الجمعة ، ٢٦ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١١:٣٢ صباحاً

مافيا الفساد تحاصر الشعب والاقتصاد اليمني!!!

د . عبد الملك الضرعي
الخميس ، ٠١ يناير ١٩٧٠ الساعة ٠٣:٠٠ صباحاً
يمر الاقتصاد الوطني للجمهورية اليمنية بمأزق غير مسبوق ، حيث تتراجع باستمرار مقومات الإنتاج ووسائله ،وتوقفت الكثير من الأنشطة الخدمية والاستثمارية ، نتيجة تردي الأوضاع الأمنية والتراجع الحاد لمصادر الطاقة المحركة سواء المشتقات النفطية أو الطاقة الكهربائية ، إن حالة الاقتصاد اليمني اليوم تمر بالمراحل الأخيرة لما قبل الانهيار والسقوط ، وترجع تلك المخاطر إلى المأزق السياسي الراهن وتبعاته في الجانب الاقتصادي ، حيث تتعدد الأزمات الاقتصادية التي سنشير إليها لاحقاً ، عموماً يمكن القول أن المخاطر الاقتصادية المحدقة بالجمهورية اليمنية ستكون لها عواقب إنسانية بلا حدود ، كونها ستهوي بملايين اليمنيين من مستوري الحال إلى حافة الفقر المدقع ،كما ستؤدي بعد ذلك إلى انهيار غير مسبوق لمقومات الحياة الاجتماعية والثقافية ، ويخشى أن يؤدي ذلك إلى تصاعد معدلات الجريمة وأنواعها ، وبالتالي تعرض الأمن الشخصي لأفراد المجتمع للتهديد المباشر.
إن المصاعب المتفاقمة التي يعاني منها الاقتصاد اليمني والمستمرة حتى اليوم ، تشير إلى وجود مافيا لديها القدرة على التحكم في الكثير من القضايا السياسية والأمنية والاقتصادية ، تلك المافيا دون شك تجني أرباح كبيرة نتيجة تفاقم الوضع الاقتصادي وارتفاع الأسعار ، ولا يستبعد أن ما تناولته وسائل الإعلام حول تهريب إحدى المضيفات اليمنيات لعشرات الملايين من الدولارات ، خلال رحلة طيران إلى المملكة المغربية ، يعد جزءً من عمليات غسيل الأموال والسوق السوداء التي تديرها ما فيا الفساد بصورة سرية ، مستغلة الفراغ السياسي والأمني لتفسح المجال لطموحاتها في الكسب الغير مشروع على حساب غالبية أبناء هذا الشعب المغلوب على أمره.
يشعر اليمنيون اليوم بقلق بالغ نتيجة التدهور المستمر لمقومات الحياة المعيشية ، والذي نتج عن مجموعة من العوامل السياسية والاجتماعية التي أثرت بشكل عميق في بنية الاقتصاد الوطني ، حيث تضررت عدد من القطاعات الاقتصادية مثل: (الإنشاءات - النفط والغاز - التعدين والمحاجر- النقل والمواصلات الداخلية والخارجية - السياحة وخدمات الفنادق والمطاعم – الاستثمارات بمختلف القطاعات - البنوك والشركات - تجارة الجملة والتجزئة- الصناعة -الضرائب والجمارك- المشروعات الصغيرة- الزراعة والرعي والأسماك- الخدمات الحكومية والخاصة مثل المياه والكهرباء والصحة والتعليم ...الخ - المهن البسيطة – الاقتصاد الأسري خاصة في المناطق الريفية) وغيرها من القطاعات الإنتاجية والخدمية في المدن والأرياف، مما أدى لبروز مشكلات عديدة أبرزها ارتفاع معدلات البطالة والفقر وبشكل غير مسبوق نتيجة توقف معظم الأنشطة الاقتصادية ، وتسريح أعداد كبيرة من قوة العمل وبالذات من القطاع الخاص ، إضافة إلى توقف عدد كبير من مشروعات الدولة ذات العمالة الكثيفة نتيجة تحويل مخصصاتها لمعالجة بعض جوانب المأزق السياسي الحالي.

بصورة عامة يمكن إجمال العوامل المؤثرة في الوضع الاقتصادي الراهن بما يلي:

1- تذبذب سعر صرف الريال وتوقف غالبية البنوك عن ممارسة الأعمال المصرفية المعتادة ، وخاصة ما يتعلق منها بالقروض والودائع والتحويلات،وقد اثر ذلك بصورة مباشرة على الحركة الاستثمارية سواء التجارية أو العقارية أوغيرها.

2- أزمة المشتقات النفطية : وقد نتج عنها خلل كبير في حركة النقل والتجارة والصناعة ، نتيجة الارتفاع الغير مسبوق في أجور النقل وتراجع عدد وسائل النقل العاملة ، إضافة إلى توقف العديد من المشروعات الصغيرة والمزارع عن الإنتاج ، وتعد أزمة المشتقات النفطية أزمة غير مسبوقة حيث ارتفعت أسعارها في السوق السوداء إلى أكثر من (600%) مما أدى على رفع سقف المعاناة اليومية لغالبية سكان الجمهورية.

3- تدهور الأوضاع الأمنية :نتج عن ذلك توقف العديد من الاستثمارات سواء الداخلية أو الخارجية ، إضافة إلى تراجع حاد في حركة النقل بين المناطق اليمنية المختلفة ، مما أدى إلى عواقب وخيمة على حركة رأس المال خاصة بين الريف والحضر ، ومن ثم التأثير الخطير على الاقتصاد الريفي المعتمد على تسويق المنتجات الزراعية في المدن.

4- لقد أدى المأزق السياسي الحالي في اليمن إلى توقف الحركة السياحية الداخلية أو الخارجية سواء بسبب الأوضاع الأمنية أو ندرة المشتقات النفطية ، ولذلك أثر مباشر على جزء هام من الدخل القومي المتصل بإيرادات القطاع السياحي ، الذي تعتمد عليه شريحة هامة من سكان اليمن.

5- عجز العديد من الجهات الإيرادية الحكومية عن تحصيل الإيرادات ، نتيجة توقف العديد من مؤسسات الدولة عن العمل ، أو رفض بعض المستفيدين تسديد التزاماتهم وخاصة ما يتصل منها بالخدمات الأساسية ، سواء نتيجة سؤ تلك الخدمات أو لشعور عام بأن الفوضى الإدارية وغياب الرقابة ستؤدي إلى تحويل إيرادات الدولة لصالح المسئولين التنفيذيين وليس إلى الخزينة العامة ، بصورة عامة سيؤدي ذلك الوضع إلى التراجع المستمر لإيرادات الدولة المالية.

6- يتوقع أن يؤدي الصراع السياسي إلى توجيه جزء من الإمكانات الاقتصادية لشراء الو لاءات وحشد الجماهير واستمرار الحملات الإعلامية وإقامة المسيرات ومهرجانات التأييد الشعبي ، والاستعداد لسيناريوهات أي مواجهة محتملة بين الفرقاء السياسيين.

7- ستؤدي الحروب القائمة في عدد من المناطق اليمنية مثل أبين وأرحب إلى فتح أبواب إنفاق جديدة من الموازنة المهددة بالنفاذ أصلاً ، ولذلك مخاطر عديدة على الاقتصاد الهش والمهدد بالانهيار.

8- إن وجود مئات الآلاف من الشباب المتواجد في ساحات الاعتصامات على مستوى الجمهورية دون شك سيمثل تكلفة اقتصادية غير مرئية ، ستعزز المخاطر التي تهدد الاقتصاد الوطني.

9- لقد أدى التدهور السياسي والأمني والاقتصادي إلى عزوف مئات الآلاف من الموظفين عن العمل ، بينما تحولت الدولة إلى صندوق لصرف الرواتب لموظفين غالبيتهم قابعين في المنازل.

10- تراجع العائدات النفطية التي تغطي حوالي(70%) من الموازنة العامة للدولة ، نتيجة تدهور الوضع الأمني في الجمهورية ، وتعرض أنابيب النفط للتفجير ، وتوقف الإنتاج في بعض الحقول ، إضافة إلى تراجع أشكال أخرى من مصادر تمويل الموازنة العامة للدولة سواء من الداخل أو الخارج.

أخيراً وبعد العرض السابق وبشكل موجز لبعض جوانب المشكلة الاقتصادية في اليمن ، يمكن القول أن بقاء الوضع على ما هو عليه ، من تراجع حاد في الإيرادات الوطنية وخاصة من قطاعات النفط والجمارك والضرائب وبقية الجهات الايرادية ، ومصاحبة ذلك بالأزمات الحادة في الخدمات الاجتماعية والمشتقات النفطية وغيرها من أوجه المعاناة اليومية ، إضافة إلى تعطل العمل في معظم مؤسسات الدولة ، كل ذلك وغيره من الأزمات الحادة في بنية الاقتصادي الوطني وإدارة الدولة ، والتي تتفاقم من يوم إلى آخر سوف تؤدي إلى انهيار اقتصادي محقق خلال أشهر معدودة إذا لم يتم ما يلي:

1- الإسراع في معالجة المأزق السياسي الراهن وفق رؤية وطنية تحقق لليمنيين طموحاتهم في التغيير السلمي الديمقراطي ، وبما يمكن المجتمع اليمني من الإمساك بزمام المبادرة في قيام دولة مدنية ونظام يعزز من الشراكة الوطنية في السلطة والثروة والقوة ، ويرسخ مبدأ التداول السلمي للسلطة وفق الأسس الديمقراطية.

2- وضع خطة اسعافية اقتصادية عاجلة بالتعاون مع مجموعة أصدقاء اليمن ، وصناديق وجهات دولية داعمة أخرى ، وفق خطة توقف تدهورالاقتصاد اليمني وتعيد بناؤه على أسس من الشفافية والنزاهة.

3- تشكيل أجهزة رقابة شعبية طوعية مفتوحة لكل فئات المجتمع ومن حملة مؤهلات التعليم العالي، ومسنودة بجهاز قانوني وقضائي وأمني خاص ومستقل مهمته النظر الفوري في حالات الفساد الإداري والاقتصادي المرفوعة إليه من لجان الرقابة الشعبية ، والتنفيذ الفوري للأحكام القضائية ضد من يثبت تورطه في تلك القضايا ، وهدف هذه الأجهزة حماية أي معالجات اقتصادية من عبث الفاسدين ، والميزة هنا إشراك الشعب في حماية حقوقه الاقتصادية.

4- تشكيل جهاز قانوني خاص لاسترداد الأموال التي تم تهريبها ونهبها من قوت الشعب اليمني ، سواء من قبل أفراد أو جهات ،وتلك حتماً ستصل إلى مليارات الدولارات ، وسيكون لها أثر كبير في معالجة العديد من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية الراهنة.

5- الدعوة إلى مؤتمر اقتصادي عام ، يتم فيه طرح الرؤى والأفكار العلمية الاقتصادية والإدارية ، التي تمكن اليمن من إعادة بناء اقتصاده على أسس ومبادئ التنمية الشاملة والمستدامة ، خاصة ما يتعلق منها بالاستفادة القصوى من الموارد الطبيعية والبشرية المتاحة.

تلك كانت رؤية موجزة متاحة للإضافة والنقاش ، نرجوه تعالى أن يحمي اليمن أرضاً وشعباً من كل مكروه ، وأن يرفع عن سكانه الفساد والظلم والطغيان والفقر..إنه على ما يشاء قدير.