الخميس ، ١٨ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٥:١٨ صباحاً

الإستدارج السياسي لبعض العلماء والدعاة!

د . عبد الملك الضرعي
الخميس ، ٠١ يناير ١٩٧٠ الساعة ٠٣:٠٠ صباحاً
يشكل تباين مواقف العلماء والدعاة من الأحداث الراهنة في اليمن والوطن العربي إحدى القضايا الهامة التي أثارت الكثير الالتباس،حتى وصل الأمر حد الإساءة لعلماء يُكِنُ لهم الجميع كل الحب والتقدير والاحترام ، وللأسف عند النقاش مع غالبية المنتقدين لدور العلماء سلطة ومعارضة،تجد أن الإساءة ترجع للاعتراض على مواقفهم من منظور سياسي وليس من منظور شرعي،باستثناء مواقف محدودة ترجع الخلاف لأصل شرعي يتعلق بمفهوم ولي الأمر وشروطه لدى الطرفين.

لم أكن أود الخوض في هذا الموضوع حتى يُترك طرحه للعلماء والدعاة بصورة مباشرة ، إلاَّ أنه ومن خلال المتابعة المستمرة لوسائل الإعلام تبين أن بعض الدعاة والعلماء مستمرون في طرح آراء وفتاوى بناء على معلومات غير صحيحة ، وتلك الآراء والفتاوى تُدخل بعض الناس في لبس وشبهة ، وتؤدي لنشر ثقافة الكراهية والتعصب بين أفراد المجتمع ، لذلك سوف نحاول سوف نطرح وجهة نظر لمواقف العلماء والدعاة من الأحداث الراهنة في اليمن كما يلي:

أولاً/ علماء ودعاة مواقفهم واضحة من الأحداث الراهنة:
فهم إما مع أو ضد السلطة، وهؤلاء يتعددون فمنهم المنخرط في العمل الحزبي ، سواء في السلطة أو المعارضة ومنهم مستقل،ويمكن الإشارة إلى ذلك كما يلي :

1- علماء ودعاة مؤيدون للسلطة : وهؤلاء نسبة كبيرة منهم ضمن الجهاز الحكومي للدولة وخاصة وزارة الأوقاف ، وبعضهم من قيادات وقواعد المؤتمر الشعبي العام ،وبعضهم منخرط في بعض الأنشطة الخيرية لجمعية الصالح أو غيرها من الأنشطة المرتبطة بالحزب الحاكم ، وجميعهم ينكرون فعل قوى التغيير ، ومواقف هؤلاء واضحة في مساندتهم للحزب الحاكم ، وجزء منهم لديه قناعاته الشرعية بما يقوله ، على كل حال يمكن القول أن جميع هؤلاء موقفهم واضح ومفهوم في الدفاع عن السلطة الحاكمة.

2- علماء ودعاة مؤيدون لثورة الشباب الشعبية السلمية : وهؤلاء يقفون مع قوى التغيير وينكرون تشبث الحاكم بالسلطة ، ويرون أن فعل شباب الثورة يندرج تحت باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويؤكدون على مواقفهم من خلال الأدلة الشرعية التي يوردونها، وما يمكن قوله عن هؤلاء أن مواقفهم مباشرة كون غالبيتهم أصلاً يقرون بممارسة العمل السياسي ، وجزء منهم في أحزاب المعارضة ، ومن ثم ما يقوله هؤلاء الدعاة والعلماء دون شك يعبر عن مواقفهم الشرعية والسياسية، وهم بذلك يتحملون نتيجة مواقفهم وفتاواهم الشرعية لأنها تصدر بأسمائهم وصفاتهم بداية بالعنوان إلى المحتوى والخاتمة ، ويصطف معهم تيارات وجماعات أسلامية غير حزبية لديها قناعات شرعية بضرورة التغيير.

ثانياً/علماء ودعاة لم يعلنوا مواقفهم من الأحداث الراهنة: وغالبيتهم من كبار السن ، ومن هؤلاء من برز خلاف حول توقيعهم لبعض البيانات المؤيدة للثورة الشبابية الشعبية السلمية ، كما هو حال تضارب الأنباء حول توقيع بعض علماء الزيدية أو القاضي العمراني ، ويتوقع أن هؤلاء ستتغير مواقفهم إذا حدثت تحولات تجعل المشهد السياسي أكثر وضوحاً.
ثالثاً/علماء ودعاة مواقفهم غير واضحة: وهؤلاء غالبيتهم لا يقر الحزبية ولا الديمقراطية ولا الانتخابات ، وينكرون حتى العمل السياسي للعاملين في مجال الدعوة، ولا يعني ذلك أنه لا توجد لديهم رؤية سياسية ، بل أن هناك العديد من مؤلفاتهم حول السياسية وفق رؤية شرعية معينة ، كما أن مواقفهم الحالية تستند إلى مبدأ شرعي هو حق ولي الأمر في السمع والطاعة ، والإشكالية أن بعض هؤلاء يستدرج إلى مواقف ذات بعد سياسي تخدم أطراف معينة ومن ذلك ما يٍلي :

1- علماء ودعاة يتم استضافتهم على شاشات التلفاز، ويؤكدون على مواقفهم من ولي الأمر من خلال عدد من الأدلة الشرعية،ولكن يتم استدراجهم في أحيان كثيرة من خلال مشاهد مصورة لأحداث تظهر غالباً في شكل فواصل إعلانية ، فمثلاً ونحن نستمع إلى الحوارات المطولة مع بعضهم في وسائل الإعلام (قد يأتي المخرج بمشهد لدار قد أحرقت ونفس قد أزهقت ) ويأتي دور المذيع ليسأل ذلك الداعية ما رأيك فيما شاهدته من التدمير الذي قامت به الفئة الفلانية (وذلك الدمار قد يكون لتلك الجهة صلة أولا تكون لها صلة به، لأن القضية لم يبت فيها قضائيا ، بل ربما لم تحسم المصادر الرسمية موقفها من الفاعل) ، ومما يؤسف له أن ترى ذلك الداعية يباشر بالدعاء على تلك الفئة الباغية بالويل والثبور وقد يحرض المجتمع على قتالها ، وقد يدفع ذلك بعض المغامرين فعلاً إلى ارتكاب جريمة القتل بناء على ذلك التحريض، والأصل الشرعي (أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته) ، لذا نتمنى على أولئك العلماء والدعاة أن لا يتسرعوا ويستدرجوا لإصدار أحكام دون دليل شرعي ، وأن لا يفرحوا بظهورهم على شاشات التلفاز التي كانت ممنوعة عليهم لوصفهم بالمتشددين!!!

2- علماء ودعاة لا يجيزون التصوير وتظهر آراؤهم مكتوبة على مواقع الإنترنت أو مطبوعات ورقية، ومن الأمثلة على مواقفهم فتوى وزعت في بعض المساجد ونشرت في مواقع الإنترنت لأحد العلماء عنوانها(نصيحة واستتابة لقناة (...)وغيرها من القنوات الكذابة) وذلك إجابة على(سائلٌ يقول:نشر عنكم في قناة (...) أنكم تركتكم حزب المؤتمر وانظممتم إلى أحزاب اللقاء المشترك المعارضة)، وكانت الإجابة في بضع صفحات كلام شرعي جميل ومفيد حول صفات الصدق والكذب،وتم ترويجه لصالح طرف سياسي ، وضد قنوات وأطراف سياسية معينة ، والملاحظ على سؤال الفتوى أنه استدراج سياسي ، فبالعودة إلى السؤال:

سائلٌ يقول : نشر عنكم في قناة (...)، وكون الموضوع يخص الشيخ كان الأولى به أن يتحرى مدى صحة الخبر، خاصة أن الشيخ ومريديه أصلاً يحرِّمون مشاهدة التلفاز، ثم يأتي في السؤال: أنكم تركتم حزب المؤتمر وانظممتم إلى اللقاء المشترك ، وهنا لا يوجد شخص مهما بلغ من الثقافة لا يدرك أن الشيخ أصلاً يحرم الحزبية حيث يقول في نفس الفتوى(فإن الحزبية محرمة والتحزب تشبه بالكافرين ومفرق للمسلمين) إضافة إلى الأقوال الصريحة للشيخ في شأن أحزاب اللقاء المشترك ، ويستوقفنا كذلك عنوان الصفحة الأولى (نصيحة واستتابة لقناة(...)الكذابة) والعنوان أيضاً لا يستقيم مع فعل الكذب الوارد في الفتوى ، كون الكذب والصدق والاستتابة صفات تلازمٌ الإنسان وليست لغيره ، والقنوات هي أجهزة ومعدات الكترونية يستخدمها الإنسان في الخير أو الشر، خلاصة الأمر أن التناقض بين محتوى الفتوى الذي يورد صفات الصدق والكذب لا خلاف عليه لأنه اعتمد على الأدلة الصحيحة من الكتاب والسنة ، ولكن الخلاف في التوظيف السياسي للفتوى من خلال الإضافات والمعلومات غير الصحيحة كما سبق إيضاحه ، ثم ومما يلاحظ خلال هذه الفترة من المأزق السياسي الترويج لبعض الفتاوى ومواقف العلماء التي تتفق مع رؤى سياسية معينة ، وبأوراق فاخرة وطباعة راقية وساعات طويلة من البث الفضائي ، بينما لم تكن مواقف تلك الجهات من هؤلاء العلماء والدعاة سابقاً كما هو اليوم!!!!

لقد قرأت موضوع آخر لنفس العالم بعنوان (نصيحة لأهل اليمن أن لا يرهقوا البلاد بالثورات والمظاهرات والفتن)وللأسف العنوان باسم أهل اليمن والمضمون عام ، ولكن يأتي الاستدراج في بداية الموضوع:أخٌ يقول: ما منهج الإخوان المسلمين ؟ لذا يفهم القارئ لتلك الرسالة أن كل ما فيها خاص بالإخوان المسلمين(والمعروف أن السلطة الحاكمة تستخدم هذا المفهوم ضد بعض قوى المعارضة) على الرغم من أن محتوى الرسالة يشير إلى موضوعات عديدة منها نقد للمفاسد الموجودة والتي ذيلها بقوله(أنا أذكر هذا نموذجاً للكذابين الذين يقولون إنه يستعملنا فلان أو فلان, نحن نعمل لله عز وجل)، ونحن في هذا المقال نؤكد أن رؤيتنا لعلمائنا أنهم لا يستعملوا من أحد ، ولكن قد يستدرجوا أو يتم التلاعب بمواقفهم وفتواهم كما سبق وأشرنا، وهناك موضوع آخر قرأته للشيخ بعنوان(لماذا جل الشعب اليمني يحب الرئيس علي عبد الله صالح وفقه الله؟)ولا أجد في هذا الموضوع إشكالية لأنه يعبر عن موقفه هو بصورة صريحة ومباشرة ، على كل أسهبت في الأسطر السابقة ، لأن للشيخ وطلابه مكانة كبيرة لدى شرائح واسعة في يمن الإيمان والحكمة ، ومعروفون ببعدهم عن العمل السياسي ، لذلك ما طرح سابقاً القصد من النصيحة لا أكثر ، حتى يكون كلام العلماء والدعاة مصان من التحريف والتأويل والاستدراج السياسي والتحريض الذي قد يؤدي لاستباحة الأنفس والدماء والأموال والأعراض!!!

أخيرا نكتب ذلك دون ذكر الأسماء لأن هدفنا ليس التشهير بأحد ولكن طرح لمواقف بهدف النصحية ، كون الوضع السياسي الراهن في اليمن شديد التعقيد ، ولأن الشعب اليمني شعب معروف بتدينه، فالفتوى تعد أهم سلاح لإقناع ملايين اليمنيين بفكرة سياسية معينة ، وعدم وضوح الفتوى تجعل المسلم حائراً بين موقفه السياسي وفتاوى توقع الفرد البسيط في الشبهة ، ولكن إذا ما تم قراءة غالبية تلك الفتاوى بتمعن أو سُئل العلماء بصورة مباشرة ومفصلة لكانت مواقفهم غير ما يروجه السياسيون ، نرجوه تعالى أن يوفقنا جميعاً لما يحبه ويرضاه وأن ويدفع عنا الشبهات ، وأن يلهم علمائنا ودعاتنا الصواب إنه على ما يشاء قدير.