الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١٢:١٥ مساءً

ساحات التغيير والحرية كيف نفهمها

د . عبد الملك الضرعي
الخميس ، ٠١ يناير ١٩٧٠ الساعة ٠٣:٠٠ صباحاً
إن كنت ماراً بشارع ما أو في وسيلة نقل عامة أو مكان عمل دون شك سيدور نقاش وحوار عن قوى التغيير المنتشرة في مختلف محافظات الجمهورية ، ويتلخص الحوار حول من المسيطر ومن الموجه لهذه الساحات وعن بعض التيارات فيها ، وقد يمتد الحوار على قضايا تفصيلية ومشاهد قد لا تروق للبعض بينما يؤيدها البعض الآخر، وخاصة منها ما يتصل ببعض الممارسات ذات البعد السياسي أو الفكري أو الاجتماعي .
وبناءً على استخلاص للعديد من المداولات التي أدت بالبعض إلى تكوين مواقف موالية أو معارضة لتلك الساحات خلال فترة الأربعة الأشهر الماضية ، سوف نتناول بعض وجهات النظر والتي تنتقل غالباً نتيجة الإشاعات أو زيارة جانب واحد في تلك الساحات ، وكون كاتب هذه السطور على دراية بساحة التغيير بصنعاء على وجه الخصوص سوف يكون نقاشنا وفق معطيات تلك الساحة ويمكن إسقاطها على بقية الساحات إذا حوت نفس تلك المكونات.
لقد دفعني لكتابة هذا الموضوع ما يطرحه كثير من العامة وحتى المثقفين حول تلك الساحات ووصل الاختلاف في وجهات النظر حد الإساءة والتحريض على كل المتواجدين في تلك الساحات ومناصريهم ، بل وتعدى الإساءة والتحريض إلى الاعتداء المباشر في مواقف مختلفة ومن ذلك مثلاً توجيه زخات من الرصاص الحي في اتجاه سماء ساحة التغيير بصنعاء ، وفي بعض الحارات في اتجاه منازل بعض المؤيدين لثورة التغيير السلمية وذلك في ليلة 8/6/2011م الخاصة بالاحتفال بما قيل سلامة الرئيس ، لذلك فخطورة الموقف في التحريض المستمر ضد تلك الساحات.
وحتى تكون الصورة أكثر وضوحاً في هذه الساحات ، توجد فيها مختلف المكونات السياسية والاجتماعية والثقافية والعمرية ، ونتاجاً لذلك التنوع قد نجد في جانب من الساحة ما يتوافق مع رؤيتنا للحياة والمجتمع وفي جانب آخر قد لا نجد ذلك ، وهنا نضرب بعض الأمثلة كما يلي :
1- إن كنت يسارياً تقدمياً قد لا تعجبك التيارات اليمِينية المحافظة في الساحات.
2- إن كنت يمِينياً محافظاً قد لا تعجبك التيارات اليسارية التقدمية في الساحات .
3- إن كنت مدنياً قد لا تعجبك التيارات القبلية في الساحات.
4- إن كنت قبلياً قد لا تعجبك القوى المدنية في الساحة.
5- إن كنت سياسياً شمولياً قد لا يعجبك تعدد الرؤى السياسية.
6- إن كنت متعصباً لمذهب إسلامي معين قد لا يعجبك تعدد الرؤى والمذاهب الإسلامية في الساحة.
7- إن كنت شاباً قد لا يعجبك تدخل الكبار في بعض قضايا الساحة.
8- إن كنت كبيراً في السن قد لا تعجبك تصرفات بعض الشباب في الساحة.
9- إن كنت تميل إلى الحركة قد لا يعجبك ركود الساحة وتحولها إلى مبيت ومجالس قات وتسوق .
10- هناك تفاصيل أخرى كثيرة على مستوى الجمهورية سواء داخل كل ساحة على حدة أو فيما بين الساحات وبعضها ، تعكس تنوع المجتمع اليمني .
إن ما سبق يمثل الصورة الإجمالية للتباينات داخل الساحات والتي تكوِّن مواقف فردية مؤيدة أو معارضة ترجع إلى مستوى ثقافة الأفراد ورؤيتهم لما يجب أن تكون عليه الساحات، وتشكل الفقرات خصائص مشتركة للذكور والإناث، وبصورة عامة لا يمثل كل ذلك التباين عيباً في قوى التغيير كما يحاول البعض تصويره ، بل ميزة لأنها تعكس كل مكونات الشعب اليمني السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية والثقافية والمكانية، ومن ثم مجرد وجود هذه التناقضات في مكان واحد وبتوافق غير مسبوق يمثل عمل إيجابي لهذه الساحات يستند على مبدأ القبول بالآخر.
لذا نود التأكيد أن بعض الشائعات عن ساحات التغيير والحرية على مستوى الجمهورية ، قد تستند بشكل جزئي إلى بعض الحقائق في تلك الساحات ، ولذلك قد تجد أحدهم يلح في القسم بأنه رأى مشهد كذا وكذا في إحدى الساحات ، فإن كان محل ثقة أفحم المدافعين عن هذه الساحات حتى وإن كانوا من روادها ، فمن لا يدرك حقيقة التركيب السياسي والاجتماعي والفكري والثقافي للساحات يعجز عن تبرير بعض التصرفات التي قد يراها أو يسمع عنها ، ونتيجة لذلك قد يقول قائل لماذا لا تُمنع بعض التصرفات التي لا تتوافق مع قناعات اجتماعية وفكرية معينة سائدة في المجتمع ، وللإجابة على هذا التساؤل يمكن القول أن هذه الساحات شوارع وميادين عامة لا يملك أحد حق إدارتها بالمفهوم القانوني ، وشكل الضبط الوحيد هي اللجان الأمنية التي تقتصر مهمتها في الحفاظ على أمن الساحات فقط ، ثم إن وجدت بعض الممارسات التي قد لا تتوافق مع بعض الرؤى الاجتماعية والفكرية ، فلا يستطيع أحد توجيه الساحة وفق رؤيته الأيدلوجية أو الاجتماعية، ومع ذلك أن حدثت بعض الممارسات التي لا تتفق مع طبيعة المجتمع اليمني ، فإن هناك ضوابط ذاتية تقوم على النصح والحوار داخل الساحات وهي كفيلة بالسيطرة على أي من تلك المظاهر ، أما تحميل تيار بعينه مسئولية الساحات فذلك غير منطقي ولا يتوافق مع طبيعة هذه الساحات التي تقوم على منطلقات ثورية تتعدد فيها الرؤى الفكرية ذات المضمون السياسي ، وبالتالي فمرجعية الساحات ومطالبها هي مرجعية سياسية تهدف إلى تغيير النظام السياسي ، أما محاولات البعض إقحام بعض التيارات الإسلامية بتعددها المذهبي والفكري في قضايا الساحة فذلك لا يتوافق مع الواقع ، لأن الخلاف مع النظام الحاكم هو خلاف سياسي محض يتعلق بوجهة نظر مغايرة لإدارة الدولة ، وبالتالي ربط الساحات بتيارات سياسية إسلامية بعينها غير صحيح ، كون تلك التيارات موجودة في الساحات في إطار ثورة شعبية سلمية هدفها دولة مدنية حديثة ، ونعتقد بشكل يقيني أن الإسلام بشموليته لمتطلبات حياة الإنسان عبر الزمان والمكان وبمرونته قادر على استيعاب كل معطيات عصرنا الراهن ، وهذا لا خلاف عليه لدى كل مكونات الساحات .