الجمعة ، ١٧ مايو ٢٠٢٤ الساعة ١٢:٣٣ مساءً

الــــــيــــمــــــن بـــيــــــن ثـــورتــــيـــــــن (سبتمبرــــ ثورة الشباب الشعبية السلمية)!!

د. علي مهيوب العسلي
الاربعاء ، ٢٦ سبتمبر ٢٠١٢ الساعة ٠٨:٤٠ مساءً
ما هو أوجه الشبه وأوجه الاختلاف بين ثورة السادس والعشرين من سبتمبر وثورة الشباب السلمية الشعبية ؟ ؛ وللإجابة على هذا السؤال المفصلي سأحاول الاختصار بحسب فهمي لهذا السؤال الشائك والمعقد لعلي أثير في القارئ الكريم العديد من الأفكار والاستفادة قدر الإمكان لتجاوز النقاط السلبية في كلا الثورتين عند رسم ملامح اليمن الجديد !
وسأبدأ بنقاط التشابه بين الثورتين ؛فالثورتين قامتا على أنظمة استبدادية ديكتاتورية عزلت اليمن عن التطور والتقدم لعقود طويلة من الزمن هذا أولاَ ، وكلا الثورتين استلهمتا مشروعها النضالي من الثورة المصرية سواء ثورة يوليو أو ثورة 25 يناير العظيمتان هذا ثانياَ ،وثالثهما أن الثورتين جاءتا بعد صبر طويل من الشعب ولم تكونا ثورتين ترفيتين وإنما جاءتا ضرورة اقتضتها إسراف الحكام في الاستعباد وتملك كل شيء حتى الإنسان نفسه مع كل أسف، رافق ثورة 26 سبتمبر تدخل دول الجوار وفرضت مصالحة بين الملكيين والجمهوريين ،كذلك ثورة الحادي عشر من فبراير تعرضت وما زالت الى عملية ممثلة سميت بمبادرة دول مجلس الخليج العربي وبوركت من المجتمع الدولي وتحولت الى آلية تشرف على تنفيذها الأمم المتحدة هذا رابعا، أن مضمون أهداف كلا الثورتين تنشدا قيام الدولة المدنية الحديثة وبناء جيش وطني والوصول بالبلاد الى تحقيق الوحدة الوطنية وتعميق المشاركة الشعبية في بناء مجتمع تعاوني ديمقراطي هذا خامساً، وأخيرا تعرضت ثورة السادس والعشرين من سبتمبر الى مشاكل عدة أخطرها تولي العسكر وإقصاء الثوار واحتوائها من قبل دول الجوار أدت الى حرب أهلية استمرت حتى 5 نوفمبر عام 1967م ،ونفس الشيء ثورة 11فبراير 2011م تتعرض الى مشاكل وتدخلات بمبادرات خارجية أي مازالت تتعرض لمحاولات احتواء من قوى داخلية وخارجية تمارس إقصاء لبعض المكونات المشاركة في الثورة ولم يتضح معالم استقرارها ولا كم من الزمن لتتجاوز ما تتعرض له فهو مرهون بوعي اليمنيين لتقرير مستقبلهم بعيدا عن المشاريع الصغيرة الجغرافية أو المذهبية أو الحزبية!


أما أوجه الاختلاف من وجهة نظري تتمثل بالاتي:
إن ثورة السادس والعشرين من سبتمبر قام بها طلائع من قواتنا المسلحة هم الضباط الأحرار الذين أدركوا حجم التخلف بعد محاولات عديدة في عملية الإصلاح في البلد في 1948 م وعام 1955م وواحد وستين ميلادية هذه المحاولات رسخت الرغبة والإرادة لدى القوى القادرة على إحداث التغيير فتحقق لها إزالة أسرة حميد الدين من الحكم وتطهيرهم من كافة مؤسسات الدولة البسيطة آنذاك ،ولكن كون مستوى التعليم كان بسيطا جدا وبروز ثقافات ومعتقدات بمرور الزمن من أن الإمام هو احمد يا جنة أي انه يعلم كل ما يجري في البلد فبقت كثير من الجماهير موالية للملكية ولم تستجب لرواد التغيير فتحولت البلاد الى حرب أهلية أودت بحياة اليمنيين وعدد كبير جدا من إخواننا المصريين الذين كانوا يدعمون الثوار وتثبيت الجمهورية ،بمعنى اكثر وضوح أن الثورة كانت نخبوية ومن جانب الجيش اليمني وليست شعبية وبالتالي تعرضت لما تعرضت له من مشاكل طوال تلك السنيين العصيبة من عمر ثورة السدس والعشرين المجيدة.أما ثورة الشباب التي أصبحت بعد وقت قصير شعبية حيث أنظمت كل فئات المجتمع من تجار ومنظمات مجتمع مدني الى قطاع المرأة التي لم تشارك في الثورات السابقة بل كانت المرأة اليمنية مميزة حتى على مثيلاتها في ثورة الربيع العربي وكرمت المرأة اليمنية لهذا التميز بجائزة نوبل للسلام ،وكذلك أنظمت الى الثورة مختلف القبائل والأحزاب اختتم هذا الانضمام جزء كبير من الجيش فاكتملت عناصر القوة للثورة ،فكانت قاب قوسين أو أدنى من تحقيق كامل أهدافها لولا التدخل الذي حصل لهذه الثورة الوليدة كما حصل لثورة السادس والعشرين من سبتمبر ،ولكن هيهات هيهات أن تُسرق هذه الثورة وهي التي أتت شعبية من بدايتها فأضحت ثقافة في كل بيت ، بل لقد جاءت لتسترد ما سُرق من مضامين أهداف الثورات التي سبقتها بعد أن شخصت مشكلات اليمن واستقر بها المقام أن تضع الحلول الناجعة لتلك المشكلات بلغة سهلة وواضحة لا لبس فيها فقررت رفع شعار إسقاط النظام الفردي الاستبدادي العائلي لتبني على أنقاضه دولة مدنية حديثة قائمة على المواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية وسيادة القانون وإتاحة الفرص للجميع واعتماد لتعددية الحزبية الفعلية وليس الشكلية وتحقيق استقلال القضاء وتشكيل هيئاته الناقصة كالقضاء الإداري وغيرها ..هذا هو الاختلاف الأول، أما الاختلاف الثاني فيتمثل بقيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر على شطر من الأرضي اليمنية على نظام مستبد يمني بينما الشطر الآخر كان يخضع للاستعمار البريطاني الذي جثم على صدره ما يربوا على 139 سنة ، فكان على الثوار أن يفكروا بالشطر الآخر إن من حيث أهداف والمبادئ أو من حيث الدعم العملياتي واللوجستي لمناصرة إخوانهم الثوار في الشطر الآخر ،فمن الطبيعي والحال كذلك أن تأتي من بين أهدافهم إعادة تحقيق الوحدة اليمنية ،وعندما تحقق للشطر الجنوبي استقلاله استكملت أهداف الثورة الأولى لليمن بثورة السادس والعشرين والرابع عشر من أكتوبر المجيدتين ولكن بشطرين . هذا هو واقع ثورة سبتمبر . أما ثورة الشباب الشعبية السلمية فانطلقت من جيل الوحدة وهذه ملاحظة مهمة يجب أن يتنبه لها الباحثون والسياسيون بعد إعادتها بما يقارب الاثنين والعشرين سنة .اجل قام بها جيل الوحدة عندما استشعر خطر الانفصال نتيجة لممارسة الإقصاء والظلم والضم والإلحاق من قبل حكام مستبدين عائليين لا يعرفون معنى الوحدة ولا معنى الشراكة بل كل همهم أن يبقوا في كراسي الحكم على حساب الاتفاقات والمبادئ والمثل ،فهب شباب الحرية والتغيير لينفضوا غبار الظلم والاستبداد بعد أن تعلموا من إخوانهم في الحراك السلمي معنى الحرية الذين سبقوهم بها بأعوام وكانت الأحزاب والقوى عاجزة تماما عن مناصرتهم !أما الاختلاف الثالث فيتمثل بان ثورة السادس والعشرين من سبتمبر كان رؤية سياسية واضحة لدى الضباط الأحرار وبقيادة معروفة قبل قيامهم بتفجير الثورة المباركة ،أما ثورة الشباب الشعبية السلمية فلم تمتلك رؤية واضحة حتى هذه اللحظة بل أن استمرار الثورة في الساحات قد مكّن الشباب من تعلم السياسة العملية التراكمية ،وتحصنوا بالنضج السياسي الكبير الذي جعل كل واحد منهم قائدا بذاته ،وبمعنى اكثر دقة أن ثورة السادس والعشرين من سبتمبر كانت تمتلك قيادة ورؤية ،بينما ثورة الشباب لا تمتلك حتى الآن قيادة واضحة ولا رؤية سياسية! ؛أما الاختلاف الرابع هو اعتبار ثورة الشباب الشعبية السلمية ثورة رابعة مازالت مستمرة لتحل محل الثورات السابقة أو لنقل لتقوم بتصحيح الانحرافات والممارسات التي حصلت في الثورات السابقة فهي محصلة الثورات السابقة جميعها كونها تحمل أهدافا تعالج المشاكل على المستوى الكلي للبلد وليس على جزء منه ،إذن فهي ثورة مجتمعية شاملة !
مما سبق ذكره من بعض أوجه التشابه والاختلاف التي استطعنا استذكارها ،وبعد مرور خمسين عاما على قيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر يجعلنا نؤكد وبشيء من الراحة والاطمئنان أن ثورة الشباب الشعبية السلمية قد استوعبت معظم مشاكل اليمن منذ خمسين سنة مضت وأنتجت فسيفساء جديدة تمثل شرائح المجتمع بتنوعها الواسعة لتضع معالم الطريق لبناء اليمن الجديد القائم على الحوار وتقبل الآخر وعدم الإقصاء ليسود فيه التسامح ورفض الثأر واستيعاب المشاريع الصغيرة في المشروع الكبير ، وذلك لأنها انتهجت السلمية طريقها في تحقيق أهدافها وأسقطت التوريث والى الأبد بتحملها وتسامحها عما لحق بها من نظام مستبد، ولأنها رأت أن بناء اليمن الجديد يستحق التضحيات دون اللجو الى الانتقام عند استكمال بقية أهدافها وخلقت ثقافة لم تكن موجودة في السابق هي ثقافة التوافق وعدم الاستفراد في الحكم من أي طرف كان ، وعليه فمصلحة اليمن في المشاركة من كافة الأطياف السياسية في الحكم وإيجاد التوازنات المطلوبة التي تضمن هذا التوافق في المستقبل القريب والعمل على إيصال للحزب أو الأحزاب المتحالفة للحكم التي ستقدم البرامج وليس الايدولوجيا ، والتي ستسهر على تنفيذ تلك البرامج في المستقبل المنظور من خلال الوعي الثاقب والمستمر من كل أبناء الشعب اليمني الذي سيصوت لتلك الأحزاب ،وبهذا فقط يمكن للأحزاب أن تصل للحكم من خلال أهدافها الواضحة والقابلة للتنفيذ وكذا من خلال الإجراءات والوسائل المزمنة تزميناً دقيقاً. هذا هو اليمن الجديد الذي ستصل إليه هذه الثورة الشبابية في نهاية المطاف إنشاء الله تعالى!