الاثنين ، ٢٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٨:٣٨ صباحاً

الدولة المدنية.. وفخ الدولة الكهنوتية

عبدالمجيد ناصر علي
الاثنين ، ٠٦ أغسطس ٢٠١٢ الساعة ١٠:٤٠ مساءً
إنتشرت الدعوات المطالبة بتحقيق الدولة الاسلامية، وفق نظرية الحق الإلهي في الحكم, فولي الأمر إن أفسد أو أصلح حسابه عند الله ويجب طاعته وعدم الخروج عليه حتى وإن جلد ظهرك, والعلماء ورثة الأنبياء لايجوز إنتقادهم أو الخروج عن طاعتهم لأن ذلك خروج عن طاعة الله!!

ثم أسقطوا على الدولة المدنية, صفات الدولة اللائكية التي تعني فصل الدين عن الدولة والاسرة والمدرسة, وهذه من المغالطات التي يبثها الإسلاميين لتشويه صفات الدولة المدنية التي تعترف بالدين ولاتفصله عن الدولة, وتعترف بالقوانين والتشريعات الدينية, وتعترف بالتعليم الديني وتدعمه, ولكنها تفصل السلطة الدينية عن سلطة الدولة حتى لايتحول الدين الى مطية للحاكم وأداة بيده لقمع الحريات والتخلص من المعارضة, ووسيلة لشن الحروب الدينية كما في حرب94, أي إنها تحرر الدين من قبضة الحاكم.

ويصرون على تطبيق الشريعة الاسلامية وكأننا جميعا طائفة واحدة ومذهب واحد! وهذا إقصاء للأخر, فهناك السلفية والزيدية والشافعية والإسماعيلية والصوفية.., وكل طرف منهم يريد تطبيق الشريعة الاسلامية وفق فكره ومنهجه, ولايريد من الأخر أن يفرض عليه شريعة مخالفة لفكره ومنهجه! فلماذا يحدث الأختلاف في التطبيق!

ففي عهد الرسول كان التشريع والتفسير والتطبيق إلهي, لأن المكلف بالتفسير والتطبيق مبعوث من عند الله ولاينطق عن الهوى, ولكن بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم أصبح الحكم الإلهي عبارة عن قواعد عامة ولايفسر نفسه بنفسة, ولا يتحول إلى واقع يقبل التطبيق, إلا من خلال البشر الذين تتحكم بهم أهوائهم وغرائزهم في التفسير والتأويل, فعند إعمال العقل البشري في القرآن (النص المقدس) ينتج عنه فكر ديني, وهذا الفكر الديني يختلف من شخص لأخر, وبالتالي هو فكر بشري (غير مقدس), أي إنه تحول الى حكم بشري وليس إلهي, وجميع تجارب تطبيق الشريعة عبر التاريخ الاسلامي, تبين إن الحكم كان بشري وليس إلهي لأن الذي يمارسونه بشراً, فأدى ذلك الى التعدد والاختلاف في التطبيق, وكل طرف إدعي الولاية والقوامة على الأخرين لأنه يمتلك الشريعة الصحيحة والآخرين على خطأ, وهذا هو الإرهاب الفكري.

فالسلفيون يؤمنون بفرض فكرهم الديني وشريعتهم على الآخرين حتى لو إستخدموا العنف المسلح, لأن ذلك من باب الأمر بالمعروف! ويؤمنون بمحاربة الأفكار المخالفة لهم وذلك من باب النهي عن المنكر!! حتى إنهم يطالبون بأن يكونوا مرجعية دينية للحوار مثلما كانوا مرجعية دينية للأسماك!

أضف الى ذلك إن الإمام على كرم الله وجهه عندما أرسل عبد الله إبن عباس ليحاجج الخوارج, قال له لاتحاججهم بالقرآن لأنه (حمَّال أوجه) أي يحمل صورة الشيء ونقيضه, وعلي ذلك أصبح رجل الدين حمَّال أوجه! فتارة يحلل الخروج على الحاكم ثم يحرم الخروج عليه! ويحلل اللآلات الموسيقية والغناء داخل ساحة الثورة ثم يحرمها خارج الساحة! ويفتي بحرب الجنوب ثم ينكر الفتوى! بل إنهم يحرمون تغيير الدستور الذي كفروه سابقاً!!

ولأن رجل الدين حمَّال أوجه, ولأن الحكم الإلهي قواعد عامة ولايفسر نفسه بنفسه, ونتيجة لإختلاف الفكر الديني من شخص لأخر, أصبح من الصعب والمستحيل تحقيق الدولة الإسلامية التي يدعونها, لأنها لن تكون الدولة التي يرتضيها الإسلام, بل ستكون الدولة التي يرتضيها رجال الدين, وهذا هو فخ الدولة الكهنوتية القائمة على نظرية الحق الإلهي للحاكم الذي حسابه عند الله.

فلم يخرج الشباب بثورة من أجل إستبدال (نظام مستبد) بنظام أخر(كهنوتي مستبد), بل خرجوا وضحوا بدمائهم من أجل إقامة الدولة المدنية الحديثة, دولة القانون والدستور, دولة الحقوق والحريات والعدالة والمساواة, والقائمة على دين الإسلام الذي هو مصدر إلهام لجميع القوانين والتشريعات المنظمة لحياتنا..