الاربعاء ، ١٧ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٢:٤٧ صباحاً

مُرسي من الصين والصين في الطين

أحمد إبراهيم
الجمعة ، ٠٧ سبتمبر ٢٠١٢ الساعة ٠٧:٤٠ مساءً
لا أعتقد ذلك فورا في القاهرة، فهو كذلك في بكين، إن إختارتا العاصمتان بحنكة، كل الطرق المؤدية إلى تنمية الطين وإن كان ببلّة، بالمنهج الإستثماري السليم لتحويل ذلك الطين المُبلّل نحو الأراضي الخصبة لدى الطرفين .. الصين قد تأتيك بطين الزّرع ولو بالنخل في بكين، فلتطلب القاهرة العلم ولو في الصين.

الصينيون أقزام وعباقرة، فيهم الأقصر طولا بالعالم، وفيهم المُعمّرون الأطول عمرا بالعالم، ولهم اليد الطولى والباع الطويل في إطالة عمر الإنسان بفنون وأساليب صينية، وبمناهج صحية في كل المعمورة، كما نحن في بعض المعمورة بما يخصف العمر بالكحول للكبد، والتدخين للرئة، والدهون للشرايين والكروش .. أوقفوا تلك الأسطوانات الببغاوية التي نبصق بها وجوه الآسيويين: "أنتم الأقزام، أنتم العمّال، انتم الجهلة..! .. ونحن الأرباب وأولوا الأرباب.!"

لا تصاغروهم لأعراقهم الصفراء، وألوانهم الداكنة ولا لجنسياتهم، بل كابروهم لمنجزاتهم، علينا السجود لله دائما لا للشمس والقمر ولا للصخر والبقر، ولكن إحتراما لتلك اللمسات الكتومة لهم على خريطة الكون طولا وعرضا، شرقا وغربا، شمالا وجنوبا .. علينا ايضا بعد السجود لله مباشرة الركوع لتلك المنجزات، إنه الحق، والحق يُقال ولو على نفسك، انه لاينافي الدين، بل أنه يصادق على ديننا الحنيف ورؤية نبينا الكريم الذي أوصى على الأمور بالكتمان قبل الف وأربعمئة عام، لكنّنا ومع الأسف إستبدلناه الكتمان بالمناورات الورقية والإستعراضات الوهمية، فتحوّل العدو لواقع كان ينمو ويتنمّر بطي الكتمان.!

علينا الإعتراف بأننا كنا نمورا ورقية وكنا جبناء، وعلى الصين العملاقة التي ستقترب بنا أكثر عبر بوابة القاهرة، عليها ان لاتزدري بنا ولا تحتقرنا على ماض ولّى ولن يعد، عواصمنا وبالأخص القاهرة وبغداد ودمشق كنّ يتظاهرن بالقوة والجبروت الوهمي لأسلحة نووية وبيولوجية وجرثومية، يستعرضن بها في الأضواء وهنّ رغاديد يرتعشن في الظلام من معركة القط والفأرة، قوتها على الشعب والرعية، صنعن مواطنين يستسلمون ولا يُسلمون، يخافون من الخيال، يموتون في اليوم مرتين، عندما يخرجون من بيوتهم ويعودون إليها، يخرج المواطن الغلبان وراء لقمة العيش من بيته خائفا من ظلّه، ويعود إليه متوهما أنه مراقب من ظلّه، وظلّه مراقب من ظلّ ظله، وأنّ كارثة ستقع به في يوم، او حفرة سيسقط فيها في ليلة.!

يقال (وعساني غير مخطأ) ان الرئيس المصري مرسي عاد من الصين ببروتوكولات ثمانية، تدور في محاور ثلاث:

‌أ. زيادة حجم الاستثمارات المتبادلة بين الجانبين.
‌ب. تعزيز التبادلات الثقافية.
‌ج. تنسيق المواقف السياسية المشتركة.

فعرفنا أن إنسان هذا القرن لايعيش دون تلك الحزم الثلاث: (الإقتصادية والثقافية والسياسية)، وحزام الطب (ان وجد فيها)، عساه يوضع في رأس القائمة، مهما كان تصنيف الطب في رأي الخبراء يأتي تحت بند الاستثمارات او التبادل الثقافي او حتى ضمن المواقف السياسية.

الطب البديل الذي يقال عنه الكثير، يقال عنه ايضا ان قُبّعة التنين الصيني تخفي تحتها الكثير الكثير عن الطب البديل لتفاجأ دنيا الطب التقليدي الكيمياوي، وان الصينين يملكون من القدرات الطبية الشعيبة ما قد يصدم بها الكون، لأن قاموس الطب البديل الصيني لا مساحة فيه لمفردات الأخطاء الطبية، وان الصينين لم يعلنوا بعد ما قد يفاجأوا به الأطباء الأميركان والعواصم الأوروبية والآسيوية، التي ظلت تجلب المليارات من البترودولارات العربية والإسلامية إلى ما تُسمّى بعواصم النقاهة والعلاجات المستعصية.

ساهمت بعض الإذاعات الأجنبية في التقليل من شأن التعاون الصيني المصري، بعد إنكشاف المساعدات الهزيلة التي قدمتها بكين لحكومة مرسي (200 مليون دولار، و200 سيارة للشرطة المصرية) إذا ما قورنت بتلك الارقام الفلكية التي كانت تأخذها القاهرة من أمريكا بإسم الشعب المصري، ثم يمضي المواطن المصري طوال العام مع صفحات التقويم الهجري والميلادي وهو يعبُدُ وزيرا حاليا ويسبّ وزيرا سابقا، يُقدّس السلطة ويحتقر المعارضة، لأنه يرى في جرائد الصباح الأرقام الفلكية للمساعدات وإيرادات السياحة وقناة السويس وعائدات الصادرات المصرية، وهو يتفحص في جيبه عن كسور (الجيم) للفول الصباحي.!

المساعدات الصينية لمصر كانت قليلة، فهل ذلك يعني ان مرسي سيذهب إلى نيويورك ليأخذ المزيد، او انه لن يذهب الى أمريكا بعد ما ذهب الى الصين وطهران.! نعم سيذهب قريبا، لكن الغريب في الامر انه خلاف المعهود ذهب الى بكين وطهران قبل نيويورك، فماذا يحمل لنا اللقاء المصري الامريكي من مفاجآت، هل تغرينا أمريكا بالسخاء الدولاري دون شروط وإملاءات، أم انها ستقبل بواقع مصر الجديدة، انها لم تعد بأمريكا لوحدها، ولا بأمريكا أولا ثم لأمريكا ثانيا.!

أتمنى الحكومة المصرية أن لاتركّز على الهيكل الهرمي للمساعدات الصينية بعدد الدولارات والسيارات، حتى لاتواجه أسئلة سخيفة من الصحفيين كما واجهته حكومة عصام شرف بمطار القاهرة مثالا وليس حصرا: (متى ستنتهي من رحلات التسول يا معالي الوزير؟!)

العلاقة المصرية الصينية إذا إنزرعت في طينة إستمثارية خصبة، وتطورت بكفاءات مصرية صينية مزودجة، فإنها قد تتحول من الإستهلاك الى الإنتاج، فلا لوم ولاعتاب على عدد السيارات والدولارات التي أخذتها القاهرة من بكين، لأنهما بالتضامن قد تدخل في صناعة وطباعة الدولارات.