الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٨:١١ صباحاً

مفاهيم وأنوار .. التغيير الذاتي

عارف الدوش
الثلاثاء ، ٣١ يوليو ٢٠١٢ الساعة ١٠:١٠ مساءً
• التغيير مفردة يُقصَد بها التجديد أو تحويل مسار الحياة نحو الأفضل توافقا مع طبيعة البشر الباحثين عن الأفضلية دائما لذلك ينصح ويدعوا العلماء والمصلحون أهل الله والمفكرون المختصون الى التغيير لتحسين الحياة نحو الأفضل عبر انتهاج سبل وطرائق عملية ونفسية تساعد الإنسان على أن يكون ناجحا ومقبولا لدى نفسه أولاً ولدى الجميع ثانياً بسبب احترامه لحقوق الآخرين وقبوله بالمكاسب التي تتحقق له وعدم حزنه على الخسائر والتضحيات التي قد يتعرض لها فالحياة أخذ وعطاء ولا يمكن أن تسير بوتيرة واحدة كما يقول العارفون أهل الله العارفون بالله لذلك على الإنسان أن يكون مهيّئا نفسيا لقبول النجاح والفشل في الوقت نفسه على أن يبقى التغيير نحو الآفضل موجودا في ذاته ونابتاً في صدره وتفكيره وفقا للمعايير والضوابط الإنسانية المستمدة من الدين

• والتغيير هنا ليس معنيا بطبائع الإنسان المتجذرة في ذاته لأنها ليست قابلة للتغيير ولكن هناك درجات يمكن التحكم بها ذاتيا من خلال إرادة الإنسان نفسها والمقصود هنا درجات الشدّة والضعف فطبيعة نفوس البشر ميالة في الغالب للدعة والراحة ولا رغبة لها في الأعمال التي تتطلّب جهداً مضاعفاً كطلب العلم مثلاً ولكنّا نرى بعض الناس يتغيّر بفعل الضغوط المختلفة سواء من ذاته أو من الآخرين فيصبح لديه شوق إلى الدراسة والتحصيل العلمي فسهر الليالي ويعاني شظف العيش من أجل الوصول إلى هدفه وبالتالي يتطلب التغيير كبحاً لميول النفس وحثّا متواصلا للتمسك بالمبادئ السليمة والسلمية وعدم الانجرار وراء ميول النفس ورغباتها فهي غالبا ما تدفع صاحبها الى ما يريحها وفقا للغرائز البشرية المعروفة التي تتطلب في كثير من الأحيان انتهاج العنف أو ممارسة التحايل والخداع والمكر لذلك لابد أن ينتهج الإنسان لتحقيق التغيير مساراً واضحا يتمثل بتبسيط الحياة ومن وسائل تحقيق ذلك الزهد والذي هو بإختصار" أن يملك الإنسان الأشياء وان لا يدعها تملكه وتتحكم به وتسيره " وعدم الفرح بالنجاح والمكاسب أو الحزن على الفشل والخسائر وما الى ذلك من معايير تنحو الى اليسر والبساطة لأن الحياة يمكن تسميتها برحلة النجاح والفشل رحلة الخسائر والأرباح وعلى الإنسان أن يروض نفسه على ذلك طالما أن الأمر له علاقة بالإرادة الإلهية.

• والتغيير قضية تتعلق بالذات أولاً واستعداد الإنسان للنجاح والعمل الدؤوب من اجل تحقيق الهدف المطلوب ولكن ينبغي أن يتم ذلك بالطرائق الإنسانية المتفق عليها أي من دون الإضرار بحقوق ومصالح الآخرين والاستعداد لتغيير الذات من حال الى حال يختلف من شخص الى أخر و يختلف الناس في سرعة التغيّر وشدّته فبعض الناس لديه ميول للتغيّر بسرعة فيما وبعضهم يتغيّر ببطء . وكلما استحضر الإنسان المنافع التي سيجنيها والمضارّ التي سيدفعها من التغيير زاد من سرعة تغيّره

• إن أساس الأخطاء التي يرتكبها الإنسان تجاه الآخرين هو حبه لذاته وعدم سيطرته عليها وبحثه وسعيه الدؤوب لتحقيق النجاحات حتى لو تمّتْ باسلوب التجاوز على الآخرين لذا لابد أن يتجاوز الانسان عقبة الفرح بالنجاح والحزن من الخسارة وعليه أن يتعلم ويؤمن بأن كل ما يملكه هو أمانة في عنقه ولتحقيق هذا الهدف وهناك طريق واحد يستطيع الإنسان أن يكيّف نفسه لكيلا تأسى على ما فاتها ولا تفرح بما أوتيت وإليه ترجع كل الطرق وهو بأن يتذكّر الإنسان دائماً أنّ كلّ شيء أمانة في رقبته وأنّ الأمانة لابدّ من إرجاعها يوماً إلى صاحبها ومالكها الحقيقي فالمال أمانة والعلم أمانة والجاه أمانة وكذا الصحّة والأولاد والأهل والزوجة والعقار والجسم والروح وكلّ شيء عند الإنسان هو أمانة وإذا استطاع الإنسان أن يركّز على هذا الأمر فستخفّ الوطأة عنده شيئاً فشيئاً حتى يبلغ مرتبة يصدق عليه أنّه لا ييأس على ما فاته ولا يفرح بما أتاه

• ولبلوغ هذه المرتبة يتطلب الأمر نوعا من تربية الذات وتغييرها وهو أمر يتحقق بالتربية السلوكية والنفسية للإنسان فإذا تألّم الإنسان لفقدان بعض الأشياء ـ كالصحّة مثلاً ـ فهذا أمر فطريّ ولكن التربية تخفّف الوطأة على الإنسان وتزيل الألم المضاعف كون التربية تنهض بإزالة الألم كلّما تذكّر الإنسان أنّ كلّ ما يملكه حتى صحّته وبدنه وروحه أمانة وليس هو مالكها الحقيقي. كما تتطلب قضية التغيير الذاتي استعدادا لكبح رغائب النفس والكف عن الفرح بتحقيق نجاحات قد يكون مصدرها مصائب الآخرين والكف عن الحزن مما يجعل حياة الانسان أكثر توازنا وبساطة بل وسعادة

ــــــــــــــــــــ
صحيفة الثورة :الثلاثاء, 31-يوليو-2012