السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠١:٠٢ صباحاً

التلفزيون السعودي اساء لليمنيين .. ما العمل

عارف الدوش
الاثنين ، ٠٦ أغسطس ٢٠١٢ الساعة ١٢:٤٠ صباحاً
• كنت قررت كعادتي في كل رمضان من كل عام أن لا أكتب في السياسة ومنغصاتها وأتفرغ تماماً لقراءة القرأن وتدبر بعض آياته والقراءة والكتابة في جوانب تزكية النفوس وتربيتها وتصفية القلوب من رانها والسباحة في بحار من جماليات التصوف السني المنضبط بالشريعة " الكتاب والسنة"وفقاً لتعاليم المدرسة الشاذلية في هذا الجانب.. ما علينا هذا موضوع آخر قد يتم الحديث عنه في تناولة أخرى. فما أنا بصدد الكتابة عنه هو أمر اقتضت الضرورة أن أكتب فيه التزاماً بواجب وطني وضمير مهني وإيضاحاً لأمر سيتم استخدامه من قبل البعض للإضرار بمصلحة البلاد والعباد وخدمة لمصالح سياسية وتوجهات فكرية بما يغذي زيادة حدة التوتر والاستقطاب السياسي والفكري الممتد إقليمياً خاصة والبلاد تعيش استقطاباً حاداً بين عاصمتين هما الرياض وطهران ولكل منهما وجهة نظر متباينة عن الأخرى في كل شيء فالرياض ترى نفسها زعيمة "الإسلام السني"وطهران ترى نفسها زعيمة"الإسلام الشيعي" وكل منهما يدعي أن ما يراه هو الإسلام الصحيح .. طال الاستهلال ليعذرني القارئ الكريم وخاصة في رمضان المبارك.

• تابعت كغيري مساء الأربعاء 13رمضان منشورات وتعليقات عديدة على صفحات الفيس بوك حول بث التلفزيون السعودي الرسمي "القناة 1"وهي مملوكة للدولة الحلقة رقم (11) من مسلسل رمضاني يظهر فيها صاحب ملحمة يمني يبيع لحوم كلاب وحمير في ملحمته للمواطنين ويعمل معه في الملحمة عامل بنجلاديشي ويتعامل صاحب الملحمة اليمني مع تاجر لحوم سوداني والأمر فيه تحريض واستهداف مباشر للثلاث الجنسيات"اليمنية والسودانية والبنجلاديشية" وهذا الأمر يتكرر كل عام في رمضان المبارك شهر الرحمة والمغفرة والمودة وفي كل عام كانت قنوات فضائية تتبع تجار وأمراء سعوديين مثل "أم بي سي" وغيرها هي التي تقوم بذلك وكنا نحن اليمنيين نعمل ضجة اغلبها إعلامية وقتها ونقيم مهرجانا للشتم والسب والتجريح نشبع ذاتنا ونفرغ شحنات غضبنا والسلام عليكم ثم ننسى الى أن يأتي العام القادم أو عمل إعلامي آخر ينتقص من ذواتنا وكرامتنا ونكرر نفس الأمر نقيم مهرجانات شتم وسب. وأنا أشاهد الحلقة التلفزيونية التي تم تنزيلها في الفيس بوك بشكل واسع مع تعليقات شاتمة وغضب قلت "والله عجيب هناك تطور جديد هذا العام " فكل عام كنا نسمع تبريرات أن القنوات التي تبث مقاطع وبرامج تظهر اليمني محل سخرية واستهزاء ليست رسمية وإن كان أصحابها سعوديين وهي تبث من خارج السعودية أما هذا العام فقد تولى المهمة التلفزيون السعودي الرسمي ولم يعد الأمر سخرية أو استهزاء من أجل الضحك والترفيه فمادة الحلقة التلفزيونية مسبوكة درامياً باحتراف تهدف الى توصيل رسالة مؤثرة للمشاهد المتلقي تركز على التشكيك في قيم اليمنيين والسودانيين والبنجلايشيين الدينية والأخلاقية والقيمية وتظهرهم أنهم جاءوا الى السعودية لكسب المال بأي طريقة ولو كانت على حساب الدين والأخلاق والعادات والتقاليد والأعراف وتؤدي الى الإضرار بالمواطن السعودي بل إن الحوار الذي دار بين الرجل وزوجته في الحلقة يرسخ هذا المفهوم ويعزز هذه الرسالة المراد إيصالها وهو أخطر مما فهمه أصحاب المنشورات والتعليقات في الفيس بوك بأنه سخرية واستهزاء بل هو تحريض للمواطنين السعوديين والخليجيين رجالا ونساء بعدم التعامل والشراء من محلات تعمل فيها العمالة اليمنية والسودانية والبنجلاديشية ليس في السعودية وحدها بل في دول الخليج كلها وهذا يمكن أن نطلق عليه بأنه فرض عقوبات اقتصادية بالمعنى الواضح على العمالة الوافدة الى السعودية ودول الخليج من اليمن والسودان وبنجلاديش فهذا هو ملخص الحلقة بالضبط إن وفقني الله في تلخيصها.

والآن بعد ما سبق ما العمل؟ ماذا يفترض أن نعمل نحن كمواطنين ومنظمات مجتمع مدني حيال ما يتكرر سنوياً من قبل قنوات دول الخليج ؟ قبل الإجابة عن السؤال الطويل العريض السابق لابد أن أن أقدم حيثيات هي التي ستوضح لنا الإجابة فنحن اليمنيين بالذات لا نحسن التصرف مع قضايانا ولا نهتم بتحليلها ولا نسمع أي نصائح حتى وإن كانت تخدمنا وليس المجال هنا يسمح ولا المساحة أيضا لإيراد شواهد ويمكن أن ألخص الحيثيات بنقاط مختصرة قدر الإمكان:

(1) نحن أمام تطور جديد هذا العام دخل فيه التلفزيون السعودي الرسمي القناة (1) هذا أولاً وثانياً نحن أمام مادة إعلامية معدة باحتراف وسبك يهدف الى إيصال رسالة مؤثرة ولم يعد الأمر للتسلية أو الضحك والترفيه كما بينا سابقاً عند تلخيص هدف الحلقة إذن نحن أمام تفاعلات سياسة داخلية في السعودية علينا الانتباه لها والاستفادة منها لخدمة مصالحنا وعلينا أن لا نتعامل بعاطفة فالشتم والسب والتجريح وإطلاق الأحكام والتعميم بأن نقول كل السعوديين هكذا دفعة واحدة و... و...... الخ فهذا لا يخدمنا ولا يخدم قضايانا.

(2) هناك مؤشرات عديدة ليس المجال هنا لإيرادها منها فقط تأجيل اجتماع المانحين والضغوط لتقليص الدور الإيراني المتمدد في اليمن الذي يهدف الى تحويلها ساحة جديدة ساخنة للصراع الإقليمي بين الرياض وطهران بعد التطورات في سوريا انطلاقاً من أن سياسة إيران مع الخصوم تعتمد دائما على الخربشة بأيدي وأذرع طويلة وبعيداً عن أراضي إيران ( سوريا وحزب الله)

(3) تعيين الأمير بندر بن سلطان رئيسا للإستخبارات السعودية وهو رجل له تجربة طويلة في التعامل مع واشنطن وسياساتها في المنطقة فقد قيل أن للامريكان دوراً بارزاً في تعيينه رئيساً للإستخبارات الهدف منه تقوية النفوذ والسيطرة السعودية في المنطقة بالتنسيق مع أمريكا من خلال إضعاف النفوذ الإيراني وعدم السماح لها بالاستفادة من أجواء ثورات الربيع العربي بتقوية نفوذها بقضم مساحات ومربعات جديدة على خارطة المنطقة أو تواجدها المكثف في التركيبة الناتجة عن ثورات الربيع العربي وبالذات في مصر واليمن ولا بأس من التواجد ولكن التواجد غير الفعال والمؤثر على المصالح الأمريكية والخليجية بشكل عام.

(4) السعوديون مثلنا عبارة عن مراكز قوى في الداخل تتصارع بمختلف السبل بما فيها استخدام لافتات خارجية واختيار دول ومربعات محددة في هذه الدول وفيما يتعلق باليمن فهناك تياران واحد مع تعزيز وتقوية العلاقات مع اليمن ولكن الى درجة تبقيها تحت السيطرة وليس الى درجة تقويها ودفعها للاستقلال والتفرد وربما تصدير الثورة وقيادتها ويريد أن يستخدم ذلك لإضعاف تيار آخر يرى ضرورة إضعاف اليمن بل وتفخيخها وتقسيمها وعدم السماح لها بان تكون دولة قوية ذات نفوذ في المنطقة أو أن يتم استخدامها في معادلة الصراع الداخلي لتقوية طرف ضد الآخر أو لتقوية نفوذ دولة إقليمية على خصومة مع السعودية ( إيران مثلاً )

(5) الأمريكان والغرب يرون أن ثورات الربيع العربي سيكون لها انعكاسات كبيرة على دول الخليج وعلى السعودية بالذات ويخشون من تفجر ثورة غير محسوبة النتائج فهم يريدون تغييراً ولكن مبرمج وتحت السيطرة وهذا ما يفسر موقف أمريكا والغرب من ثورة الربيع اليمنية والتعامل معها كأزمة والترويج لها كنموذج للحل في بلدان الثورات العربية سوريا مثلا . وهم بالمقابل أيضاً يريدون استخدام الغليان الناتج عن ثورة الربيع العربية في اليمن كورقة ضغط ضد القيادة السعودية لإحداث تغييرات باتجاه ليبرالي وامتصاص التفاعلات السياسية الداخلية في السعودية وهذا سيتم على حساب المصالح اليمنية فعلينا التنبه لهذا فثورتنا غير قابلة للتصدير وهي ثورة يمنية خالصة.

(6) تستخدم المخابرات المحلية للدول أو المخابرات الدولية بالونات اختبار مثل ( مقالات في الصحف برامج تلفزيونية ومضايقات لمواطني الدولة أو الدول المقصودة بالاختبار والقياس) لتحريك ملفات تريد تغيير شروط التعامل معها في الدول التي لها فيها مصالح حيوية تتعلق بأمنها الوطني والقومي

ومما سبق يمكن نقرأ كثير من التصرفات السعودية مع اليمن خاصة بعد اندلاع الثورة الشبابية وكيف احتوتها وعدم تحولها الى ثورة حقيقية تقوم بالتغيير الجذري وجاءت بالمبادرة حتى لا تحصل العدوى وتصل الثورة بنفس الطريقة الى أراضيها عكس ما تعاملت به مع ثورة الربيع السورية كون سوريا حليف إيران وحزب الله خصمي السعودي أو مع ثورة الربيع الليبية وهو ما يفسر لنا هيجان السفير الأمريكي من مسيرة الحياة الراجلة من تعز الى صنعاء ومحاولة استغلالها من قبل تيار الحوثيين لقلب الطاولة على المبادرة والتسوية والأمريكان والسعودية وعليه فإنه ومما سبق يمكننا القيام بالآتي:

(1) نحن في كل عام تقوم قيامتنا نكتب ونشتم ونحرق أعصابنا ثم نبرد ونسكت وننسى .. لكن هذا العام علينا أن لا نسكت وان يكون شكل احتجاجنا منطقياً ويحقق نتائج فنحن في ظل ثورات الربيع العربي التي خرج الناس فيها الى الساحات ضد الظلم والقمع والاستبداد بل يسميها بعض الساسة والمفكرين بثورات الكرامة العربية فلابد أن يكون هناك موقف وهذا يتطلب إجراءات عملية بعيداً عن كتابات الانفعال ومهرجانات السب والشتم التي تفقدنا الحصول على نتائج ايجابية تخدمنا بل تتحول كتاباتنا الانفعالية والشاتمة الى دليل يستخدم ضدنا وتضيع قضيتنا الأصلية.

(2) يتطلب تصعيد موضوع حلقة التلفزيون السعودي أو أي قضية أخرى تحديد الهدف وهو عدم تكرار مثل هذا الأمر وذلك بإيصال احتجاجات قوية مكتوبة عن طريق الخارجية اليمنية وتنظيم مسيرات ووقفات احتجاجية سلمية الى السفارة السعودية وتسليم السفير السعودي مذكرات احتجاج لإيصالها لحكومة بلاده يتم فيها تحديد ما هو المطلوب وعلى ماذا نحتج؟ وفي قضية الحلقة الرمضانية في التلفزيون السعودي نحتج على وزارة الإعلام والتلفزيون السعودي ويتم تنفيذ كتابات في وسائل الإعلام عاقلة ومتزنة والابتعاد عن التعميم وشتم الشعب السعودي بكامله أو النيل من منجزاته ورموزه الوطنية فليس كل السعوديين أشراراً ويكرهون اليمن واليمنيين فهناك كثير من المثقفين السعوديين والمثقفات وكثير جداً من المواطنين السعوديين والمواطنات يحبون اليمن ويرون فيها مالا نراه نحن ويقولون فيها قصائد غزل. وبالمقابل ليس كل اليمنيين ملائكة ولا كلهم أشرار كالذي ظهر في الحلقة التلفزيونية الرمضانية التي بثها التلفزيون السعودي جزاراً يبيع لحوم كلاب وحمير للناس.

(3) ننطلق في التعامل مع أي استفزازات بهدوء وتعقل في هذه المرحلة كون ملف التسوية اليمنية أعطي لها بكامل الصلاحيات من قبل الأمريكان والغرب لترتيب أوراقها في اليمن بما لا يضر بمصالحها ومصالح الغرب وبالتالي فإن السعودية ستمارس ضغوطاً قوية وبأساليب مختلفة ومتعددة بالتعاون مع الأمريكان والغرب لتقليص النفوذ الإيراني المتمدد في اليمن وعدم السماح بتحويل الساحة اليمنية الى ساحة صراع ساخن بين السعودية وإيران.

(4) تسعى إيران والأطراف المرتبطة بها في اليمن ودول الإقليم الى خلق خصومة قوية بين اليمن والسعودية وتحويلها الى قطيعة واستخدام الساحة اليمنية ذراعاً طويلة لتوجيه صفعات للسعودية وتصدير الثورة إليها ولو على حساب اليمن واليمنيين وتضرر مصالحهم وبالتالي علينا عدم السماح بتحول الاختلاف والخلاف بيننا وبين السعودية الى خصومة وصراع بقدر الإمكان وعلينا إتباع قنوات وأساليب توصيل احتجاجاتنا لا تؤدي الى الخصومة والقطيعة لإن ذلك لا يخدم مصالحنا. العليا.

(5) يجري الحديث بشكل علني عن إيجاد خط إمداد لنفط الخليج عبر الأراضي اليمنية الى حضرموت لتخفيف التهديد الإيراني وشل فعاليته إذا أقدمت إيران على إغلاق مضيق هرمز وهو ما يفسر اشتداد التيار الداعي لانفصال حضرموت كدولة مستقلة ولهذا التيار امتدادات في السعودية ودول الخليج وهذا الأمر هو وراء تزايد الحديث من قبل الخليجيين والسعوديين بالذات بمناسبة وغير مناسبة ومعهم الأمريكان والغرب عن تأييدهم لوحدة اليمن واستقرارها.

(6) نحن الإعلاميين بدورنا يمكننا انتقاد سلوك المسئولين والإعلاميين السعوديين أو اليمنيين بشفافية ووضوح وتوجيه نصائح لهم ولكن علينا أن نساهم أيضا في إعطاء صورة واضحة وشفافة للرأي العام في البلدين عن حقيقة سلوك بعض المسئولين السياسيين والإعلاميين في اليمن والسعودية ولماذا يصرون على مخادعة الجماهير لتخريب الجسور بين الشعبين والبلدين فمثل هذه الحلقات التلفزيونية التي تبث في رمضان أو أي كتابات شاتمة سواء من قبل وسائل إعلام يمنية أو سعودية هي عبارة عن ردود أفعال تناقش قضايا هامشية غير إستراتيجية لا تخدم بل تصعد التوتر وتخدم أعداء وخصوم البلدين والشعبين.

(7) إن الملفات الكبيرة مثل مواجهة الإرهاب وإنهاء التناحر المذهبي والعداء الطائفي والحيلولة دون السماح للأطراف الإقليمية والدولية بتحقيق أجنداتها على حساب بلدينا وشعبينا الشقيقين تجبرنا جميعاً عدم إثارة الأزمات الهامشية واحترام بعضنا بعدم التجريح والانتقاص وعدم فتح ملفات قديمة ومثيرة للشقاق وعلينا على الأقل التظاهر بالتآخي والعمل على إحباط مخططات الأعداء الداعية لإيجاد الفرقة والتشتت بيننا وأن يعلو صوتنا نحن الجماهير على أصوات كافة الحكام والمسئولين والدعوات النشاز لتخريب علاقات المودة والمحبة بين البلدين والشعبين الشقيقين.

ـــــــــــــــــــــ
صحيفة الجمهورية :الأحد 05 أغسطس-آب 2012م – 17 رمضان 1433هـ