الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٧:٢٢ مساءً

رسالة من مواطن إلى حماة الوطن

د . عبد الملك الضرعي
الخميس ، ٠١ يناير ١٩٧٠ الساعة ٠٣:٠٠ صباحاً
رسالة من مواطن إلى حماة الوطن..بعد التحية

بمناسبة جمعة حماة الوطن المقامة في ميدان السبعين ، يتبادر إلى الأذهان معاني تلك الكلمات التي تبعث على الفخر والعزة والأمن والكرامة والشجاعة (حماة الوطن) ، ونتذكر في الأمس القريب كيف كان لحماة الوطن الدور البارز في الانحياز للشعبين التونسي والمصري ، حيث وجد من خلال المتابعة الدقيقة لتطور الأحداث خلال الثورتين المصرية والتونسية ، أن الجيش عندما أحسن بتوتر الأوضاع وتضرر الحياة المعيشية والأمنية للسكان ، بادر بحسم الموضوع لصالح أمن واستقرار المواطن وصيانة خياراته السياسية.

نشير إلى دور الجيش في تونس ومصر ، وحال المواطن اليمني يتطلع إلى أن يلعب الجيش اليمني دوراً فاعلاً في المشهد السياسي ، ليس من باب الإستحواذ على السلطة بل من خلال المساعدة على قيام الدولة المدنية الحديثة ، دولة النظام والقانون التي يحميها جيش وطني محترف.
مضمون الرسالة التي تدور على لسان كل مواطن يمني يفخر بالقوات المسلحة والأمن نلخصها فيما يلي :
(إخوتي: أبناء قواتنا المسلحة والأمن البواسل ، لا يخفاكم ما وصل إليه حالنا من معاناة معيشية وقلق وخوف ورعب وإرهاب ، لقد أصبحنا لا نفكر بمستقبلنا قدر تفكيرنا بيومنا ، كما تعلمون وأنتم تألمون كما نألم أن الأسعار بلغت حد عجزنا فيه عن تسديد احتياجات أسرنا اليومية ، كما تعلمون أن المرضى عجزوا عن الوصول للمدن للعلاج ،لأن الأسعار العالية للمشتقات النفطية وندرتها أوقفت حركة النقل بين المناطق اليمنية ،إخوتي : لقد أصبحنا ضحايا فراغ سياسي نتج عنه غياب الدولة بمعظم مؤسساتها حتى أصبح من الصعب علينا الشكوى إلى أي جهة عن المشكلات التي نعانيها وخاصة في مجال الخدمات ، فلا مجلس نواب ولا رئاسة حكومة ولا مكاتب خدمية ، إن غياب الدولة بمفهومها المؤسسي أضر بالوطن والمواطن ، بل وتحولت الكثير من أجهزة الدولة إلى إدارات للشئون المالية مهمتها صرف الرواتب والمكافآت والعلاوات و...الخ ، بينما تخلت كثير من المؤسسات عن دورها في خدمة الشعب ، إخوتي: والحال كذلك ونحن ندرك أنكم جزءً من هذا الوطن الحبيب وحماته الأبطال ، فإن الحال يزداد سوءً يوماً بعد يوم ومصالح الشعب تتحكم بها مافيا من تجار الأزمات امتدت أياديهم إلى حاجات الناس المباشرة وعلى وجه الخصوص المشتقات النفطية والسلع الاستهلاكية الغذائية وبقية المتطلبات اليومية ، إخوتي : إن اليمن تعاني في الظروف العادية من بطالة قاربت ال(30%) من السكان ، وفقر في حدود(50%) من السكان ، أما اليوم فإن المأزق السياسي سيضاعف من هذه النسب ، فقد تم الاستغناء عن عشرات الآلاف من قوة العمل في القطاع الخاص ، ونتج عن توقف الأعمال الإنشائية بما فيها الحكومية تسريح مئات الالآف من العاملين في هذا القطاع ، يضاف إلى ذلك تسريح أعداد أخرى من تجار الجملة والتجزئة نتيجة تراجع القدرة الشرائية للمواطن وتدهور الأوضاع الأمنية وندرة المشتقات النفطية ،إخوتي: إن تلك الضغوط التي يعاني منها المواطن اليمني تمثل جانباً من المشكلة ، بينما الجانب الآخر هو الأخطر التهديد بالتدخل الخارجي تحت مبرر محاربة القاعدة ، التي تنمو كما يقولون نتيجة تدهور الأوضاع الأمنية والفراغ السياسي ، ومن ثم يمكن القول أن استمرار جمود الأوضاع السياسية سيزيد من الضغوط المعيشية اليومية التي يتحملها المواطن ، كما أنه سيعرض سيادة الوطن لمخاطر لا حدود لها ، إخوتي :إن اليمني اليوم يأسف لما أصاب بعض إخوانه من مآسي في حي الحصبة بصنعاء ومحافظات أبين ولحج وتعز وعدن وأرحب ونهم والحيمة وغيرها ، والمتظاهرين في مختلف ساحات التغيير والحرية ، وكذا وبنفس الأسف ما يتعرض له أبناء قواتنا المسلحة والأمن في العديد من المناطق فالدم اليمني مقدس وغالي أينما كان ، لقد أزهقت الأرواح وأريقت الدماء وشرد السكان ودمرت المنازل ، إخوتي : والحال كما سبق فإن الوطن الحبيب بحاجة ماسة إلى من يعيد أمنه ويحمي سكانه من القتل والتشرد والمعاناة ، أخوتي : ما نريده منكم ليس تصعيداً للمواجهات المسلحة التي ستزيد من المخاطر الإنسانية ، بل المبادرة بحلول تراعي المصلحة الوطنية العليا ، حلول تتيح للمواطن اليمني حرية الاختيار لمن يحكمه دون ترغيب أو ترهيب، حلول تؤسس لدولة مدنية تسود فيها المواطنة المتساوية والعدالة والحرية ، حلول تؤكد على الحياد الإيجابي لقواتنا المسلحة والأمن ، إن تلك المطالب لا يستطيع حسمها وتحقيقها سوى جيش وطني محترف ولاؤه لله ثم الوطن والثورة ،جيش لا يرى أمامه سوى المصلحة الوطنية العليا ، إخوتي: إننا كمواطنين نثق أن جيشنا الوطني ستكون خياراته في آخر المطاف مع شعبه العظيم بمختلف مكوناته السياسية والاجتماعية والثقافية ، وندرك أن محاولة البعض تسخير القوات المسلحة والأمن لصالح فئات معينة لن تنجح ، لأن لدى أبناء قواتنا المسلحة من الوعي والوطنية والإحساس بمعاناة إخوانهم المواطنين ، ما يحبط تسخيرهم لأي شخص أو فئة مهما كانت المغريات ، فالأرواح التي يبذلونها رخيصة لهذا الوطن أغلى من كنوز الدنيا ومغرياتها...إخوتي : اكرر دعوتي لكم بأن تبذلوا جهدكم لحماية الشعب والوطن وذلك تنفيذاً لما أقسمتم عليه ، وكونوا على ثقة أن الشعب اليمني هو الظهير الخلفي والسند الرئيسي لقواته المسلحة والأمن في حال تبنت خياراته الوطنية التي سبق الإشارة إليها..ودمتم ذخراً لهذا الوطن الحر الأبي..)

أخيراً كانت تلك رسالة معبرة عن نظرة الغالبية من أبناء الشعب ، التي ترى أن المخاطر التي يعاني منها المواطن اليمني اليوم سواء من الداخل أو الخارج ، ترجع في جانب هام منها إلى تعدد الولاءات داخل القوات المسلحة مما شتت جهودها ودورها في معالجة الأوضاع الراهنة ، ومن ثم فالرهان على توحد مواقف أبناء القوات المسلحة والأمن بعيداً عن الولاءات الشخصية ببعدها السياسي ، والانحياز للوطن بكل أحزابه وشرائحه الاجتماعية والثقافية والفكرية...ندعوه تعالى أن يوفق أبناء القوات المسلحة والأمن إلى الوفاء بما أقسموا عليه ، وأن يوفق كل أبناء اليمن المخلصين للدفاع عن الثوابت الوطنية والأمن والاستقرار والخير إنه على ما يشاء قدير.