الخميس ، ١٨ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٨:١٦ مساءً

الناس في زره وحـــر

محمد بشير
الخميس ، ٠١ يناير ١٩٧٠ الساعة ٠٣:٠٠ صباحاً
لعب الشعر الحميني ، شعر المدارة والدان في حضرموت أدواراً سياسية سجلت أبرز الأحداث السياسية التي مرت بها هذه الرقعة من الوطن قديما وحديثا ، ونحن نقدم نموذجيين اثنين فقط لتأكيد ذلك :

النموذج الأول : توازنت قوى الرعب في وادي حضرموت إبان حركة ابن عبدات ( 1924م ـ 1945م ) واهتم الباحثين بشأنه :

وحين يتحدث المؤرخون الحضارم عن ابن عبدات فإنما يتحدثون عن ثلاث شخصيات عمر عبيد وأخوه صالح عبيد وابنهم عبيد صالح عبيد بن عبدات وهو الذي قاد المقاومة في حضرموت بعد وفاة أبيه ، وقد شد ابن عبدات اهتمام الباحثين والمؤرخين تجاه حركته لسببين :

1) بسالته في مواجهة سلاطين حضرموت معاً لفترة امتدت عقدين : فقد وصفه (حمزة لقمان) ومن أخذ عنه بأنه ثائر وأن حركته ثورة ، ووصف حركته (عبد القوي مكاوي في كتابه : اليمن إلى أين ؟ ص:64) بالانتفاضة التي كانت بداية يقظة الوعي الوطني ، ووصف الحركة (سلطان ناجي في : التاريخ العسكري ص:146) بأنها تندرج في إطار الصراعات القبيلة ، فهي خلاف قبلي وامتداد للصراع العلوي الإرشادي في اندونيسيا .

2) موقف بريطانيا المتأرجح بداية الحركة منه : واعترافهم برجولته وشهامته وشجاعته وبطولته بعد إلقاء القبض عليه ونفيه إلى عدن في 7 /3 /1945م . وهناك من أفاد أن ابن عبدات قائد الحركة عجز عن تحديد مساره بوضوح ، وأرجع ذلك لفقدانه البرنامج الشامل ولو في حده الأدنى ، ولنقص إداري تنظيمي لقيادتها ولأن الثورة تعبير عن تغيير الواقع السائد سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافيا ..


لكنه ابن عبدات تمكن من القضاء على المظالم في المدينة ، وأزال طغيان الأقوياء على الضعفاء ، ونشر العدل والأمن ، وجعل الناس على اختلاف طبقاتهم سواسية في الحقوق والواجبات [نقلاً عن صلاح البكري : في جنوب الجزيرة العربية ص: 208]

وحول المدينة إلى مركز اقتصادياً مستعيناً بأمواله وتجارته ، ضرب لنفسه عمله خاصة يتم تداولها في المدينة ، شجع الإنتاج الحرفي بكل أنواعه ، أقام سوقً بالمدينة ، دعا على نبذ النزاعات والفتن العشائرية والفوضى القبلية ، بنا 21 حصناً حول المدينة وسوراً له بوابات مغلقة ، وحفر الخنادق وابتاع ذخائر وبنادق .

و في أثناء حرب بن عبدات ( الغرفة ) عام 1936م في ظروفٍ شبيه إلى حدٍ كبير بما يجري في يمننا اليوم ، اجتمع عدد من مغني الدان منهم : الشاعر الشعبي مستور حمادي وبن قفزان أخو الأربعة ومحفوظ النجار غفر الله لهم أجمعين في بيت بضواحي سيئون يسمرون على أنغام الدان والتي كان محورها القضايا والموضوعات السياسية التي تدور في محيطها والعالم أجمع ، وكانت بينهم المساجلة التالية :

قفزان :
يقول خو الأربعة قفزان ذي علة قدر المجِّله في الأجل وأهل المناحة محزنين

مستور :
القبوله ما تصلح لبن خـالد عـــــمر لي سوس الحـول والغرفة ومثو با مـــتين

النجار :
متى با تبتني يا المصـــوّن يا لمدر وأهل الجريدي من الخدمه وراهــم واقــفين

قفزان :
ما تصلح ألا لباشادي لي يدفرها ستر يخرب ويبني ولا يقعد في الفاج الضخين

مستور :
الجلجل ألا غلي يا ويل لبوكم يالعصر الجلجل ألا مصـــون تحت ملة با مـتين

النجار :
عصيد مثنات كعده حل مندرها خطر وانتي حسبيته تحتش يالوســــيعة تلقمين

قفزان :
بنت باشراحيل في السروال لقت مصر أهلش من أهل التجارة من زمن متقدمين

مستور :
من أمس والحر يوقدنا ولا شفته مطر ما تمطر ألا على حذيه وهينن والعـــنين

النجار :
العلب لي زحّف المنشار وعيال النجر يالي سرحتوا في الجذانة ضويتوا زاحفين

قفزان :
حيدين متكاشمه والناس في زره وحر أربع رحــايا لقــوهن ما يدققن الطــحين

النموذج الثاني : مما يجري في يمننا المعاصر :
صالح ربيع قال بعد حرب 1994م وخروج الحزب الاشتراكي من اللعبة السياسية في اليمن :

يا ما ويا مـا قــتلهم ذهـــنــوا تتبــعـون الهيس
راحــوا وخــلونا ولقــوا مـخـدره هم والهيوس

ناصــــحتهم لله قـالــوا : صـــــالح اربيع اندس
ما دامـــهم دســوا علي خــله على بوهم يدوس

لعبــهم كيـــرم عـــبود الدوح لــمان قـــال بس
كانوا نماره في الجزيرة واصبحوا فيها بسوس

وعندما خطب الرئيس علي عبد الله صالح في الحديدة مخاطبا المعارضة وأن عليهم أن يشربوا البحر ، وذات مرة تفل في وجوه معارضيه قال الشاعر الشعبي رمضان با عكيم في الشحر بمناسبة زيارة سالم بن عمر 1432هـ :

البحر وشربناه بملوحته مقيناه مق
والتفل وقبلناه
والهين من أفعاله يهون

هذان نموذجان والنماذج كثيرة أكتفي بهما للدلالة على أن شعر المدارات والدان في أساسه نوع من التثقيف السياسي في زمانه ومكانه وباللغة الدارجة التي يفهمها كل الناس بل ويتغنون ببعضه أزمانا طويلة فلا زال الناس في وادي حضرموت يتغنون بقصيدة الشيبة الشيخ صلاح أحمد لحمدي غفر الله له من سكان القطن ونزيل حيدر أباد في الهند ألقى قصيدة عام 1357هـ الموافق 1937م يذكي فيها حماس الشعب بمختلف فئاته للثورة على اتفاقيات الحماية مع الاستعمار لا زال الناس يتغنون بها :

اخبار بلغت ما تسر القلب من مثوى الجدود
راحت بلد لحقاف لحمة فأس راحت بالبرود

سرحت مع الصاحب بلا قيمة ولا سلم نقود
كم صحت كم ناديت كم لبيت من قبل الوجود

لكننا معــذور واحـــد عــود ما منه وقـــود
أين الدول اين آل عبد الله وهمدان الأسـود

اين القعيطي اين يافع لي تطرِّح في الريود
لي يرعضون السيل في الجودات ما عاده تعود

اين الشــنافر اين باصــره وبن ســالم عـــبود
والعوبثاني هو ويا سيبان شــرحــان الخـــدود

اين الذي قــالــوا حميناها بأســـرار الجـــدود
هم حضروا البيعة وهم وقعوا على البيعه شهود