الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١٢:٤٢ مساءً

سوريا والأطراف الدولية اللاعبة..!!

صالح السندي
الاربعاء ، ٢٥ يوليو ٢٠١٢ الساعة ٠٨:٤٠ صباحاً
توجه الجامعة العربية مؤخراً الى انتاج النسخة اليمنية المصغرة –خليجياً- والمكبّرة –عربياً- للحل العربي السلمي بالإجماع في سوريا , وبعد مرور اكثر من عام ونيف على الأحداث الدامية , نتيجة حتمية للعجز الدولي في إسقاط النظام السوري , والغرق في وحل ومستنقع التآمر والخطيئة السياسية , و ينبئ بأن المحيط العربي يغرق في دوامة الإعصار الدولي الجارف الذي يعصف بسوريا من جميع الإتجاهات والأطراف الإقليمية والدولية المتحالفة (أمريكا والغرب والسعودية) من جهة و(ايران وقوى الممانعة والمقاومة) من جهة اخرى و اللاعبة في الأرض السورية , فلم تعد هناك مجرد ثورة صافية صادقة يحتضنها الشارع العربي السوري الثائر المتحمس للتغيير , المؤشرات الدولية والأطراف اللاعبة تسحب البساط عنوة من تحت اقدام الثورة الشعبية , وتجرّها الى خانة التآمر وتستدرج الوطن السوري الى مربع الأزمات العاصفة بالمنطقة, والصراع الدولي الدائر بين مراكز القوى الدولية .

كل طرف هنا يبحث عن مصالحة الإستراتيجية والقومية الخاصة , ويسارع الى استباق عاصفة التغييرات في المنطقة للحفاظ على استراتيجية البقاء وايديولوجية الأمن الوقائي والقومي قائمة في حال سقوط نظام بشار الأسد , المجلس الوطني السوري هو الآخر بدورة لم يلتفت الى مطالب الضمانات الدولية الملّحة المحيطة التي تتطلبها دول المنطقة , والمجاورة على امتداد الخط الإستوائي للمقاومة والمواجهة من ايران شرقاً الى فلسطين غرباً , مروراً بالعراق ولبنان وحزب الله وحركة المقاومة الإسلامية حماس والتيارات الفلسطينية المقاومة , ولم ترقى المطالب السياسية والضمانات -الغير متوافرة- الى تطلعات السياسة العربية (الممانعة والرافضة) للتواجد الأمريكي , والرافضة لسياسة التطبيع والعلاقة مع إسرائيل .

مع الوقوف الى دور السعودية المتنامي في سوريا , وصل مؤخراً الى توفير الدعم اللوجستي السخي بالمال و السلاح والعتاد , ليس اكراماً وعن طيب خاطر للشعب السوري , بقدرما هو حفاظاً على مصالحها الإستراتيجية في الخليج والمنطقة , وتنفيذاً لأجندة السياسات الأمريكية ضمن اطار الشرق الأوسط الجديد والعولمة , وتحويل سوريا من دولة ممانعة الى دولة اعتدال , بعد ان فقدت المملكة الحليف الإستراتيجي الهام مصر القطب الرئيسي الثاني في حفظ التوازن والإعتدال في المنطقة العربية , فبعد سقوط نظام حسنى مبارك , وجدت المملكة نفسها وحيدة منفردة في مواجهة المد الرافض الممانع الممتد القائم على ركائز القوة والدعم من ايران وحزب الله وحماس وقوى المقاومة الإسلامية , واتجهت علية السعودية الى ركوب موجة الربيع العربي والثورة السورية , وتوظيف الأمر لصالحها وتبني سياسة الإعتدال والإسهام الفعّال في سقوط نظام بشار الأسد , او هذا ما تتمناة فعلاًً وتخطط له مسبقاً مع استعار حمّى الخلافات بين الدولتين الجارتين , ومع لهيب العلاقة المتوترة منذ أمد بعيد.

ايران بدورها لم تخف قلقها المتنامي من مخاطر سقوط الحليف الإستراتيجي الهام نظام الأسد , فلم تقعد مكتوفة الأيدي مبسوطة الجناح وهي ترى الأطراف الإقليمية و الدولية المعادية ممثلة بأمريكا واسرائيل والغرب , وهي تلعب لعبة البيضة والحجر في الوسط السياسي السوري , فانتهجت سياسة التدخل المباشر واللعب بالنار واحراق الأطراف المتصارعة كما فعلت في العراق سابقاً لحفظ أيديولوجية البقاء والقدرة , وتفويت الفرصة على الأطراف الدولية بكسر شوكة النظام السوري , وهي توقن انها الهدف الحتمي التالي مع قوى المقاومة , لذا توقن تماماً ان بقاء نظام الأسد متعافياً قرارا مصيرياً وخياراً استراتيجياً و مسألة حياة أو فناء , فقامت بتسخير جميع الإمكانيات الإعلامية والمالية الضخمة للمحافظة على النظام السوري الحليف القوي لإيران , في مواجهة توسع المد الإسرائيلي والخطر القادم من الغرب , ساعدها في ذلك ضعف بل فقدان (الضمانات المقدمة) من المجلس الوطني الإنتقالي السوري وعدم وجود قيادات وطنية مخلصة متفق عليها من جميع الأطراف, والذي بدوره توجة بصورة تلقائية الى ارضاء أمريكا, والإرتماء طواعية في احضان الغرب طلباً للمساعدة والنجدة والعون .

وحتى اللحظة الراهنة وباتجاهه غرباً سلب الطمأنينة من السياسة الإيرانية وأثار حفيظتها وغضبها, وأفقد نفسه الطابع الإسلامي المقاوم , وبثّ روح من القلق السياسي والأجواء المشحونة تجاه مستقبل العلاقات السياسية المتبادلة في المنطقة , ساعدة على ذلك الدعم السعودي-الغربي اللامحدود في تخطي المحيط الإسلامي والقفز مباشرة الى المحيط الأمريكي الموال لإسرائيل في سبيل حفظ الأمن القومي الإسرائيلي , حماس وحزب الله بدورهما وفي ظل الصدمة الثورية والتغييرية للشعوب العربية التي اربكت التحالفات والتوازنات الإقليمية والعربية , ومع اعتماد كليهما على نظام الأسد في توفير الغطاء والدعم والحماية للمقاومة المسلحة , ومع عدم ايجاد البدائل وإنتفاء توسيع جذور العلاقات مع اطراف مقاومة اخرى في السياسة السورية, ومع الانحياز المباشر صراحة وعلانية الى نظام الأسد, افقد الاثنين معا مصداقيتهما الدينية والأخلاقية والسياسية في الوقوف مع نظام البطش والإجرام الذي يحصد ارواح الأبرياء بلا رحمة ولا شفقة , وتغليب مصالحهما الخاصة على مصالح الأمّة والشعب السوري المطالب بإسقاط النظام , وجرّد كليهما من أدبيات المقاومة الحقّة في وضع حرمة الدماء الإسلامية الزكية في اولويات الحماية والإهتمام والقداسة.


وتحت مسميات عدة من الحفاظ على روح واستراتيجة المقاومة في المنطقة ومع الطاعة العمياء ورد العرفان و الجميل للنظام السوري , الذي كان ومازال ومنذ عقود حليفا استراتيجيا وراعيا للمقاومة والأب الحنون الراعي لقوى المواجهه , ولكن شرعيتة الدستورية في البقاء والديمومة سقطت مع سقوط اول قطرة دم على الأرض السورية , ودعاوي ومزاعم الإرهاب ومحاربة التمرد – وإن صحت- دعاوي منقوصة وباطلة مردود عليها في حال توافرها , فهل يعقل ان تكون مدن سورية باكملها ارهابية لكي يتم استخدام الطيران الحربي لقصفها وقتل سكانها ؟, وهل يعقل ان يسخّر النظام عتادة العسكري الثقيل في محاربة شعب اعزل بحجة محاربة الإرهاب والتمرد؟, وهل يستمد النظام بقاءة وشرعيتة من دعائم قائمة على بحر من الدماء والجماجم.

الوحشية المفرطة والعنف المبالغ فيه في مواجهة الثورة الشعبية المقاومة , افقد النظام السوري الشرعية الداخلية والدولية وسقوطة بات قريباً وحتمياً , ومسألة وقت.. حسب الأعراف السائدة في دروس التأريخ بنهاية الأنظمة القمعية والإستبدادية وزوالها, وانتحارها واحتضارها على ابواب الثورات الشعبية, ومع نزوح موجة تسونامي الربيع العربي الى سوريا لتقتلع النظام من جذورة لن تستثني أحدا , ولما هو عليه من ضمن الأنظمة التي انتهجت أساليب القمع الوحشية والإعتقالات التعسفية والتعذيب في اسكات أصوات الحرية والتغيير , وهذه الأنظمة آيلة حتما للسقوط والإنهيار.

إذن الأطراف الإقليمية الممانعة والمقاومة وطلبا للحفاظ على مصالحها وبقاءها , قامت بدعم نظام الأسد في حال عدم توافر البدائل والضمانات المتاحة والممكنة, على حساب الشعب والأغلبية العظمى الرافضة , وهنا وضعت أدبيات ومصداقية المقاومة والإنتفاضة والمواجهه مع اسرائيل على المحكّ , ايران من ناحية تريد المحافظة على نظام الأسد كخط دفاعي امامي لمواجهة اية احتمالات لحملات حربية او عسكرية برية قادمة من عمق اسرائيل , خاصة مع تنامي القلق الدولي تجاة مخاطر التسلح النووي الإيراني المتقدم , حزب الله هو الآخر وحركة حماس تريدان الحفاظ على الحضن الدافئ والراعي الأبدي و الداعم التأريخي للمقاومة من خطر الإنهيار والتلاشي , و في حال سقوطة ستجد المقاومة الإسلامية بقطبيها الحركي والحزبي نفسها عارية و دون غطاء آمن حيال مواجهه مباشره مع خطر اسرائيل وشبح الإنهيار , وتصبح مجردة من السند وعوامل القوة التي تحمي مسيرتها منذ عقود.

خاصة في حال سقوط النظام وصعود المجلس الوطني الإنتقالي او أية حكومة مجهولة النوايا والإتجاهات , غامضة السياسات والدوافع, وقد تكون حينها دارجة ضمن دول الإعتدال والإستسلام والموالية للسياسة الأمريكية في المنطقة , وحليفاً استراتيجاً هاماً لأمريكا , مما يساهم مباشرة في انهيار المقاومة وخنقها شرقاً وغرباً , وقطع الشريان الحيوي المغذّي الممتد من الجمهورية الإسلامية الى الأراضي اللبنانية والفلسطينية , والذي يمثل عصب الحياة والنخاع الشوكي الرئيسي السياسي المتحكم و الممتد -عبر الأراضي السورية- لتحريك اطراف المقاومة واذرعتها في جميع الإتجاهات بقوة وحرية مطلقة .

إذن ومما سبق يبقى الشعب السوري خارج المعادلة الدولية و الضحية والخاسر الوحيد في ظل تلاعب الأطراف الدولية -السابقة الذكر- في المنطقة , ويقدم يوميا من دماء وارواح شبابة ومواطنية الكثير والكثير , في خضم المعركة الدولية السياسية القائمة في سوريا , خاصة مع توجة روسيا والصين الى دعم نظام بشار الأسد مباشرة , في ظل الحرب الأعلامية والسياسية المعلنة في المحيط الدولي امتدت رحاها الى مجلس الأمن والأمم المتحدة , واستخدام حق الفيتو من رفض التدخل العسكري المباشر , او فرض عقوبات اقتصادية وسياسية جديدة , بل والسعي في ايجاد الخروج الآمن للحليف السوري , وتوفير سبل البقاء له لأكثر وقت ممكن , بسبب العلاقة التأريخية الممتدة منذ سنين الحرب الباردة , حينما كانت سوريا هي الحليف الإستراتيجي القوي لروسيا وذراعها الممتد في الشرق الأوسط في مواجهة قوى الإستكبار وحلفائها.

وساهم في تغذيتها العلاقة الإقتصادية والعسكرية المتبادلة بين البلدين , حينما كانت سوريا وعلى الدوام سوقاً تجارياً كبيراً للأسلحة والعتاد الروسي المتطور بمختلف أنواعه , فسوريا تحارب بالإنابة واليد الروسية القوية لإيقاف الغطرسة الأمريكية, لذا روسيا نقلت الحرب الى الساحة السورية لمواجهة التحدي والتوسع الغربي في الشرق الأوسط الجديد للمحافظة على حدودها الجنوبية من إيجاد قواعد ومستوطنات أمريكية جديدة في المنطقة تهدد العملاق الروسي المترقب بحذر للتوسع والتوغل الأمريكي الجرئ في سياسات الدول العربية , والصين بدورها تنتهج ضمن اطار الحرب الغير معلنة مع الندّ و الصديق اللدود حربا اقتصادية شعواء وسياسية كبرى , لتحافظ على تربعها على عرش الصدارة وموقعها الإقتصادي و الإستراتيجي الهام وهيمنتها على السوق العالمية , وتتحالف مع روسيا لشقّ عصا الطاعة الأمريكية, التنافس والتناحر في الوسط السوري أهلك الثورة وقدم قوافل من الشعب السوري العظيم قربانا وفدآءا للأطماع الدولية في المنطقة , ولم يسلم منها سواءً كانت إسلامية او دولية ,فكل طرف يشد الحبل لصالحه من جميع الإتجاهات وفي الوسط يخنق الشعب السوري ,مما ساهم في اطالة عمر النظام وتدويل الوضع السوري الملتهب , ووضع العالم فوق صفيح ساخن من الأحداث , وترقباً لما ستؤول الية الأحداث المتشابكة في سوريا , فالكل يتسابق هنا لإيجاد موضع قدم ومكانة ما في السياسة السورية المستقبلية .

الحل يكمن في ادارة بكرة وعجلة دفّة الأحداث وتدويرها -اولاً وقبل كل شئ- وسحبها الى الوسط الإسلامي والمربع العربي , لتصبّ في صالحة وتجريدها من التدخل الدولي , وايجاد خيارات شعبية سورية ملبية لجميع الأطراف المحيطة المسلمة خاصة , وتوحيد وجهات النظر والرؤى السياسية في ايجاد حكومة انتقالية ومجلس وطني مخلص يلبي الرغبات الإسلامية المقاومة -على اقل تقدير وفي أسوء الأحوال- او يوفر الطمأنينة العميقة لدول الجوار بالحماية وعدم التدخل واستغلال اراضيها في حال نشوب حروب جديدة , مما يحدّ من التدخل الإيراني مباشرة ويطمئنة مستقبلاً , ويرضي بصورة مباشرة حزب الله وحركة حماس على وجة التحديد, مع الحفاظ على روابط من العلاقة والتواصل مع المملكة العربية السعودية , جذب بؤرة الإختلاف وعقدة الصراع الدائر الى المحيط الإسلامي , وفرض خيار القرار والإرادة الشعبية السورية وبقوة وحزم, قد يساهم في ايجاد حل للأزمة السورية من الناحية السياسية , وعملياً سيساهم في انقاذ وإنجاح الثورة الشعبية , والتحرر من ركوب الموجة الثورية و التحرر من سوء الإستغلال وتسخيرها حسب الأهواء والمصالح الدولية .

فهل تستطيع الثورة السورية والقوى الشعبية على ايجاد حكومة انتقالية وشخصيات عامة قيادية تضع في حساباتها واولوياتها الخيارات الإسلامية والعربية المقاومة المطروحة, وتساهم في بثّ روح الطمأنينة والسكينة العامة في المنطقة؟,ولإيماننا العميق بمقاومة الشعب السوري الحر , واحتواءة على كوادر وكفاءات قيادية مؤهله قادرة على اخراج سوريا من عنق الزجاجة و تحررها من ضيق الولاءات للخارج , و بإيماننا بأن سوريا ولاّدة برجالاتها وأعلامها , وهذا لا يدل ابداً على التشكيك في الهوية الإسلامية ووطنية وعروبيّة سوريا العظيمة , أما في حال توجة ممثلي الثورة السورية الى خيار الإستسلام للمحيط والمحور الأمريكي-الغربي والإرتماء في احضانه والرضوخ لمطالبه , فستجعل من سوريا دولة ملتهبة بالأحداث والصراعات على الدوام التي لا تنتهي ابدا, مما يساهم في خنق الثورة –سياسياً- وفشلها –شعبياً- , وعملياً حتى في حال تحقق إنتصارها وسقوط النظام كلياً , حين يخطف ويسرق أضواء النصر قوىً لا تمثل الشعب السوري الحر المقاوم , وتتبوء سدة الحكم مستقبلاً قوىً غير وطنية تخدم أجندة و أطرافاً دولية خارجية , ستخرج سوريا من عباءتها العربية , و تجرّدها عن دورها واطارها الوطني المقاوم الحر.