الجمعة ، ٠١ نوفمبر ٢٠٢٤ الساعة ٠٦:٣٦ صباحاً

اليمن بين تغريدات بن عمر وإرهاب الزعيم

عباس الضالعي
الثلاثاء ، ١٨ سبتمبر ٢٠١٢ الساعة ٠٩:٤٠ صباحاً
" مجلس الأمن الدولي مستعد لفرض عقوبات على الأشخاص أو الجهات التي تعرقل سير عملية التسوية السياسية في اليمن " او هكذا عبارة مكررة من السيد جمال بن عمر مستشار الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الخاص إلى اليمن قالها في مؤتمره الصحفي بفندق موفنبيك يوم السبت 15سبتمبر الحالي وكررها عند مغادرته لليمن يوم الاثنين 16سبتمبر وقالها أكثر من مرة وفي كل مناسبة ونحن نسمعها منذ أكثر من ستة شهور .

أفهم – وغيري – أن هذه اللغة تتطلبها الدبلوماسية التي يسير عليها بن عمر وهذا شيء لا خلاف عليه نظرا لحساسية الوضع اليمني المعقد ، وبن عمر دبلوماسي محترف يعرف اختيار الألفاظ والعبارات حين يوجه رسائله للمعنيين بالأمر ، والدبلوماسية مطلوبة ومطلوب أكثر هو الحقيقة والإفصاح عن الأشخاص او الجهات التي تعرقل مسار التسوية رغم معرفتنا بالمعرقلين أشخاصا وجهات وكلها بقايا (تتطحلب) لتفتح ثغرة في هذا الجدار ، ولا يمكن للحقيقة أن تضيع بين الأفئدة وأدراج رعاة المبادرة الخليجية والقائمين عليها لأن الوضع في اليمن لم يتوقف عند مستوى الخلاف السياسي والحرب الإعلامية بل تجاوزها ليشكل واقعا آخر على الأرض ، هذا الواقع ( مسّ) ناموس السلام الاجتماعي والأمني وأصبحت الحياة اليومية تقف على برنامج خلل يومي من القتل والتفجيرات والسيارات المفخخة والاغتيالات ومحاولاتها ، وقطع الطرقات والكهرباء وتفجير أنابيب النفط والغاز والاختطافات وغيرها ، إضافة إلى ظهور تشكيلات جديدة من العصابات الإجرامية المخطط لها سلفا والمعدة للسرق والنهب وإقلاق الحياة العامة وتعكير الأجواء الاجتماعية والسكينة العامة .

واستمرار الوضع على هذا الحال السيئ يمثل عامل تشجيع ودافع ورغبة تحت الطلب للأفراد من ذوي النزعة (العنفيه ) إلى تنظيم قواهم وتجهيزها بالعدة المتاحة لهم من صاحب الرغبة والهدف !! لممارسة العنف ونشر الفوضى وبمسميات وشعارات مختلفة إما حقوقية ومطلبيه أو مناطقية أو مذهبية أو فئوية الهدف منها هو تغذية عامل الانتقام نزولا عند رغبة الزعيم المخلوع .

من اجل وقف هذا جاءت المبادرة الخليجية ومعها الدعم الدولي لتقديم رؤية سياسية تعتمد على التوافق لحل ما أسموه ( الأزمة اليمنية ) وتجاهلوا - عمدا – عن شيء اسمه الثورة اليمنية وفضلوا التغيير بالتوافق دون التغيير بالثورة نزولا عند رغبة الطرف الخليجي الذي يعتبر الثورة مصدر إزعاج سياسي بهدف الحد من انتقال العدوى الثورية الى تلك البلدان .

في اليمن الثائر استسلمت قوى التغيير الثورية – وبمرارة - لهذه المبادرة واعتبروها مخرجا مرحليا يلبي الحاجات الأساسية للتغيير وحفاظا على الأرواح والممتلكات ووضع اليمن في مسار ( منزلة بين منزلتين ) بمعنى ان نحقق المكسب الثوري في التغيير كمسار تونس ومصر ولا يذهب باليمن إلى المسار الذي سارت عليه الثورة في ليبيا وسوريا رغم أن اليمن نال جزءا لا يستهان به من مسارات الثورة الليبية والسورية ولو بشكل أقل ، بسبب التوازن في القوة وال رعب الذي توفر للثورة اليمنية بفضل الله أولا ثم بفضل الموقف الشجاع الذي اتخذه اللواء علي محسن الأحمر ومن التحقوا معه من العسكريين والأمنيين والشخصيات الاجتماعية والبرلمانية والدبلوماسيين وجميعنا في اليمن يعرف تفاصيل تلك المواقف .

المبادرة الخليجية أوقفت الحل الثوري للتغيير وهذا برأيي أهم عيوبها وسلبياتها ونصت على انتهاج التغيير التوافقي مع حرصها على ضرورة خلع الحاكم بشخصه من موقعه باعتباره سببا رئيسيا لاندلاع الثورة الشعبية الشبابية السلمية واعتمدت أنصاف الحلول على كل المسارات ، خطوة تحققت للثورة اليمنية وهي خلع صالح عن الحكم ، والسعي في مسار التسوية السياسية مناصفة بشكل مرحلي حتى يصل اليمنيين إلى مرحلة التغيير الديمقراطي نهاية المرحلة الانتقالية من خلال إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية الحكم فيها للصندوق .

تحقق جزء من التغيير الذي كان أملا لليمنيين وتحقق معه ( تقليم بعض أظافر صالح المخلوع ) ونجحت المبادرة في سياقها الشكلي وأخفقت جزئيا في بعض مضامينها نظرا لوجود ثغرات في حدود معينة أتاحت من حرية الحركة للطرف الذي قامت عليه الثورة وساعدت المبادرة على خلعه وهو الزعيم الذي كان صالح بشخصه ومعه المؤتمر الشعبي العام ومن يدور في فلكه من أنصار وجماعات صغيرة ترتبط به ارتباطا مصلحيا يتوقف على المنفعة في مناسبات معينة .

الثغرات الموجودة هي بالتأكيد من عمل صالح الزعيم لعمل (غير صالح ) وضعها أو عمل على وضعها كخطوة شيطانية استباقية يفهمها وقد فهمها ويعمل على تطبيقها ، الثغرات التي كان لغض طرف بعض الأطراف الخارجية سببا في وجودها بحسن نية او بسوء نية متعمدة ومقصودة تستخدم كسلاح بيد بعض الأطراف في الوقت المناسب ، وتقبلها الطرف السياسي المشارك في المبادرة والمحسوب على قوى التغيير دون أي صلة مباشرة للثورة وتكتلاتها الثورية ،
الثغرات التي كان ينظر إليها أنها بسيطة تحولت إلى عثرات وعقبات وأكثر من هذا أنها تحولت إلى واقعا وهاجس مؤلم للخوف يكاد أن يخلق واقعا جديدا ( الانفلات )هو القاسم المشترك لهذا الواقع ، وأصبح اليمنيين محصورين بين آمال بن عمر في تحديد الأشخاص والجهات التي تعرقل مسارات صناعة مستقبله وبين إرهاب الزعيم الذي تفرغ للانتقام والثأر ومحاولة العودة كمشروع ناعم من أحلام الوهم .

ثغرات المبادرة أستغلها الرئيس السابق والحاكم الموازي حاليا وشجعته على التمرد على كل المسارات ويهدف الرئيس السابق من خلال هذه الثغرات أما عودة الأمور إلى مربعها الأول وهذا مستبعد إلى حد كبير وأما لملمة وترتيب كياناته التي تبعثرت وتدحرجت من حوله خلال أيام الثورة الأولى والعودة من جديد إلى سدة الحكم بسبب التدهور الأمني الذي يعمل عليه ويكون عامل دعم قوي له مستقبلا على أساس فرضية وهمية أن الأمن مربوط بحكمه أو حكم وريثه المنتظر احمد ووعوده لكبار أنصاره بأن لهم نصيب كبير في المغنم أي في مؤسسات الدولة التي ينظر لها صالح وكبار مناصريه على أنها جزء من الغنيمة .

وهنا تكمن سلبية المبادرة التي لم تنص على وضع صالح خارج الحكم وتركته يسرح ويمرح ومعه صك جرائمه ( الحصانة ) وخزينته المدعومة بالمال الذي عمل على نهبه لأكثر من ثلاثة عقود مضت ، وهذه كلها عوامل شجعته وتحول إلى زعيم مدمر يدعم كل جوانب الشر ويسعى لتحقيق رغبة شخصية ونفسية للثأر من كل الأطراف الذي عملت على إجهاض أحلامه الملكية وخلعته من الحكم وهي أطراف داخلية وخارجية ، الداخلية تتلقى العقاب بشكل يومي ومتواصل وبصور متعددة منها قطع الكهرباء و تفجير النفط وقطع الطرقات وخلق فوضى أمنية في إحداث التفجيرات ودعم الجماعات المسلحة والتنظيمات الإرهابية وهذا على العقاب على المستوى العام ، أما عقاب الأشخاص فيتمثل في الاغتيالات ومحاولات الاغتيالات المتواصلة التي كان آخرها محاولة اغتيال وزير الدفاع وقبلها الدكتور ياسين سعيد نعمان وآخرها محاولة اغتيال وزير الأوقاف الذي سيلصقها إعلام الزعيم بقوى المعارضة.

أما الانتقام من الأطراف الخارجية فهي على أكثر من شكل وأكثر من جبهة بعضها تحقق وبعضها الآخر قيد التنفيذ لا حقا مثل اختطاف الدبلوماسي السعودي عبد الله الخالدي ومحاولة اختطاف أجانب في أكثر من منطقة وكذلك دعم التنظيمات المسلحة والإرهابية للعمل ضد مصالح تلك الدول وخاصة المملكة السعودية وأمريكا وكان آخر صور الدعم هو محاولة استهداف السفارة الأمريكية مستغلا مشاعر الناس التي ذهبت لتعبر عن استيائها ورفضها الإساءة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم و كانت بصمات الزعيم وأنصاره الجدد واضحة.

نأمل أن من السيد جمال بن عمر والمشرفين على المبادرة أن يتفهموا هذه التطورات ويحاولوا اختصار الزمن لصالح اليمن ويحدوا من نشاط الزعيم الذي حصنته المبادرة وتحول إلى وحش يهوى القتل والتدمير والانتقام ..