زفرات ألم ،،،، في أربعينية أحمد
عباس القاضي
الأحد , 15 يوليو 2012
الساعة 02:23
صباحا
كنا صغارا , نلهوا, نلعب , نمرح , نعيش في أسرة استثنائية , نحيا حياة أهل القرية , لكن كانت لنا همة الملوك تأديبا وتعليما , فقد حفظنا القرآن صغارا , وأخذنا سلسلة من المعارف على يد أبي رحمه الله .
وفجأة , قرر أبي أن يذهب بك إلى مدينة تعز لتتعلم العلوم الحديثة – هكذا كانوا يسمونها – وكنتَ أول من يخرج من القرية لغرض الدراسة , وثالث ثلاثة من عزلة الجندية السفلى فقد سبقك الشهيد / محمد غانم ناجي , والأستاذ / عبده محمد الجندي , وأظن أنكم كنتم أل تشكيل للمجلس الأهلي للتطوير التعاوني .
كنت تزوارنا في عطلة نهاية الأسبوع , وأذكر أنني كنت أصعد أعلى مكان في القرية لأراقب قدومك في السيارة الوحيدة بالقرية كل خميس , كنت أعانقك في زمن عز اللقاء لمثلينا , حيث كنا ما زلنا صغارا , ينام الناس وأنا أسهر معك فتخبرني تفاصيل أيامك وساعاتك , وكانت المدينة قد كستك شيئا من الصفاء والبهاء , حتى كنت أتخيلك وأنت تمشي كأنك نخلة بين شجر العوسج .
وكما قرر أبي الذهاب بك إلى المدينة فجأة و قرر أن أسافر إلى السعودية , وذهبت إلى سكنك كي أودعك , فقال زملاؤك : إنك سافرت إلى الحديدة ,, وعندما وجدت أن لا حيلة لي بوداعك , رأيت بعض ثيابك معلقة على جدار غرفتك , فأخذتها لألثمها وأشم رائحتها وسط بكاء من حضر.
ودعت أبي باكيا نصفه على أبي وأمي وإخواني وأصدقاء طفولتي , ونصفه عليك يا أحمد .
كنت عندما أعود من السعودية تستقبلني عند بوابة الطائرة لما لك من علاقة جيدة مع سلطات المطار , وكذلك في الوداع , وكان استقبالي ووداعي مهرجانا تحشد فيها الأصدقاء وأطفال الأسرة , تعبر فيها عن معزتي واهتمامك .
وعندما عدت أحمل شهادة التخرج من كلية الهندسة , أخذت الشهادة وظلت بيدك طوال اليوم وعيناك متعلقة بها تقول : أصبح أخي مهندسا ! وكأنك تخرجت أنت لا أنا .
ما كنت أحسب لهذا اليوم أن سيصبح وجودك في حياتي وهما وخيالك يتراءى أمامي سراب .
أحمد ....سأبكيك ما دمت حيا , وتراب قبرك سيبقى في نظري طريا .
لقد كنت لي كما كنت لغيري بشوشا , ضحوكا , الأمل عندك منهج حياة , والتطلع لديك قيثارة يطرب لها القلوب والعقول .
مرت عليك أيام كان الموت ارب إليك من حبل الوريد , لكنك كنت تردد: سأعيش , وذهبت إلى غرفة العمليات وأنت بكامل هندامك وكأنك عريس , كنا أبكي وأنت تضحك , منهار وأنت رابط الجأش , لديك ثقة أن موتك لن يكون بهذا المرض , وإن وُصِفَ بالقاتل , يوم استؤصلت ثلثا المعدة من ورم السرطان .
كنت تقول : سأموت دون أن أحتضر , سأغمض عيني للنوم فترسل نفسي ولت تعود , فكان لك ما تمنيت .
رأيتم يقبلونك يلثمون أناملك وهم يبكون بحرقة , إنهم المساكين وبعض أصحاب الأمراض المزمنة , فقد فضحوا سرك الذي كنت تخفيه عندما كنت تتعهدهم بالعلاج والمصاريف أسبوعيا .
أخي أحمد ... ما أروعك حيا وميتا ! ستظل ذكراك , وإن كانت للآخرين نبراس ألق , إلا إنها ستكون لي مصدر قلق , حتى ألقاك يوم وفاتي الذي أصبحت أتشوق إليه من ساعة قيل لي : أخوك أحمد مات
اخترنا لكم
آخر تحديث
الأحد,29 ديسمبر 2024
الساعة 11:52
مساء
# | اسم العملة | بيع | شراء |
---|---|---|---|
دولار أمريكي | 2025.00 | 2063.00 | |
ريال سعودي | 538.00 | 539.50 |