مؤيدي المعارضة ستجده يحيل الدنيا إلى ظلام دامس فلا ترى سوى الحروب والصراعات والفقر والجهل و...الخ، وفي طرف السلطة تتعدد القنوات ويتسع الوقت وتقل البرامج التلفزيونية ، فيكون لزاماً على تلك القنوات البحث عن متعهدين لتولي جمع عدد من الأشخاص ، ويفضل أن يكون منهم من يحمل درجة(د) لأهمية ذلك لدى الجمهور الطيب ، حيث يبدأ المذيع المحترف!!!(هذا المذيع يبدو فاقداً لأبسط المهارات الإعلامية والعلمية لذا يشك من خلال إدارته للحوار أنه حاصل على مؤهل إعلامي أو مبادئ الثقافة العامة) ، يبدأ حديثة نستضيف اليوم كما كل يوم الأستاذ الدكتور والعالم الجليل والمفكر رجل السياسية والقانون...الخ ، الذي يوضح الحقائق ويزيل اللبس و....الخ ، إنه الدكتور(....) ويبدأ الحوار الذي يطول لساعات حتى يصل المشاهد والمحاور والمخلل إلى حالة من الخمول والغثيان والنعاس ، تلك الحالة تدفع ببعض المخللين للهذيان بجمل وعبارات لا يقولها عاقل ، وللأسف تجد المذيع أو المذيعة يتمتم قائلاً والوضع كذلك فما هو الحل ، يأتي ذلك المخلل الجهبذ وفي لحظة من التثاؤب وفي ساعة متأخرة من الليل والناس نيام والكهرباء مقطوعة ،برد سريع ليسرد مجموعة من الحلول العجيبة والخيالية مؤكداً على إصرار الحكومة لإنجاز مشروع الكهرباء النووية وتوصيل الغاز إلى المنازل وتشغيل السيارات بالطاقة الشمسية ونشر الأمن والطمأنينة بواسطة شبكة رقابة الكترونية و...الخ خلال فترة قصيرة جداً، فما إن يخرج من محطة التلفزيون، فيفوق من غفوته ويبدأ في البحث عن سيارة من القناة توصله إلى وسط المدنية فلا يجد ، فيقرر الخروج إلى بوابة محطة التلفاز وهناك يقف لوقت طويل منتظرا سيارة تاكسي فلا يجد (السيارات أعدادها محدودة بسبب أزمة المشتقات النفطية والوقت متأخر والحالة الأمنية غير مستتبة)، فيدعوا الله بتيسر مواصلات أي مواصلات ولو عربة يجرها حمار، وبعد انتظار طويل يظهر دباب(سيارة ركاب صغيرة) فيبتهج فرحاً يرفع يديه مؤشراً للسائق ، يقف السائق وهو يرى شخص مهندم ، فيعتذر له لا يوجد كرسي ، يرد عليه ولو جلوس على الأرض ، فيركب ويبدأ بالانتقاد عن ضعف حركة المواصلات ودور (حكومة) المعارضة في الأزمة ، متوعداً بدعوة (معارضة) الحزب الحاكم للإسراع في عمل مترو الأنفاق ويستمر في الهذيان والثرثرة ببعض الكلمات ، فينفذ صبر الركاب ويشتد الخلاف معه ، وإذا بالسائق يدعوه للنزول قائلاً(حفظك الله أنزل واركب مترو خلصنا) يحاول الاعتذار ولكن دون جدوى ، يوقف السائق سيارته ويجبره على النزول، ينزل المخلل السياسي في شارع جانبي فتنطفئ الكهرباء فجأة ، فيظهر من أحد الأزقة فتى مراهق يحمل سلاح ناري (كلا شينكوف) - ذلك الفتى من الحراسات الليلية التي سلَّحها الحزب الحاكم مؤخراً ضمن مشروع اللجان الشعبية – فيخاطب المخلل السياسي ماذا تفعل هنا ياخبير، يبدأ بالهذيان كالعادة ، فيرد عليه ذلك المراهق بنبرة حادة من أنت تفهم ؟؟ يرتجف مرتعداً ويعرض عليه بطاقته الحزبية ويعطيه مبلغاً زهيداً من المال هو كل ما حصل عليه كمكفأة على حلقته التلفزيونية المشئومة ، وتلك النقود كفيلة بإطلاق سراحه ، ثم يعود إلى الرصيف منتظراً ظهور سيارة فلا يجد فيقرر العودة إلى المنزل سيراً على الأقدام ، وعلى الرغم من تلك المعاناة ستجده في بقية الأيام ضيفاً عزيزاً على تلك القناة مستمراً في التأكيد على مصائب (حكومة) المعارضة وجبروتها ، في مقابل براءة وطيب (معارضة) الحزب الحاكم السلمية والمغلوبة على أمرها!!!!!

أخيراً ما عرض رؤية درامية لحال من يطلق عليهم المحللين السياسيين زوراً وبهتانا ، لأن غالبيتهم أشخاص عاديون وأن حملوا شهادات عليا فالشهادة العلمية في الطب أو الهندسة أو أي تخصص آخر مهما كان ،لا تعطى أحد الحق في صفة المحلل السياسي ، نقول ذلك راجين من وسائلنا الإعلامية في الحكم أو المعارضة أن تسمي الأشياء بأسمائها ، وهو الحال كذلك لضيوفها من ما يسمى المحللين السياسيين ، فالتحليل السياسي رسالة هامة لها روادها من المفكرين السياسيين المعنيين بهذا الأمر.